العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ

تصاعد الثيوقراطيات الآثمة

صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد
صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد

* مقال نشر في صحيفة «الديلي تليغراف» لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة

مضت قرابة خمسة عشر عاماً منذ انطلاق بداية الحرب على الإرهاب، ونحن إلى الآن لم نقترب من فهم، وهزيمة هذا العدو المشترك، حيث لايزال يُعَرَّف مبدئيّاً، بما يحوزه من تكتيكات الإرهاب والتعدي على ما يعنيه الإسلام.

فالإرهاب ما هو إلا أداة لمعتنقي الإيديولوجيات المنحرفة، والتي تضمُّ جرائمهم الوحشية جملة من أعمال القتل والخطف للصحافيين، والتعدي الفاحش، ومنها قتل الطيار الأردني الباسل الملازم أول معاذ الكساسبة (رحمه الله).

إنَّ ما حدث أمس من قتل وحشي للرهائن المصريين في ليبيا، وما سبقه خلال نهاية الأسبوع الماضي بكوبنهاجن، يذكّرنا مرة أخرى بأننا إذا أردنا الوقوف على هذا التهديد الآخذ بالتصاعد على الأفق العالمي، يجب أن تتسع مدارك فهمنا لتعريف خصمنا، سعياً إلى إعادة تركيز جهودنا بما يتناسب مع الوضع القائم.

إنَّ الإرهاب ليس بإيديولوجية، نحن لا نحارب إرهابيين وحسب، وإنَّما نحارب «ثيوقراطيين». وأستخدم مصطلح «ثيوقراطيين»؛ لأن هذه الحرب الجارية ليست ضد الإسلام، مثلما لا يمكن أن تكون ضدَّ المسيحية أو اليهودية أو البوذيَّة أو أية ديانة أخرى.

الحقيقة أن هذه المواجهة هي ضدَّ من يستحوذون على الدين لبلوغ غاياتهم، وهم بذلك يشترون الضلالة بالهدى، ويحيدون عن النهج القويم والتعاليم التي نؤمن بها.

لو بدأنا بإدراك أننا في سياق حرب مع الثيوقراطيين، فمن الممكن أن نباشر في وضع خطط عسكرية وسياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية للتصدي لهذا التهديد، معاً، كما فعلنا في الماضي مع التهديدات الأخرى.

فإذا تمعَّنا في القرن الماضي، فسنجد أنَّ العالم واجه سلسلة من التهديدات المختلفة، كالفاشية، والشمولية الاستبدادية، والشيوعية، وما صاحبها من حرب باردة تم التصدي لها بدراستها كمفهوم واضح وتشخيصها كإيديولوجيات.

يجب أن نتفق على كيفية تعريف الإيديولوجية الجديدة، من أجل الوصول إلى جوهر المشكلة التي نواجهها، فعند تناول مختلف المجموعات مهما اختلفت تسمياتها، مثل الدولة الإسلامية وداعش والقاعدة وما ينبثق عنها من فرق، وكذلك حركة الشباب الصومالية وبوكو حرام وغيرهما من الجماعات، وكذلك التي من الممكن أن تنشأ مستقبلاً، نرى أنه لم يتم التعامل مع ما تشكله هذه الجماعات من تهديد بأسلوب ممنهج، فجاءت الخطوات التي تم اتخاذها دون فهم وتصنيف استراتيجي، ولم يتم تحجيمها بفاعلية.

هذه الجماعات تريد السيطرة على عقول الناس، والتحكم بهم هنا في الدنيا والآخرة. وهم يعزلون أنفسهم ولا يضعون أي اعتبار للعقود الاجتماعية التي تأسست بيننا كمجتمعات. إنَّهم أناسٌ يضطهدون المرأة، ويرتكبون المجازر؛ لتصفية من يخالفهم، ولا يوافق أو ينتمي إلى إيديولوجياتهم المنحرفة، والأَسوأ من ذلك، أنهم يهيمنون على أتباعهم بقوة الفتاوى الدينية، ساعين بذلك إلى تقييد المنطق والعقلانية في محيطهم.

