العدد 4545 - الأحد 15 فبراير 2015م الموافق 25 ربيع الثاني 1436هـ

اليمن على طريق ليبيا

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

وأتعس الناس في الدنيا وأنكدهم ... من يركب النمر أو من يحكم اليمنا «للبردوني».

بالفعل فقد عبر الشاعر اليمني البصير البردوني عن واقع الحكم في اليمن وبالفعل فإن عبدالملك الحوثي، الذي يحكم اليمن في صعدة، أقصى شمال اليمن وأكثرها تخلفا، كمن يركب النمر. ولا يبدو أنه قرأ التاريخ اليمني أو الواقع اليمني جيدا. فاليمن اليوم على مفترق طرق، ومطلوب إما رجوع الحوثيين إلى العقل وإدراك أن اليمن لا يمكن ان يحكم بالقوة في بلد هو غابة سلاح، وتركيبة معقدة من قبائل ومناطق ومذاهب وعقائد وفي اعتماد كبير على جيرانه، وبالتالي العودة إلى صيغة التوافق الوطني والتي رغم عيوبها فقد كانت هي المخرج لأزمة حكم ومجتمع خطيرة، وإما المضي في طريق فرض الأمر الواقع بقوة السلاح، في ظل انحسار الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والمدنية، والتمدد لبسط سيطرة مستحلية على اليمن.

الحوثيون هم حركة احتجاجية داخل الزيدية المهيمنة تاريخيا على شمال اليمن وكانوا بالفعل ضحايا النظام السابق لعلي عبدالله صالح، وقد استفادوا من صراع أجنحة النظام وخصوصا صراع صالح وبيت الأحمر زعماء قبيلة حاشد، كبري قبائل اليمن، ليتمددوا انطلاقا من صعدة عبر مناطق حاشد، حتى وصولهم إلى صنعاء، واختراق أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية بتحالف مع علي صالح الذي لم يزل يمسك بخيوط في الدولة وخصوصا المؤسسة العسكرية.

ومن خلال هذا التحالف الانتهازي، وضعف الدولة، وتشتت القوى السياسية، استطاعوا أن يسيطروا على صنعاء، ومن ثم يكملوا انقلابهم على الدولة، واجبار رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، وحكومته برئاسة خالد بحاح، على الاستقالة، ومن ثم اصدارهم للإعلان الدستوري الذي حلوا بموجبه مجلس النواب، وشكلوا لجنة قيادية عسكرية أمنية، برئاسة حاكم صنعاء الجديد محمد الحوثي، عاملين على فرض الأمر الواقع بتشكيل مجلس رئاسة بقيادة محمد الحوثي، ومن ثم استكمال ديكور الدولة بمجلس وطني، يسيطرون عليه.

نجح الحوثيون بفرض الأمر الواقع مؤقتا، لكن تداعيات ذلك تتوالى وتتراكم ليتحول الوضع إلى أزمة كبرى تنذر بحرب أهلية طاحنة أين منها الحروب السابقة. الجنوب اليمني يرفض سيطرة الحوثيين بالمطلق، بل هو سائر في طريق الانفصال، كما أن المناطق في الشمال اليمني جنوب صنعاء ومعظمها شافعية، ومن قبائل استبعدت تاريخيا من السلطة، ترفض ما تعتبره حكم سلالة الحوثي كبديل لسلالة علي صالح ومن قبلها سلالة الامامة المتوكلية.

في الجانب السياسي، فإن القوى السياسية المبعثرة بدأت في التجمع مرة أخرى من خلال أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي رافضة الأمر الواقع. في ظل هذا الوضع ستستغل «القاعدة» الفوضى العارمة وتخلل أجهزة الدولة، لتوسع نشاطها وتصعده في ظل تعاطف شعبي كرها بالحوثيين وليس حبا في «القاعدة» وستسدد ضرباتها لقوى الحوثيين المتمترسة في مواقعها.

لم يدرك الحوثيون حساسية علاقات اليمن مع الجيران وخصوصا السعودية ومن ورائها مجلس التعاون الخليجي، والذي هو ملتزم بالمبادرة الخليجية، رغم قصورها، والتي انقلب عليها الحوثيون، ومدى اعتماد اليمن اقتصاديا على جيرانه الخليجيين. كما لم يدرك الحوثيون أن الحل التوافقي مدعوم دوليا، وموعود اليمن بمساعدات الدول الكبرى. ومن هنا فإنه لا يمكن الاستحفاف بالمواقف السلبية للدول الغربية والذي يمكن أن يتطور إلى موقف عدائي، وبوادره إغلاق السفارات الغربية وسحب الدبلوماسيين ومغادرة رعاياهم، ويستتبعه إيقاف المساعدات، والعلاقات، وعزل اليمن إقليميا ودوليا. ومما له مغزاه استيلاء الحوثيين على مخلفات السفارة الأميركية من سيارات وأجهزة، وهو خروج على الأعراف الدبلوماسية واستغزاز واضح.

الوضع الاقتصادي صعب جدا، ومالية الدولة فارغة، ولم يقبض موظفو الدولة معاشات شهر فبراير/ شباط، ومخزون القمح لبضعه أشهر، وإذا تدهور الوضع فيمكن أن يتوقف إنتاج وتصدير النفط والغاز، المصدر الوحيد للعملة الصعبة وتتوالى تصدعات الاقتصاد ودورة المال، وآلة الدولة، والقطاع الخاص.

المرحلة التالية هي تشرذم البلاد إلى مناطق، بحسب تواجد القوى. في ظل غياب الدولة المركزية وسلطتها، ونشوب نزاعات مسلحة فيما بين المناطق والقوى المتصارعة.

قد ينجح الحوثيون في إقامة سلطة في صنعاء تسيطر على ما هو شمال صنعاء حتى صعدة، ولكنهم لن يستطيعوا بالتأكيد بسط سيطرتهم على باقي مناطق اليمن، كما لا يمكن لهم اكتساب شرعية سياسية يمنية واعتراف إقليمي ودولي.

الوسيط الدولي جمال بن عمر، يحاول من خلال المفاوضات التوصل لتوافق القوى السياسية بمن فيهم الحوثيون على صيغة توافقية، لكنه يواجه استعصاءات أهمها تمسك الحوثيين بالاعلان الدستوري، والذي ألغى مؤسسات الدولة الدستورية (الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان)، وتبعه خلخلة أجهزتها وإحلال الحوثيين في مواقع السيطرة، وتمسك القوى السياسية الأخرى بالمؤسسات الشرعية، وبمخرجات الحوار، وتخلي الحوثيين عن فرض الأمر الواقع بالقوة وسحب قواتهم من المدن الكبرى.

إذاً هناك سباق ما بين الحل التوافقي، وتدهور الأوضاع نحو حرب أهلية. بالطبع النظام العربي، مشغول بـ «داعش»، وخلافاته التي لا تنتهي والدول الكبرى مشغولة أيضاً بـ «داعش» والإرهاب وأوكرانيا وروسيا، واليمن في آخر اهتماماته، فإذا كان اليمنيون يعولون على أن يتراكض العالم لمساعدتهم فهم مخطئون، وإذا كان الحوثيون يراهنون على دعم إيران، فإيران لها أولوياتها ولن تؤزم الوضع مع الغرب في مرحلة حساسة من المفاوضات بل ستكتفي ببضع تصريحات لرفع العتب، كما أنها بعيدة بآلاف الأميال.

كلمة أخيرة، وهي أن على المتحمسين للحوثيين من العرب، ألا يسقطوا صراعاتهم وأمانيهم وأوضاعهم وتحالفاتهم على اليمن، فليست المعركة هناك معركة ما بين الممانعة والاستسلام، ولا ما بين انصارالله وأعداء الله، ومطلوب إطفاء النيران وليس النفخ فيها، والمثل يقول «الأحمق عدو نفسه».

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4545 - الأحد 15 فبراير 2015م الموافق 25 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:00 ص

      وهل كان اليمن مستقرا قبل الحوثيين؟

      عزيزي أبا منصور..أنت تعرف قبل غيرك أن اليمن ماكان مستقرا قبل الحوثيين حتى تجعلهم الآن هم سبب عدم الاستقرار، ثم ماذا حقق الجوار الخليجي لهم من رخاء واستقرار أيام علي عبدالله صالح، حتى تخاف من انحساره مع حكم الحوثيين..؟ ولماذا لايتم تناول الحدث اليمني الحالي على أنه شأن يمني يمني..؟ ولماذا يتم التلويح بوقف الدعم البترودولاري مع السكوت عن مقابل التبعية المطلوبة للقرار اليمني؟ ألم يحن الوقت ياأبامنصور أن نعيد النظر في قواعد التحليل أو "الاشتباك" على نحو مايتم في لبنان؟ أم أن ثقافتنا لاتزال مأزومة؟

    • زائر 4 | 12:20 ص

      إبتعد عن ألعاطفة

      ألعزيز أبو منصور أنت قامة كبيرة ووصف ألحوثيين بالانتهازيين خطأ كبير حيث أنت الاعرف بالانتهازيين في اليمن من هم
      كذلك أرجوا منك عندما تكتب عن أليمن نزع العاطفة وإستبدالها بالواقعية
      مع محبتي

    • زائر 3 | 11:49 م

      مشكلة الوصاية الخليجية والامريكية دفعت الحوثيين لما قاموا به

      شعب اليمن شعب عريق وصاحب حضارة ضاربة في التاريخ ومحاولة البعض من دول الخليج والأمريكان فرض الوصاية عليه هي اقوى الأسباب التي دفعت الحوثيين للقيام بما قاموا به.
      لماذا تتدخل دول الخليج بصورة سافرة في اليمن؟ ولماذا يحاولون فرض نظام موال لهم فليتركوا شعب اليمن ان يختار ما يناسبه.
      اذا كان تدخل ايران مرفوض اذا تدخل دول الخليج مرفوض بنفس القوّة

    • زائر 2 | 11:27 م

      قرار الحوثي

      الحوثي قراره ليس بيده فلا تطلب منه اكثر من ما يستطيع

    • زائر 6 زائر 2 | 2:30 ص

      دول الخليج قرارها بيدها وليس بيد امريكا وبريطانيا يا احمق .

      لماذا تقول ان دول الخليج قرارها ليس بيدها ، ومن قال ان حكومات الخليج خاضعة للرغبة الامريكية واسعار النفط مثلا .

    • زائر 1 | 11:21 م

      هناك قاعدة في السياسة تقول: كل تحالف يخلق تحالف مضاد

      ما يحدث في اليمن نتيجة و ليس سبب يتحمله الرئيس هادي الذي خلق تحالف مع الاخوان المسلمين و السلفية، هذا التحالف اضطهد الآخرين و أخاف من لم يقع عليه الاضطهاد المباشر فشكلوا تحالف مضاد لإيقاف مشروع هادي الطائفي.
      الحل يكمن في دولة علمانية لا هوية طائفية و لا قبلية لها، دولة علمانية تسع الجميع.

اقرأ ايضاً