العدد 4530 - السبت 31 يناير 2015م الموافق 10 ربيع الثاني 1436هـ

«يتيم» أول من طلب ترخيصاً لفتح دار سينما العام 1927

«مسيرة وطن» لعبدالعزيز السيد...

ما يعرف بـ «مرسح البحرين» يعلن قرب افتتاح السينما
ما يعرف بـ «مرسح البحرين» يعلن قرب افتتاح السينما

تُظهر الوثائق التي احتواها كتاب الباحث عبدالعزيز يوسف السيد «مسيرة وطن»، أن «أول من تقدَّم لطلب ترخيص لفتح دار للسينما في البحرين هو علي أحمد يتيم وشركاؤه، وذلك في 29 أغسطس/ آب 1927م (2 ربيع الأول 1346هـ)، وبالفعل تم منحهم الترخيص اللازم لهذا المشروع الإعلامي في 20 سبتمبر/ أيلول 1927 (24 ربيع الأول 1346 هـ) لمدَّة 3 سنوات».

في فترة مبكرة جداً، يوم كانت دول المنطقة تتلمَّس طرقها لتأسيس وتحقيق ما يُقيم أودها، بحكم شح الإمكانات، وما يشبه العزلة التي كانت تعاني منها، ربما ساعد على ذلك طبيعة الجغرافية القاسية، وخصوصاً الصحراوية منها، كانت البحرين قد بدأت تدشين مؤسسات دولتها الحديثة، وإن كانت في صور وإمكانات بدائية محدودة.

السينما، لم تكن مُرحَّباً بها، بحكم الالتزام الديني لدى معظم شعوب المنطقة، ولاعتقادهم بأنها الباب الأوسع لإفساد الأخلاق وإتلاف القيم، وما ينتج عن كل ذلك من افتتان، وانجرار وراء كل ما يُخرج أبناء المنطقة عمَّا استقاموا عليه بالتديُّن والالتزام. ولا أحد وقتها يمكن أن يعارض مثل وجهة النظر تلك أو القناعة.

يُسجِّل في هذا الشأن كتاب السيد، الصادر في العام 2010 «مسيرة وطن»، وجاء في 790 صفحة من الحجم الكبير، من دون ذكر جهة النشر، جانباً من تاريخ البحرين في مطلع القرن الماضي. وبمعنى أدق، يسجِّل تاريخ قيام المؤسسات، وطبيعة أنشطتها، والإحصاءات المرتبطة بها. وعلى رغم أن الكتاب في كثير من معلوماته لم يأتِ بجديد، مقارنة بالكتب التي سبقته بسنوات، وخصوصاً ما أصدره الباحث خليل المريخي وغيره، إلاَّ أن ما يمتاز به، هو احتواؤه على كمٍّ هائل من الوثائق والمراسلات التي ربما تنشر للمرة الأولى، وتبدو في حالة جيدة وواضحة، يمكن قراءة أكثرها. إن توافر ذلك الكمّ من الوثائق، ربما بسبب المواقع وطبيعة العمل الذي مارسه الباحث السيد، وامتد إلى أكثر من خمسة عقود في هذا المجال، بدءاً من عمله في دار المستشارية في خمسينيات القرن الماضي، مروراً بعمله كأخصائي أول وثائق وسجلَّات، وأخصائي أول معلومات ووثائق، وانتهاء بعمله قبل أن يتقاعد من العمل الحكومي، كمستشار بوزارة شئون مجلس الوزراء.

الكتاب سلَّط الضوء على عدد من الموضوعات التي سبق أن تم تناولها من باحثين قبل أكثر من عقود ثلاثة، باستثناء التفصيل في ثلاثة موضوعات تتعلَّق بالسينما والمعارض، وبداية مصانع الثلج؛ علاوة - كما أشرنا - إلى الكمِّ الكبير من الوثائق، على رغم الإرباك في ترتيب الكتاب ومنهجه، وإخراج الوثائق أحياناً بعيداً عن ملازمتها النصوص، كما لم يتم تخصيص ملحق خاص بها، على الأقل، وذلك منهج يمكن اتباعه، وخصوصاً بتلك الوفرة التي تحققت للوثائق والمراسلات.

تناول المؤلف: الغوص، النفط، المستشفيات، الاتصالات، البلديات، التعليم، الكهرباء، الماء، الشرطة، الجوازات، القضاء، السينما، الجمعيات والأندية، إنشاء أول جسر، إحصاء النفوس، المطابع، الصحف والمجلات، الجريدة الرسمية، إذاعة البحرين، الطيران، والموانئ.

احتجاجات رجال الدِّين

مع منح ترخيص قيام دار للسينما، لم يكن الأمر ليمر مرور الكرام، من دون أصوات احتجاج هنا، ورفض هنالك، وخصوصاً من طرف بعض رجال الدِّين الذين يتصدَّون بحكم دورهم والوظيفة التي يقومون بها، باعتبارهم «حرَّاساً» للدِّين، كما يعتقدون، وموانعَ لكل ما يرونه جديداً وماسّاً بالثوابت أو القيم التي نشأ عليها المجتمع.

يورد الباحث السيد شيئاً من ذلك بإشارته إلى أن مثل ذلك الترخيص أثار «جدلاً كبيراً واحتجاجاً من قبل بعض رجال الدِّين، منهم القاضي الشيخ قاسم المهزع، والشيخ عبداللطيف آل سعد، على أساس أن دخول السينما إلى البحرين، يتبعه الكثير من المضار التي قد تمسُّ الدِّين والدنيا، وما قد يتمخَّض عنها من مفاسد عامة.

إلاَّ أن الحكومة كان لابد أن تعمل على امتصاص واحتواء تلك الموجة من الاحتجاجات والرفض بطمأنة وجوه البلد، وخصوصاً رجال الدِّين، بأن إدخال السينما إلى البلد لن يمر هكذا من ضوابط وشروط، بما لا يؤدِّي إلى مفاسد من أي نوع.

يُوضح الباحث السيد بأن الحكومة «طمأنتهم بأنها اشترطت على من منحتهم الترخيص بألاَّ يتم عرض كل ما يخلُّ بالآداب، أو يسيء إلى الدِّين، وألاَّ يختلط الرجال بالنساء، بالإضافة إلى قيام مفتشي الحكومة بمراقبة ما يُعرض في السينما من أفلام (...)».

«يتيم وشركاؤه» طلبوا مهلة 5 سنوات لإعداد المبنى؛ إلا أنهم لم يتمكَّنوا من ذلك، فتقدَّموا بطلب تجديد الترخيص، ولجسِّ نبض الحكومة وقتها للوقوف على حقيقة أنها لم تمنح ترخيصاً لجهات أخرى، ومع الموافقة على تجديد الترخيص أخبرتهم الحكومة بأنها ستمنح الترخيص لأي جهة تتقدَّم بطلبها.

خطاب الشيخ المهزع

عُرف قاضي الشرع، وقاضي قضاة البحرين، الشيخ قاسم المهزع رحمه الله، بشدَّته في الحق، وصراحته وعدم المُمالأة، وخصوصاً في ما يتصل بالدِّين، والحقوق واتساق أي أمر يستجدُّ مع فهمه مطابقةً أو مخالفة لما جاء به الشرع، فكان أن أرسل خطاباً إلى نائب حاكم البحرين بعد بلوغه أمر الترخيص لدار السينما، يضعه أمام موازين الشرع، ويذكّره بالضوابط، وما يمكن أن تجرّه الدار من مفاسد كبيرة على البلاد والعباد، مع مناصحة لم تخْلُ من الاعتراف بفضله، وقد وصف نائبَ حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بأنه «أحد ملوك الإسلام، فحافظ على أوامره في جميع معالمه، وعلمي بعقلك وفهمك يحجز لساني عن بيان معالم شريعتك، فالله الله، فما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وكانوا يتقون».

آل سعد... السينما/ الملعب

بدوره أرسل الشيخ عبداللطيف آل سعد خطاباً إلى نائب الحاكم، يُبدي فيه اعتراضه على السماح بفتح دار للسينما، وأطلق على السينما اسم «ملعب»، وربط بين «الأذى الذي تسبِّبه للأحياء والأموات معاً؛ وخصوصاً أن الموقع الذي اختير للسينما يجاور مسجدَ إحدى المقابر، ومما جاء في الخطاب: «سمعنا ضجَّة من كثير من الأهالي، ووقع تشويش من تأسيس الموضع المذكور، (مْضَايقْ مسجد المقبرة وعينها)، و «مضايق» كلمة عامية تعني: يزاحم بالفصحى) بل أصاب بعض القبور القديمة، والأموات لهم حرمة لأنهم يتأذَّون ويتضرَّرون مما يتأذَّى ويتضرَّر منه الأحياء (...) القصد إعلامكم باستياء الأهالي من ذلك (...)».