وفي إطار منهجيتهم، تقترن الإيديولوجية الدينية والحكم بقوة السلاح من غير أسس قانونية، وما يدعم ذلك هو المكاسب التي يحوزونها من أنشطتهم الإجرامية، وبالتالي يتم تسخير ذلك لصنع كيان حكم مبني على قواعد الوهم؛ ليواصلوا من خلال ذلك الصراع اليائس لسلب الأراضي وفرض سيطرتهم عليها.

ندرك أنَّهم انتهازيون، يستغلون انهمار الفوضى الاجتماعية والسياسية لمنح المُضَللين والمهمشين حسَّ الهدف والقيادة. إنَّ التاريخ سيحكم إذا ما كانت أحداث الشرق الأوسط المتأزمة في 2011 تماثل أحداث برلين في العام 1989، أو بتروغراد في العام 1917. مهما تكن النتيجة النهائية لهذا التحليل، يتضح شيء واحد، هو أنه عندما يكون هناك فراغ بسبب انهيار مؤسسات الدولة، تأتي هذه الإيديولوجيات المتطرفة؛ لتجد لنفسها الثغرة الملائمة لفرض سيطرتها.

إنَّ هذه الجماعات تنشر رسائلها الإيديولوجية عبر عدد من القنوات التقليدية، وتلك التي يتيحها العصر الحديث، إلى جانب ما يتم قوله عبر المنابر التي ينصبون أنفسهم عليها، علْماً بأنه في الشرق الأوسط هناك وجود لقنوات فضائية، لا تعترف بالقيود والقوانين المعمول بها في النظم الغربية، ويحمل بثُّها تأثيراً أكبر من تأثير الانترنت، وهم ينقلون عبرها رسائل متواصلة تنشر التعصب والأفكار المسمومة التي يلتقطها البعض.

فبينما نسعى إلى تنظيم النواحي الفكرية والعملية والقانونية للأنشطة الإعلامية وحرية الإعلام الالكتروني، نجدهم يستخدمون هذه المنصات بلا هوادة؛ لزرع الكراهية وعرض أَوجه الشر، وبالتالي فنحن نواجه عدوّاً يستفيد من أدوات العالم الجديد في مسعاه لتكريس تركة مفاهيم القرن السابع عشر، ولذا، لن نتمكن من مجابهتهم باستخدام الوسائل القديمة لوحدها، بل بإيجاد منظومة جديدة من الخطوات العملية على النطاقين الحديث والتقليدي.

لذلك، لابد من إعادة النظر بشكل ممنهج وشامل ومتعمق في طبيعة هذا التهديد؛ لتركيز جهودنا نحو تحقيق هدفنا المشترك، بالتفعيل الاستراتيجي لإمكانيات مصادرنا، إذا ما أتت مجتمعة، وبذلك نتمكن من المحاسبة الفاعلة لهذه الإيديولوجيات الإجرامية التي تضع نفسها فوق مستوى البشر بادعاء أنَّ لديها تفويضاً إلهيّاً لممارسة الحكم على أسس خاطئة.

مع الأسف، فإننا سنواجه لفترة طويلة هؤلاء الثيوقراطيين الهمجيين الذين لا ينتمون إلى عصرهم، لكنَّ الخطوة التالية التي يجب أن نهدف إليها، هي أن نفهمهم بشكل واضح وأن نكشف حقيقتهم.

سينحسر مدُّ هذه الجماعات، وسيعود، لكن في غضون ذلك، يجب ألا نغفل عن محاربة وهزيمة الإيديولوجية التي يستندون إليها، إلى جانب ذلك يجب علينا التخلي عن مسمى «الحرب على الإرهاب»، وتركيز جهودنا على مجابهة تصاعد هذه الثيوقراطيات الفاشية الآثمة.

العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً