العدد 4530 - السبت 31 يناير 2015م الموافق 10 ربيع الثاني 1436هـ

العلاج الحكومي المجاني والطب الخاص

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كنا نتسامر عن ذبول مستشفى السلمانية وكيفية هروب المرضى منه لسوء سمعته مؤخراً، وكيفية انتشارالمستشفيات والعيادات الخاصة في السنوات الأخيرة بشكل جنوني والمُصرح بها للأطباء الأجانب أو يملكها التُجار وأصبح العلاج كوَرشات العمل التي نسمع بها والتي هدفها الأساسي هو الربح أو كأي بيزنس آخر، وإن صحة البشر أصبحت آخر همهم وفي خطر حقيقي (ليصبح الطب كالدجاجة التي تبيض ذهباً) وأصبح بعض الأطباء يُراهن على نفسه ويتحرك كالمغناطيس مُنجذباً للراتب الأعلى بغض النظر عمن يَملك المكان ويتماشى مع الأسس الربحية للُعبة وبشروط النسبة، وبذا تخطت أعداد الأطباء والهيئة الطبية المساعدة من الأجانب، وتتعدى المئات وتفوق أعداد البحرينيين في المهنة، وتضاعفت أسعار العلاج مرات عدة، وبات منطق السوق يُحتم الكم على حساب الكيف والربح السريع على جودة الخدمات، وأصبح المريض يُعاني الأمرَّين، سوء الخدمات وغلاءها في الوقت الذي كان يَحصل عليها مجاناً في الماضي القريب.

إن الطب مهنة جليلة وإنسانية ولا تحتمل اللعب بها أو التجارة بها من خسارة أو أرباح على حساب الجودة بتاتاً، لأن الضحية ستكون بموت المريض أو اللعب بصحته وراحته. وهذه حقيقة لا تحتمل النقاش إطلاقاً. ولأن للسعادة والفرح بعد شفاء المريض ثمناً لا يُقارن بأي ثمنٍ مادي، هو همٌ لا يُدركه الكثيرون من أطباء هذا الزمان، ولكن يبدو أن الأمور قد تغيرت وأصبحت سعادة جمع المال الزائف هي الهدف الحقيقي عند البعض.

ولكن بالرغم من كل هذا وذاك دعوني أعود للبداية لأريكم جزءاً من تاريخ الخدمات الطبية الجليلة في بلادنا العزيزة البحرين، والتي عاصرتها أنا شخصياً لأريكم كيف كانت تلك الخدمات رائعة عندنا في زمانٍ ليس ببعيد، بدءاً من مستشفى السلمانية الطبي في أوائل السبعينيات والتي عاشت عصرها الذهبي حين بناء ذلك الصرح الضخم، وما رافقه من تدريب الكوادر الوطنية للبحرينيين للتخصص في الخارج على أوجّها لتغطية التخصصات كافة، وفي فترة قياسية أضحى لدينا أجدر الاستشاريين والمُساعدين في المهن الطبية، وكيف لي أن أحزن وأنا أرى تراجعها في السنوات الماضية، ولأسبابٍ أحاول تلخيص بعضها، بدءاً من النقص الواضح للاستشاريين وخروج أو إخراج الصف الأول من العمالقة الأوائل منهم من مستشفى السلمانية والمراكز الصحية وتلاها الطواقم الطبية المساعدة، حيث أُبعدوا وهم في أوج عطائهم، واستبدلوا بآخرين أجانب أقل خِبرة وكفاءة وحصل كذلك مع الإداريين الأوائل ذوي الخبرة، حيث نرجو إعادتهم أو تعيين ذوي الخبرة لينفض غُبار ما حدث من سقوطٍ مهني للمستشفى لإعادة أوجه ومجده القديم، من غُربة وضنك، وحاجة المرضى الشديدة لخبراتٍ تعودوا عليها أولئك الذين بُنيت على أكتافهم مُعظم الخدمات الطبية في مراحل تأسيسها الأولى، مع الإدارة الفاضلة لنشأة الوزارة آنذاك، والتي كانت تقف في الصفوف الأولى لدول الخليج والعالم العربي وبشهادة الجميع، وكيف تم خلو البحرين من كُل الأمراض الوبائية حينها، وتوزيع وبناء المراكز الصحية المجانية، والتي صُممت بطريقة مُتفوقة وأنيقة كشبكة ربطت العلاجات لمناطق البحرين كافة، وأدخلت نظام طبيب العائلة (سأتحدث عنه لاحقاً)

وأنه مع وجود مركز السلمانية الطبي والتخصصي والمراكز الصحية المجانية، والتي كان بعضها يعمل على مدارالساعة، لم يكن حينها المواطنون بحاجة للذهاب للطب الخاص إطلاقاً، والذي كان محدوداً للغاية ولا يُقارن بالكفاءة الحكومية العالية الجودة مع إمكانياتها المتنوعة، والحديثة حينها، بحيث كان المستشفى الأميركي على وشك قفل أبوابه والاستعانة بالحكومه لطلب العون، وصدرت القوانين مع تزايد الخريجين البحرينيين لاقتصار ممارسة المهنة في القطاع الخاص للأطباء البحرينيين فقط، وقانون آخر يمنع الاتجار بالمهنة بمنع التُجار وأصحاب المال من فتح العيادات والمستشفيات وأن تقتصر على الأطباء فقط لحماية الأطباء ومهنتهم من غير الأطباء أو من منافسة الأجانب لهم وبحرنتها تدريجياً بالكامل.

لقد كانت بلادنا تسير على خطىً رائعة من إصدار القوانين لحماية أبنائها، وكانت الإمكانيات الحكومية جَبارة وتُغطي معظم حاجات المواطنين، وفي كُل أنحائها على سطح هذه الجزيرة الصغيرة الجميلة، وكانت تُعطى مواعيد العلاج والكشوفات أو العمليات مُتقاربة للجميع، ولا تفرقة بين غني وفقير، بحيث تعوَّد المواطنون على حُب العلاج الحكومي واحترام المواعيد للثقة العالية لديهم في الخدمات المقدمه لهم.

ولكن مع الازدحام والزيادة السُكانية المُفاجِئة للبلاد في السنوات الأخيرة، وعدم توسعة الخدمات لعدم زيادة الموازنة العامة للصحة (الـ (budget) بما يتماشى مع زيادة الازدحام، تراجعت الخدمات الطبية، وباتت المواعيد تؤجل لأشهر عدة، لرؤية الأخصائيين أو للأشعة والأسنان والعلاج الطبيعي... الخ، ما يضطر المرضى للجوء للطب الخاص للعلاج لعدم تحمل الآلام والحاجة للعلاج السريع. وبذا انتعش سوق الطب الخاص وعلى حساب سوء الخدمات الحكومية، ومع تغيير القوانين للانفتاح التجاري التي كانت تحمي البحريني انتشرت العيادات والمراكز والأجانب والتجارة، وعَمَّت الفوضى في البلاد، وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4530 - السبت 31 يناير 2015م الموافق 10 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:30 م

      هههههههههههههههه

      للفهيم اللي كاتب إن وزارة الصحة تبي شهادة الجودة
      يا أخي العزيز وزارة الصحة هي التي تقر بالجودة للمستشفيات و ليس كما تفضلت
      و للعلم فأن معايير الجودة تختلف من مسشتفى إلى آخر
      فالسلمانية مثلا تتعامل مع الهيئة الكندية لضمان الجودة
      و هناك من يستخدم الJCI
      و هناك من يستخدم نظام الآيزو
      فأتمنى من اي شخص لا يفهم معنى الجودة أن لا يخوض بمثل هذي المواضيع
      و عاشت مملكة البحرين

    • زائر 5 | 1:17 م

      موضوع مهم

      بارك الله فيك هذه هي الحقيقة والواقع الذي نعيشه

    • زائر 4 | 1:02 م

      وعقب هذا كله

      وزارة الصحة..تبي..تاخذ شهادة الجودة

    • زائر 3 | 4:54 ص

      السلمانيه في خطر

      الله يسلم هاكتابة اللي تشرح مايدور في اروقة هذه المهنة نحن ننتظر المزيد يادكتورتنا العزيزة كلام رائع وجميل والله واصبح الطب سوقه يمشي بالبيزات وياريتها زينه وتكفي

    • زائر 2 | 2:00 ص

      المحاماة والطب

      اكبر المهن بها جشع وتفوز علي مهنة الدلال

اقرأ ايضاً