العدد 4536 - الجمعة 06 فبراير 2015م الموافق 16 ربيع الثاني 1436هـ

الخليج من الدولة الريعية الأبوية إلى الدولة الغنائمية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أثارت الندوة التي نظمها منتدى «وعد» يوم الأربعاء (18 يناير/ كانون الثاني 2015، لعرض تقرير مركز دراسات السياسات الخليجية: «الخليج الثابت والمتحول»، والتي انتدى فيها كل من المشرف على التقرير عمر الشهابي، والباحث في المركز والمشارك في التقرير أحمد العسبول، سجالاً تكرّر كثيراً في المنتديات والمؤتمرات والندوات المكرّسة للخليج والنظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي القائم.

وقد جاء الانهيار السريع في أسعار النفط الخام إلى ثلث سعره السابق (من 120 إلى 45 دولاراً للبرميل الواحد) حيث تشكل مداخيل النفط ما بين 85 و95 في المئة من واردات الدولة، ويشكل قطاع النفط القاطرة التي تقود اقتصاديات الخليج، لتطرح تحدياً كبيراً هو كيفية تعامل الأنظمة الخليجية مع هذه الوضيعة. ويطرح البعض ضرورة فرض ضرائب على دخول الشركات والأفراد وإنهاء أو تقليص الدعم للعديد من السلع والخدمات، وإعادة النظر في مجانية بعضها مثل التعليم والصحة.

والحقيقة أن بعض علماء الاقتصاد والاجتماع طرحوا منذ سنوات ما يعرف بـ «ما بعد الدولة الريعية»، وطوّر بعضهم - مثل أديب نعمة - أطروحة «الدولة الغنائمية»، وقد سبقهم في ذلك الكاتب اللبناني وضاح شرارة في كتابه «الأهل والغنيمة».

تستند هذه الأطروحة إلى تتبع نشأة وخصائص الدولة الريعية، وخصوصاً في الكيانات النفطية الخليجية. فمن المعروف أن المصادفة التاريخية هي التي تمثلت في اكتشاف النفط والغاز في المنطقة، وفي ظل أنظمة حكم هي دون الدولة، حيث كانت جميعها باستثناء السعودية، تحت الحماية البريطانية. فتوافرت ثروة مفاجئة بدأت في التضخم بسرعة، وفي ظاهرةٍ لا سابق لها في العالم.

وعلى رغم أن الشركات الأميركية هي التي هيمنت على إنتاج النفط في منطقة الخليج، إلا أن الإمبراطورية البريطانية من خلال المقيم السياسي في الخليج، وكان مقره بوشهر ثم انتقل الى البحرين، والوكلاء السياسيين والمستشارين البريطانيين في كل كيان خليجي ما قبل الاستقلال، هم الذين صاغوا سياسات هذه البلدان ومن ذلك التصرف في هذه الثروة المفاجئة.

ومع تباين الصيغ، فإن الدولة أو الكيان الريعي الخليجي، يقوم على مبدأ أن النفط وعوائده هو ملكٌ خاص وإن لم يكن رسمياً، ويتم توزيع عوائد النفط في شكل هبات ومكافآت تتدرج في العطاء، واستتبع ذلك ما يعرف بالمكرمات من الأراضي والهبات والامتيازات. وفي ظل هذا اللوضع، كانت المكرمات تتجلى في توفير خدمات الدولة الرئيسية للمواطنين من مساكن وتعليم وخدمات صحية وبلدية مجاناً.

أما الوجه الآخر الذي روعي في البداية، فهو إما تسنم منصب رسمي أو الاشتغال بالتجارة، وهذه القاعدة كرسها المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح أبو الاستقلال والحاكم الأسبق للكويت.

كان نظام الاقتصاد الريعي ممكناً في ظل قلة السكان، ومحدودية ألاسر، لكن ذلك تغيّر حيث ازداد المواطنون بسرعة بفعل ارتفاع معدل الخصوبة والرعاية الصحية. كما كان ذلك ممكناً بفعل محدودية التطلعات، وهو أمرٌ تغيّر كثيراً بالتعرف على مباهج الحياة والانفتاح على العالم الخارجي، والطموح لتملك الأغلى والأندر، فالذي كان يكتفي بفيلا أضحى يريد قصراً، والذي كان يكتفي بسيارة أضحى يريد أسطولاً من السيارات، والذي يكتفي بركوب الطائرة بالدرجة الأولى أضحى يريد طائرة خاصة به.

ويمكن القول إن منطقة الخليج، شهدت أسرع معدل نمو في العالم من حيث السكان، وأسرع توسع عمراني، ومن أعلى البلدان في معدل الاستهلاك وخصوصاً الطاقة والماء. أما ظاهرة فصل المنصب عن التجارة فقد تلاشت.

هذه الترتيبات خلقت تحوّلاً في وظيفة الدولة وطبقتها وطبيعة اقتصادها، فلم تعد عوائد النفط توزّع لتفيء على جميع المواطنين وتلبي تطلعاتهم، بل أضحت عوائد النفط وامتيازات الأراضي والعقود تنحصر تدريجياً في بعض العوائل او الفئات، وينال المنتمون للدوائر الأضيق نصيب الأسد.

وفي ضوء ذلك جرى الحد من كثير من الخدمات المضمونة سابقاً مثل الإسكان، ففي البحرين مثلاً تصل فترة الانتظار إلى أكثر من 20 سنة، وهناك ما يزيد على 50 ألف طلب تتراكم مع مرور الزمن. أما في الكويت البحبوحة فهناك ما يزيد على 75 ألف طلب لقسيمه أرض من الدولة. وبالنسبة للخدمات التعليمية، فعلى رغم أنها مجانية، إلا أنها تتدهور؛ ما فتح الباب أمام التعليم الخاص، والجيد منه مكلف ويستفيد منه الخاصة على حساب العامة. وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات الصحية، والتي شهدت أيضاً ظهور القطاع الخاص الطبي.

وبقدر ما كانت الدولة الريعية أبوية، أي متسامحة نسبياً أمام منتقديها ومعارضيها وخصوصاً أن المعارضة لم تكن منظمة في غالب الأحيان، فقد أضحت الدولة الغنائمية لا تتسامح مع المنتقدين والمعارضين، خصوصاً في ضوء تطور الوعي والتنظيم والمطالبة أيضاً بالمشاركة السياسية والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان. من هنا تشهد بعض البلدان الخليجية ظواهر لا سابق لها مثل التعذيب والأحكام القاسية والنفي ونزع الجنسية والانتهاكات بما في ذلك شمولها للنساء والأطفال، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً.

إذاً نحن أمام مفارقة واضحة، وهي أنه مع تزايد واتساع الوعي والتعليم في أوساط المواطنين، ومطالبتهم بما يعتبرونه حقوقاً، وأن يُعامَلوا كمواطنين كاملي الأهلية، والتمتع بالمواطنة المتساوية، فإن الأنظمة السياسية تنحو للإبقاء على بنية الدولة القديمة في جوهرها وتقليص ما تقدّمه للمواطنين. وإذا اضطرت لإقامة هياكل جديدة مثل البرلمانات أو المؤسسات الدستورية، فإنها تكون مفرغةً من مضمونها.

كما أنه إذا كان العمل في الحكومة والقطاع العام مضموناً سابقاً، بل والترقي، فإنه ما عاد مضموناً، وتسنم الوظائف القيادية رهن بالولاء وليس الكفاءة، وتوزيع للمناصب كمكافأة للجماعات والعائلات والفئات المقربة. كما أن الانخفاض الهائل في عوائد النفط، في ظل إصرار الأنظمة على الإبقاء على امتيازاتها وتوزيعها، سيفاقم من قصور ما تقدّمه الدولة من خدمات للمواطنين والسكان، ويقلص التوظيف الحكومي، وحتى القطاع الخاص سينحو للتقليل من توظيف المواطنين باتجاه العمالة الأجنبية الأرخص، وتخفيض النفقات في ظل تنافس حاد. لذا فمن المتوقع أن تتفاقم مشكلة البطالة في أوساط المواطنين، ولن تنفع برامج الإحلال النظرية، وهو ما ينذر بصراع اجتماعي إلى جانب الصراع السياسي.

كل ذلك يتم في ظل أخطار إقليمية جدية، وصعود التنظيمات التكفيرية وإمكانية نقلها الصراع إلى داخل بلدان مجلس التعاون الخليجي، فيما هي محصورة حالياً بشمال الجزيرة العربية (سورية والعراق) وجنوبها في اليمن.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4536 - الجمعة 06 فبراير 2015م الموافق 16 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:34 ص

      الخطر الايراني

      الظاهر ايران ليس لها علاقه بالخليج العربي وغي مؤثره ولا تقوم بتمويل الارهاب في اليمن وسوري والعراق والبحرين خاطري اتكلم عن ايران

    • زائر 5 | 6:21 ص

      اغسل قلبك من الاحقاد يازائر 1

      تقدر اتقول اليه ويش دخل الموضوع بايران وانه يتراوالى انك لن تقرا الموضوع

    • زائر 4 | 6:18 ص

      شكرا استادى

      لن يعم الخير والامان والظلام بعيدين عن شرع الله والضحيه الشعوووب الشعووب ابتليت بقوم لايخافوون الله همهم علفهم ودائما ينفذون اجندة الشيطان الله اساعد الشعوووب المظلوومة خصوصا شعب البحرين الطيب

    • زائر 3 | 5:39 ص

      زائر رقم 1 ايران الخطر رقم 1

      سرقت المال العام في البحرين والفساد المالي الإداري المذكور في تقرير الرقابة المالية والإدارية ... السبب ايران
      سرقت الاراضي التى تنهب من المال العام ومساحة كل ارض اكبر من القرى المجاورة لها .... السبب ايران !!!
      اراضي بحرية من المال العام تتحول بقدرة قادر الى مجمعات وفنادق ولا يوجد فلس واحد يعود لميزانية الدولة بل تذهب لجيوب خاصة .... السبب ايران!!!
      عوائل لهم رواتب من الولادة وعوائل رواتب العمل الشاق لا تكفيهم .... السبب ايران
      بالوعة بيت جيرانا فايضة في الشارع والسبب ايران !

    • زائر 2 | 2:51 ص

      العمالة الوافدة

      لا مناص من وضع ضوابط للعمالة الوافدة بعد أن أصبحت تمثل الأكثرية في كل دول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك البحرين. ليس من الصواب أن تكون هناك بطالة في أوساط المواطنين مع ذهاب فرص العمل للأجانب. طبعا، من المناسب إفساح المجال أمام العامالة الوافدة لتعزيز التنافسية لكن ما يحدث عندنا غير طبيعي بالمقاييس العالمية.

    • زائر 1 | 1:17 ص

      و ماذا عن الخطر الإيراني

      تكلمت عن كل الاخطار السياسية و الاقتصادية و لكنك لم تتكلم عن الخطر الإيراني الذي يتربص بِنَا ؟ ايران دولة معادية لمل ما هو عربي و مسلم

    • زائر 8 زائر 1 | 8:06 ص

      ههههه

      شكله مخك مجيم

اقرأ ايضاً