العدد 4519 - الثلثاء 20 يناير 2015م الموافق 29 ربيع الاول 1436هـ

الشعب الطرف السياسي الثالث في المجتمع قوي بوحدته

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

يذكر المؤرخون أنه قبل نظام الدولة، ساد النظام القبلي لحكم المساحات البشرية والترابية، ثم جاءت أنظمة العوائل الحاكمة، نتيجة الصراعات العائلية داخل هذه القبائل، ليبرز أكثر أفراد العائلة نفوذاً فيها، وربما أكثرهم مالاً، كحاكم أو أمير لكل منطقة، وذلك من خلال إما الاستفراد بمساحة بعينها، أو بشن الغارات للإستيلاء على مساحات قريبة وبعيدة، باستخدام المحاربين عدا عن أفراد العائلة، من المستأجَرين لقاء الغنيمة والإقامة، فيرأس الحاكم البلاد، ويعين مساعدين له لإدارة شئون الحكم، غالبهم من عائلته وقليلهم من شعب البلاد.

وسرعان ما يتوسع هذا الحاكم أو ذاك الأمير في ضم مساحات أخرى إلى حدود إمارته، من المساحات المأهولة وغير المأهولة، فتَسَمَّت كل من هذه العوائل بـ «العائلة الحاكمة»، واستسلمت لحكمها عائلات وأعيان وعامة شعوب البلدان، إما خضوعاً اختيارياً مقابل الحماية والرعاية، وإما جبراً بعد الانهزام أمام أصحاب القوة.

ثم هيمنت القوى الاستعمارية، واختصت بريطانيا العظمى بإمارات الخليج، فأبقت على أوضاعها، شريطة التحكم في كل صغيرة وكبيرة من شئون البلاد، لقاء الحماية، وبدأت في تطوير أنظمة الحكم المحلي، فتباشر بخصوصه تنفيذ أوامرها من خلال المعتمد أو المقيم البريطاني.

خلال تلك الفترة التاريخية، ما قبل الاستقلال، عمدت بريطانيا إلى إعداد الأوضاع، لتنسجم شيئاً فشيئاً مع نظام المواطنة والدولة، بما طوّرته من أنظمة وأجهزة وهيئات لإدارة الحكم، وبما ينسجم ومصالحها الاستعمارية، من خلال استمرار علاقة الحماية.

في البحرين، من بعد أواخر عام 1968، حين عزمت بريطانيا على سحب جيوشها وقواعدها العسكرية من الخليج، وبعد استبيان الأمم المتحدة عن رغبة شعب البحرين في الاستقلال والعروبة، كان شعب البحرين قد مارس السياسة، من خلال انتفاضات العشرينيات (الغواصين)، ثم الثلاثينيات (التجار والأعيان)، إلى الخمسينيات (الهيئة 1954-1956) وآخرها الستينيات (إنتفاضة 1965 العمالية). وكان شعب البحرين قد نال من العلوم والثقافة ما نال، بما هيأه لاستحقاق بناء الدولة المدنية الحديثة، كما جاءت صياغته في دستور 1973، الذي واكب المرحلة التاريخية لجعل مكونات مجتمع البحرين السياسية ثلاثة، الحاكم والحكومة والشعب، وقد كان المعلن حينها يوحي بالانسجام الوطني ما بين أطراف العملية السياسية الثلاثة، ويوحي بالقبول الإقليمي والدولي، وخصوصاً من قبل أميركا وبريطانيا.

إلا أن هذا البناء للدولة المدنية الحديثة، الذي أول أساسياته المبدأ الدستوري، «السيادة للشعب مصدر السلطات جميعاً»، ومبدأ «فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية»، هذان المبدآن اللذان لم يوف بمفهومهما، قد أوقف العمل بالدستور عند أول ممارسة لهما من قبل السلطة التشريعية، بالسيادة تمثيلاً لإرادة الشعب، وباستقلالها في قراراتها، وبالفصل بينها وبين السلطتين الأخريتين، بما أوضح أن هذه الخطوة – حل المجلس الوطني وتعليق بعض مواد الدستور المتعلقة بالتشريع والرقابة – كانت مرسومة لما بعد إقرار المجلس التأسيسي لدستور 1973 الذي تم بموجبه تثبيت شرعية السلطات التفويضية الشعبية، ولما بعد بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها.

وما بين مرحلتي قانون أمن الدولة (أغسطس/ آب 1975) ومرحلة ميثاق العمل الوطني (2001)، مارست السلطات في ظل تغييب سيادة الشعب وتغييب مصدريته للسلطات، المحاولات لإبدال دستور 1973، ولاستبدال المجلس الوطني المنتخب كسلطة تشريعية مستقلة تمثيلاً للشعب، بمجلس شورى معين، ولكن ظل المطلب الوطني العام متوحداً، لأكثر من 25 عاماً، حيث قدّم خلال مسيرته الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمفصولين من الأعمال من الرجال والنساء، من الطائفتين الكريمتين، وكان هذا التكامل والتوحد الشعبي، في توحيد المطالب بعودة الحياة الدستورية، ومبدأ الحرية والعدالة والمساواة، في الحقوق والواجبات بين المواطنين، من دون النظر إلى من بدأ بالمطالبة وبادر، والاستمرار فيه، هو ما أرغم القاصي والداني من الأطراف، المحلي والإقليمي والعالمي، وجعل مشروع الميثاق ممكناً، بداية لمرحلة جديدة، وبنائها بالتطوير على دستور 1973.

إلا أن هناك أطرافاً كانت قد لمست استعداد بعض من الشعب بدواخله المعيشية، للإنفصال والالتحاق بركب السلطات، طمعاً في التمييز والعطايا، ولمست استعداد البعض بدواخله الدينية، للإنفصال المذهبي، بما أوعز بالنظر في ولوج مرحلة جديدة شبيهة بمرحلة قانون أمن الدولة، ولكن بقرارات وتشريعات قانونية لسلطة تشريعية تقع ما بين التعيين الخالص، وبين الانتخاب المحكومة آلياته ومخرجاته الانتخابية والتشريعية.

ومن أجل تحقيق ذلك، عمدت إلى مشروع التجنيس، والتمييز المذهبي، وهما أمضى الأسلحة لتفريق الشعب إلى ثلاث طوائف لا تلتقي. الافتراق الأول بينها هو المذهب المغذّى بالطائفية؛ والإفتراق الثاني استعباد فريق واستعداء آخر بالتمييز؛ والإفتراق الثالث، رفع أفضلية المواطن «الجديد» على المواطن «القديم»، وهكذا تتنافر هذه المكونات وتتفارق، ويبقى الطرف المستفيد متماسكاً.

فهل سيعي الغائب أو المغيّب من شعب البحرين، أنه لا يُحتسب على المكوّن الشعبي طالما افترق بالإنتساب إلى مكونات المجتمع الأخرى.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4519 - الثلثاء 20 يناير 2015م الموافق 29 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 12:51 م

      شكراً 9

      أستاذنا شكراً لك

    • زائر 4 | 11:45 م

      اسعد الله صباحكم بكل خير

      كل الشكر والتقدير لك يا استادنا الفاضل والله مقال فى الصميم مختصر مفيد ولكن اجزم ان فئه كبيره من البعض لا يروق له هادا وكل بساطه ما جاء فى الفقره الاخيره وهى يبقى الطرف المستفيد متماسكا ونسى كلام المولى عز وجل او تناسى كلام المولى عز وجل اما الاخره خيرأ من الاولى فئه قليله من المؤمنين التى بدورها دفع الفاتوره الكبرى وبعد الانفراج يقتسم الكعكه المتخادل المتمصلح فى نهايه المطاف كما جرى من قبل انتقدوا البرلمانات واعتبورها دخيله على مجتمعهم ورجزأ من الشيطان وعندما داقوا حلاوه المميزات نسوا انفسهم

    • زائر 2 | 10:05 م

      افضلية المواطن الجديد !!!

      رفع أفضلية المواطن «الجديد» على المواطن «القديم»، وهكذا تتنافر هذه المكونات وتتفارق، ويبقى الطرف المستفيد متماسكاً.

    • زائر 1 | 10:02 م

      اسعد الله صباحك استاذ يعقوب ( مقالك في الصميم )

      أمضى الأسلحة لتفريق الشعب إلى ثلاث طوائف لا تلتقي. الافتراق الأول بينها هو المذهب المغذّى بالطائفية؛ والإفتراق الثاني استعباد فريق واستعداء آخر بالتمييز؛ والإفتراق الثالث، رفع أفضلية المواطن «الجديد» على المواطن «القديم»، وهكذا تتنافر هذه المكونات وتتفارق، ويبقى الطرف المستفيد متماسكاً.

اقرأ ايضاً