استمرار التقدُّم بطلب التراخيص

وعلى رغم كل تلك الاحتجاجات من بعض علماء الشرْع، إلاَّ أنه بعد العام 1933، وهو الموعد المقرر لتدشين أول سينما بعد منح الترخيص لها قبل ست سنوات، توالت طلبات التقدُّم لمزاولة النشاط نفسه من قبل عدد من التجَّار البحرينيين، وكان من بينهم عدد من أفراد العائلة الحاكمة؛ إذ تقدَّم بتاريخ 21 مايو/أيار 1936 (غرَّة ربيع الأول 1355هـ)، كل من الشيخ علي بن محمد آل خليفة، والشيخ علي بن عبدالله آل خليفة «بطلب إلى الحكومة لفتح دار للسينما، وقد تمَّ الترخيص لهما بتاريخ 28 يونيو/حزيران 1937»، وبعد عام من الحصول على الترخيص «دخل معهما شركاء كل من الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، والحاج عبدالله علي الزايد، وعلي ومحمد يتيم في شراكة لإدارة السينما».

«مرسح البحرين»

«المرسح» مسمَّى للمسرح وقتها، أو مساحة ومكان العروض. فبحلول نهاية شهر يونيو 1938، تمَّ افتتاح أول دار للسينما تحت مسمَّى «مرسح البحرين»، وبحسب عبدالعزيز السيد «بعدها آلت ملكيتها بالكامل إلى الشيخ علي بن أحمد، وأعيد تسميتها باسم (سينما البحرين) وافتتحت رسمياً في 32 مايو 1951 (17 شعبان 1370هـ)».

قبل ذلك بخمس سنوات؛ أي في العام 1946، وتحديداً في 8 ديسمبر/كانون الأول «تقدَّم كل من إبراهيم محمد الهجرس، وإبراهيم محمد الزياني، بطلب منفرد لكل واحد منهما لفتح دار للسينما، ومُنحا ترخيصاً بذلك بشروط محدَّدة تجب مراعاتها (...) والخضوع للجنة مراقبة الأفلام السينمائية، والتي تم تأليفها من كل من الدكتور صدِّيق مندوباً عن دار الاعتماد البريطانية، ومحمد يحي زمان، ممثلاً عن الحكومة، ومحمد صالح الشتر، عن بلدية المنامة».

لتتوالي بعد ذلك العام الطلبات؛ إذ تقدَّم مخزن العلوي لأصحابه عبدالرحمن عبدالغفار العلوي، وهاشم عبدالغفار العلوي وشركاؤهما، بطلب ترخيص لفتح دار سينما على الطراز الحديث تحت اسم (سينما أوال)، يشترك معهما كل من الشيخ خليفة بن حمد بن عيسى آل خليفة، والحاج أحمد بن يوسف فخرو، والحاج خالد العوجان، والشيخ عبدالنور محمد بستكي، ومحمد صالح السجمي، وأحمد عمران، ومحمد حسن المحروس، وعلي حسين الخلفان، وعباس أحمد العلوي، وقد أجازت لهم الحكومة فتح تلك الدار.

ولم تتوقف طلبات الترخيص في هذا المجال؛ إذا مع حلول الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1948 (غرَّة محرم 1368)، تم منح ترخيص لدُور سينما لكل من: إبراهيم محمد الزياني بفتح سينما باسم (سينما الأهلي). ترخيص للحاج عبدالعزيز حسن القصيبي بفتح سينما باسم (سينما اللؤلؤ). ترخيص لإبراهيم محمد الهجرس تحت اسم (سينما الوطني)، شتوية وأخرى صيفية تحت الاسم نفسه. ورُخِّص ليوسف طه وشركائه بفتح دار للسينما صغيرة ذات قياس 16 سنتمتراً في مدينة المحرق، بتاريخ 27 مايو 1947، إضافة إلى السماح له بفتح دار سينما في المنامة، ولكنه لم يقم بفتح أي منهما. ترخيص لمشاري راشد الملا بفتح دار للسينما في المحرق تحت اسم (سينما المحرق)، يمتلكها عبدالرحمن القصيبي في الثاني من نوفمبر 1948.

