العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ

إعادة تدوير «الفئات الضالة»!

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

ليس من الصعب على الإطلاق رصد التكرار المكثف لمصطلح «الفئة الضالة» في وسائل إعلام المجتمعات العربية والإسلامية، ومن السهولة بمكان عدّ المرات التي يتكرر فيها هذا المصطلح في خطب بعض الخطباء والمشايخ والدعاة، لكن لن تجد على الإطلاق تحديد نهج واقعي صحيح لكيفية معالجة هذه المعضلة... كيف؟

لقد اعتدنا على سماع وصف «الفئة الضالة» على الإرهابيين والمتطرفين والمجموعات المذهبية والطائفية التي تمارس على أرض الواقع أفعالاً تهدد استقرار المجتمعات، وإلى حد ما، ينطبق هذا الوصف على تلك الفئة، وعرضياً، قد يأتي استخدام ذلك الوصف على سياسيين ومعارضين أو قادة حركة مطلبية في أي مجتمع من المجتمعات بصورة (استهداف لا أكثر ولا أقل)، لا سيما إذا كان أولئك يعملون في وضح النهار وممارساتهم ظاهرة للعيان! وهنا يصبح الوصف رهن القبول من جانب فئة والرفض من جانب فئة أخرى، إلا أن المعضلة الرئيسية، خصوصاً في دول الخليج العربي، أنها تفتقد الرؤية والمنهج للتصدي لكل فئة متشددة تتلبس بلباس الدين في هيئة، وتمارس الفظائع والجرائم في هيئة أخرى.

وطرحت في هذا الشأن سابقاً، أنه لكي تواجه دول الخليج خطر «الفئات الضالة»، فعليها أولاً إثبات الاتهام بالأدلة القطعية، ومن ثم، لابد أن تكون صادقة وصريحة في تعاملها مع كل من يمول ويدعم ويساند تلك الجماعات، وفي مقدورها أن تفعل ذلك... لو أرادت.

الكثير من الباحثين والمهتمين بدراسة ظاهرة التطرف في الخليج والعالم العربي والإسلامي، يجمعون على نقطة مهمة في الحقيقة، وهي أن هناك متغيّراً مهماً لابد أن يضعه أصحاب الشأن في منطقة الخليج العربي، وهو الدعم والتمويل والمساندة الكبيرة التي تحصل عليها مؤسسات دينية واجتماعية ظاهرها خدمة الدين، وباطنها دعم الجماعات المتطرفة. فالمتغيّر الذي طرأ على مجتمعات الخليج هو التغير في دور المؤسسات المجتمعية وخصوصاً الدينية، فقد امتد دورها ليغطي مجالات حياتية متعددة رسمت مناهج تفكير وخلقت أنماطاً فكرية معينة تستند على التشدد والكراهية والطائفية، وجعل ذلك من أتباع ذوي التفكير السلبي ينفذون بكل سهولة ما يملى عليهم من دون تفكير وتبين، حتى أن تلك المؤسسات عملت على كسب شرائح من الأتباع المؤيدين لأفكار التكفير والتشدّد والعنف والحدة التي تصل إلى القتل ضد كل من يخالفها الرأي أو المذهب أو التيار. وهم يشعرون بالأمان لأن في فترةٍ ما، كانت «بعض الحكومات» تسهل أمورهم و»تسمّنهم» كركن أساسي لحكم المجتمع بالنفس الطائفي المدمر.

لذلك، فإن الميدان الأول لمكافحة التطرف والإرهاب هو ميدان الفكر، ولكون التربية ومؤسساتها المختلفة معنية بصناعة الفكر، وغرس القيم والاتجاهات، فإن ذلك يحتم الاهتمام بتطوير المؤسسات التربوية، لتتحول إلى مصانع للفكر المعتدل والناضج الذي يقود الوطن إلى شرفة التميز والإبداع، ويحتم التأكيد على أهمية قيم التماسك والتوحد في مواجهة تيارات العنف والتطرف.

وللأسف، لقد أخفقت الكثير من الحكومات في اعتماد هذا الأساس، فهي تواجه وتسجن وتطارد من جهة، لكنها لينة تماماً في التعامل الجدي لتغيير المناهج التعليمية السيئة، وإيقاف الخطاب الديني التكفيري المتشدد، وكبح جماح الإعلام الداعم للتطرف.

إن التصدي لمظاهر الضلال والإرهاب والتكفير والتشدد والتطرف، يتطلب دوراً أكبر للباحثين المعتدلين من الجنسين، بالإضافة إلى دور علماء الدين ذوي الاتجاهات الدينية المعتدلة بعيداً عن المتطرفين الذين هم حتى اليوم، يغذون فئة الشباب بالأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تستهدف أمن بلادهم وأهلهم، وخصوصاً أن هناك إجماعاً على رفض هذه الممارسات من قبل ذوي الفكر المعتدل في المجتمع، غير أن ذلك لا يكفي، طالما تهاونت الحكومات في تطبيق القوانين على الأفراد والجماعات والأطراف المتورطة تورطاً حقيقياً، وفق ما تلزمه إجراءات التقاضي التي تضمن المحاكمة العادلة وعدم الاكتفاء بالإفتراء وفبركة التهم.

من الواضح جدًا أن هناك إعادة تدوير وإنتاج «الفئات الضالة»، ولربما تطلب الأمر إلحاق «فئات غير ضالة» في دائرة الاستهداف، ولكن لا يمكن أبداً قبول المعايير المزدوجة التي تتبعها بعض الحكومات التي تزعم أنها تكافح الفئات الضالة والمتطرفة والتكفيرية، وهي تغض الطرف عن أفعال كثيرة تراها أمامها وتعلم أنها مدمرة!

إن الكارثة تبدو واضحةً في الإدعاء الفضفاض ب التصدي للإرهابيين الذين يحصلون على الدعم والتمويل والتغطية والحماية من بعض الأنظمة، إقليمياً وعالمياً، وهذا، على سبيل المثال، سبب فشل تحالف دولي قرر توجيه ضربات جوية لـ «داعش» وأخواتها من الجو، وقرّر من جهة أخرى (وإن في الخفاء)، تمويلها ودعمها من الجو والبر والبحر.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:11 ص

      التطرّف

      لم نعرف التطرّف في العالم العربي قبل العام تسعة و سبعين

    • زائر 6 زائر 5 | 2:25 ص

      التطرف زائر رقم 5

      والله يا أخي زائر رقم 5 التاريخ الإسلامي اثبت أن أساس التطرف كان في الجاهلية.. ثم جاء الإسلام بالحق ودمر التطرف لكنه عاد في الدولتين الأموية والعباسية واستمر إلى الآن ف الحكومات العربية والإسلامية قبل تسعة وسبعين وبعدها وهي تنكل ب شعوبها فعليك التبصر والبحث

    • زائر 9 زائر 5 | 5:52 ص

      زائر رقم 5 يقصد ايران

      زائر رقم 5 باشارته إلى العام تسعة وسبعين .. اي منطلق انتشار التطرف والطائفية يقصد ايران.. ثورة ايران 79 لكنه نسى أن في الخمسينيات والستينات ثارت الشعوب العربية على الاستعمار الذي اشعل ولا يزال يشعل الطائفية والمذهبية، ونسى أن دول عربية واسلامية منذ عشرينيات القرن الماضي كانت تسفك الدماء وتشكل عصابات من المتطرفين والتكفيريين.. المشكلة إذا المتحدث مجنون يتوجب أن يكون المستمع عاقل.. ونموذج زائر رقم 5 هو المتحدث والمستمع المجنون في آن واحد.
      ايران تروح للأمام و.................للخلف هذه حقيقة

    • زائر 4 | 1:00 ص

      كل من يخالف الانظمة يطلقون عليه (ضالّا) ولكن اين الحقيقة؟

      الضلال صفة يطلقها كل واحد على الآخر ولكن الحقيقة اين وما هو الضالّ الحقيقي؟
      انظمتنا في الخليج دأبت على اطلاق صفة الضلال على فئة هي قرابة ثلثي الشعب فهل هذا معقول ان ثلثي الشعب ضالّ والحكومة على الصواب؟

    • زائر 3 | 12:46 ص

      العنوان

      صراحة واجد عجبني العنوان

    • زائر 2 | 12:41 ص

      السبب

      يدعمونهم لضرب دول معينة كما دعموا صدام ولكن اللهب لابد ان يطال اذيالهم

    • زائر 1 | 9:44 م

      لقد ذكرت الحقيقة

      والحقيقة كلها في تلك البلد الذين اكثر أبناءها مقاتلين وقادة وانتحاري المواقع المحصنة لفتح ثغرات فيها غير قتل المدنيين الابرياء بتفجير انفسهم بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والذين يستنشقون تنفسهم من مناهج التشدد والكراهية وتكفير الاخر حتى المنتمي لهم مذهبيا اذا لاتعالج تلك البلد هذا التفكير عن طريق تنقيح مناهجها وكتبها الدينية فسيأتي يومها هي للتفكك أبعدنا الله عن شر تمزيق بلداننا

اقرأ ايضاً