العدد 4516 - السبت 17 يناير 2015م الموافق 26 ربيع الاول 1436هـ

العمانيون عام 1717... «احتلوا» البحرين أم «حرّروها من الفرس»؟

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

تعرضت البحرين عبر تاريخها الطويل للكثير من الهجمات التي هدفت للاستيلاء عليها، ومن القوى التي هاجمتها العمانيون في العام 1717، تحت عنوان تحريرها من الفرس. فهل فعلاً جاء العمانيون ليحرّروا البحرين من الفرس أم ليستولوا عليها؟

تختلف القراءة للهجوم العماني على البحرين في تلك الفترة باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها للأمر. فالعماني الذي يقرأ تلك الفترة من منظار الصراع الذي كان في أوجه بين الدولة اليعربية العمانية والدولة الفارسية، يرى في الاستيلاء على البحرين امتداداً للنفوذ العماني على حساب النفوذ الفارسي، على اعتبار أن البحرين كانت تحت الهيمنة الفارسية في تلك الفترة.

هذه القراءة العمانية قد تجد لها صدى مرحباً أيضاًً عند من يقرأ تلك المرحلة من زاوية الصراع العربي الفارسي في الخليج العربي. على أساس ذلك، ووفقاًً لهذه الرؤية، يكون هجوم العمانيين على البحرين في العام 1717، «تحريراً» للبحرين من الفرس. لا يعني هذا «التحرير» أن العمانيين لم يستولوا على البحرين، ولكن عنوان «الاستيلاء» لا يبدو مهماً هنا، ولا يمكن وصف الهجوم بالاستيلاء لأن أساس الرؤية يعتمد على زاوية الصراع العماني/الفارسي أو العربي/ الفارسي.

تتجلى هذه الرؤية للهجوم العماني على البحرين في كتاب «عمان عبر التاريخ». يقول سالم بن حمود السيابي (المتوفى 1993) في الجزء الرابع من كتابه: «لما رأى العجم تقلص ظل البرتغال من الخليج، تحرّكوا للبحرين، فاحتلوها، ولما رأى الإمام (سلطان بن سيف الثاني) العجم يرومون أن يحلوا محل البرتغال في بلاد العرب، وهم لهم بعمان سوابق شر، جهّز لهم الإمام جيشاً بقيادة الشيخ حمير بن سيف بن ماجد، وعضده برجال من أهل عمان الذين تعوّدوا الحروب، فزحف الجيش على البحرين، ودارت رحى الحرب بين الفريقين فاندقت العصا الفارسية بالصخر العماني فكسرها، وفرّ العجم من البحرين، وتوالت عليها الولاة العمانيون إلى أن كان آخرهم سيف بن ناصر بن محمد الغافري الذي بنى حصن العينين من خراج البحرين».

ينطلق السيابي في قراءته لحدث الهجوم العماني على البحرين من رؤية عامة للصراع في المنطقة، وهذه الرؤية هي التي تقوده إلى تصوير الهجوم العماني على البحرين وفق مشهد تحريرها وحفظها وحمايتها من الفرس. وفق سياق هذا النص، فإن الفرس كالبرتغاليين الراغبين في احتلال البلاد العربية، حيث «يرومون أن يحلوا محل البرتغال»، كما أن البحرين تعد بلاداً من «بلاد العرب»، وبالتالي يكون من الطبيعي أن الهجوم على البحرين هو «لتحرير» أرض عربية من احتلال فارسي شبيه بالاحتلال البرتغالي. كما أن البقاء في البحرين يكون، وفق هذه الرؤية، لحماية أرض عربية من أية أطماع فارسية باحتلالها. بكلمات أخرى، فإن سياق النص لا يبرّر الهجوم فقط، وإنّما يبرّر الاستمرار في البقاء في البحرين أيضاً، حيث النية الفارسية المستمرة في احتلال البحرين العربية.

في المقابل، فإن هناك قراءة أخرى لحادثة الهجوم على البحرين، لا تهتم بالصراع العماني الفارسي بقدر اهتمامها بالبحرينيين أنفسهم. بغض النظر عن الصراع العماني/ الفارسي أو العربي/ الفارسي، فإن البحريني ينظر إلى الهجوم العماني على البحرين العام 1717 بقدر تأثيره سلباً أو إيجاباً على واقعه المحلي.

في مقابل النص الذي ذكره السيابي في كتابه «عمان عبر التاريخ»، يبرز نص آخر يؤرخ لتلك الحادثة، ولكن وفق رؤية أخرى، وقد رد في كتاب الشيخ يوسف البحراني (المتوفى 1772). يذكر البحراني: «اتفق مجئ الخوارج (العمانيين) إلى أخذ بلاد البحرين، فحصل العطال والزلزال، بالتأهب لحرب أولئك الأنذال، وفي أول سنة وردوا لأخذها رجعوا بالخيبة ولم يتمكنوا منها، وكذلك في المرة الثانية بعد سنة مع معاضدة جميع الأعراب والنصاب لهم، وفي الثالثة حصروا البلد لتسلطهم على البحر حيث أنها جزيرة، حتى أضعفوا أهلها، وفتحوها قهراً، وكانت واقعة عظمى، وداهيةً دهما، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، وبعد أن أخذوها وأمنوا أهلها هربت الناس - سيما أكابر البلد - منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار».

سياق النص الذي يقدّمه البحراني يختلف كثيراً عن سياق نص السيابي. لا يهتم النص هنا بالصراعات الإقليمية بقدر اهتمامه بنقل الرؤية البحرينية المحلية للهجوم العماني. يصف البحراني الهجوم العماني على البحرين «بالفتح قهراً»، كما يذكر «عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء»، ولا ينسى ذكر «هروب الناس».

المشهد المقدّم هنا مشهد «استيلاء» العمانيين على البحرين، وليس مشهد «تحريرها» من الفرس. يبدو لافتاً في نص البحراني وصف العمانيين «بالخوارج»، وخصوصاً حين تتم مقارنة ذلك مع وصف السيابي للبحرين بالبلاد العربية. يذكر السيابي عروبة البحرين ليميز ربما بين العمانيين العرب والفرس غير العرب، ويصف البحراني العمانيين «بالخوارج» ليميز بين الفرس الشيعة وبين الخوارج غير الشيعة.

يبدو السيابي منطلقاً من رؤية عربية في حين يبدو البحراني منطلقاً من رؤية دينية. قد تكون أعمال «القتل والسلب والنهب وسفك الدماء» التي قام بها العمانيون في هجومهم على البحرين عناصر مؤيدة لسيادة الهويات المذهبية في تلك الفترة. بكلمات أخرى، لو كانت الهوية العربية التي يذكرها السيابي هي السائدة وهي إحدى محركات الهجوم على البحرين، فإنها تصطدم مع هذه الأعمال التي مورست ضد البحرينيين الذين ينتمون «لبلاد العرب» حسب توصيفه.

بين القراءة العمانية لحدث الهجوم على البحرين، ممثلةً في قراءة السيابي، والقراءة البحرينية المحلية، ممثلة في قراءة البحراني، يبدو من المهم تذكر أن البحرينيين هم الطرف «المستولَى عليه»، وبالتالي فهم الأقدر على توصيف الحادثة والأكثر ارتباطاً بها. كل قوة تهاجم بلداً ما لها مبرراتها وتوصيفاتها، ويبقى أهل البلد أدرى بمدى مصداقية هذه العناوين، وهم أولى من غيرهم في توصيف ما يجري عليهم.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4516 - السبت 17 يناير 2015م الموافق 26 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 10:14 ص

      مع الشكر والتقدير

      دائمأ الاستاذ حسن سعيد مبدع ومقالاته مفيدة وتنمي المعرفة بالماضي البحريني المغيب قصدا عن عقول البحرينيين
      في انتظار المزيد من المعرفة
      كل الشكر والتقدير

    • زائر 10 | 10:11 ص

      رائع

      مقال رائع
      ارجو الاكثار من هذه المقالات التاريخية لتعريف القراء بتاريخ منطقتهم

    • زائر 8 | 3:09 ص

      بوركت أناملك

      تحليل جميل

    • زائر 7 | 2:21 ص

      مقال جميل

      مقال جميل

    • زائر 6 | 1:49 ص

      أحسنت سيدنا ..

      مقال تاريخي علمي رائع يبين مرحلة مهمة من مراحل تاريخ البحرين المهمل، والذي لابد لنا من دراسته ومعرفته.. جزاك الله خيراً أستاذي العزيز.

    • زائر 5 | 1:39 ص

      احسنت

      احسنت

    • زائر 14 زائر 5 | 2:24 م

      طبعا العمانين حررو البحرين من الفرس
      لانها بلد عربي وهذا لا يختلف في أثنين
      وليس للعمانين أي مطامع في البحرين
      عكس الفرس

اقرأ ايضاً