استعراض الوثائق/ المراسلات

في تتبُّع الوثائق والمراسلات التي امتلأ بها كتاب الباحث عبدالعزيز السيد، نقف على الأولى منها، والتي تمَّتْ بين الحكومة والأطراف التي طلبت الترخيص، وهي وثيقة تحمل الرقم (260)، مؤرخة باليوم الذي تم فيه منح ترخيص دار السينما (20 سبتمبر 1927) وهي مرسلة من نائب حاكم البحرين وقتها، المغفور له سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، إلى علي بن أحمد يتيم ردَّاً على الطلب.

وتضمَّنت الرسالة/الوثيقة، جانباً من الشروط التي وضعتها الحكومة لمنح الترخيص، ومما جاء فيها: «أخبركم أن بعد الشروط - الحكومة ما عندها اعتراض على الرخصة - (لاكن) يلزم أن الحكومة ستفتش على جميع العكوس (يعني الصور، لكنها تعني في هذا السياق: الأفلام)، قبل لا يشتغل بها - ويكون تمشون على موجب القانون الذي يوافق الراحة وسلامة المتفرِّجين». (ما أوردناه مطابق لنص الوثيقة من حيث لغتها).

ومن بين الوثائق/المستندات التي مثَّل أكثرها رسائل وردَّاً على الرسائل، رسالة أحد المتقدِّمين بطلب الترخيص لسينما، الشيخ علي بن محمد آل خليفة إلى مستشار حكومة البحرين، مؤرخة في 14 ديسمبر 1936، ذكَرَ فيها، أن الموظفين سيكونون من أهل البحرين، باستثناء شخص أو اثنين سيتم إحضارهما إما من الهند أو البصرة، وتفاصيل سعة السينما التي تصل ما بين 700 إلى 1000 متفرج! وتفاصيل تتعلق بتدبير رأس مال تنفيذ مقر السينما، وطلب بأن تكون مدَّة الامتياز عشر سنوات بدل ثلاث سنوات.

وثيقة أخرى بتاريخ 11 ديسمبر 1936، تحوي رد المستشار على رسالة الشيخ علي بن محمد، وفيها طلب تفاصيل رأس المال ومن سيتم توظيفهم وأعدادهم وجنسياتهم، وصفة البناية التي يجب أن تتضمن شروط السلامة كما هو متبع في الهند.

إضافة إلى وثيقة بتاريخ 22 يناير 1938، عبارة عن دعوة موجَّهة إلى مستشار الحكومة لافتتاح «مرسح البحرين». واتفاقية بين عدد من الأطراف لإنشاء السينما، ورسالة بتأجيل افتتاح سينما المحرق، وصورة عن بيان أسعار التذاكر ودرجاتها؛ إذ حُدِّدت بدرجات ثلاث أعلى قيمة لها تصل إلى 270 فلساً.

الكتاب ثريٌّ بالوثائق التي حوَتْه، في أسلوب سهل لا تكلُّف فيه، وإن بدا في بعض فصوله وتناولاته لا يعبأ بالترتيب في تناول الأحداث تبعاً لكل موضوع؛ إذ نراه يتناول حدثاً في العام 1951، ليعود بنا إلى العام 1938، ليعود بنا ثانية إلى ما بعد منتصف أربعينيات القرن الماضي.

المؤلف في سطور

يُذكر، أن عبدالعزيز يوسف السيد، من مواليد العام 1936 بمدينة المنامة «فريج» الفاضل. درس بالمدرسة الشرقية بالمنامة. عمل في الحكومة لمدَّة تصل إلى 57 عاماً، من العام 1953 إلى العام 2010. التحق بالعمل في المستشارية بوظيفة كاتب العام 1953. كما عمل سكرتيراً لمجلس الزراعة والريِّ بين عامي 1957 و 1958. تدرَّج في الوظائف على النحو الآتي: أخصائي لشئون الجلسات بأمانة سر شئون مجلس الوزراء. رئيس قسم الأرشيف. منسق الجلسات. أخصائي أول وثائق وسجلَّات. أخصائي أول معلومات ووثائق. مستشار بوزارة شئون مجلس الوزراء. حصل على وسام البحرين من الدرجة الثالثة في العام 2000م.

رسالة نائب الحاكم إلى علي يتيم تتضمّن شروط الترخيص
رسالة نائب الحاكم إلى علي يتيم تتضمّن شروط الترخيص

العدد 4530 - السبت 31 يناير 2015م الموافق 10 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً