العدد 4554 - الثلثاء 24 فبراير 2015م الموافق 05 جمادى الأولى 1436هـ

مفاوضات الملف النووي الإيراني... إلى أين؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

مع استئناف الجولة الجديدة من مفاوضات النووي هذا الشهر والاجتماعات المتتالية بين إيران ومجموعة دول 5+1 التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، في 2 مارس/ آذار المقبل في سويسرا، فضلاً عن اقتراب موعد الاستحقاق ونهاية المدة التي حدّدها الكونغرس الأميركي للرئيس باراك أوباما للتوصل إلى اتفاق مع إيران حول ملفها في 31 مارس، هناك أسئلة كثيرة تطرح وسيناريوهات يتم تداولها من السياسيين والإعلاميين، أبرزها المتعلق بخيارات إيران للخروج من تأثير العقوبات المفروضة عليها والتي تتسبب لاقتصادها بأزمة خانقة، بل وتهدد وجود الجمهورية الإسلامية استراتيجياً.

في سياق المفاوضات، ثمة من يعظّم المخاطر، وثمة من يتعامل معها بشيء من الواقعية ويشير إلى أجواء إيجابية أو توقع سيناريوهات فشل للمفاوضات، وآخرون يتعاطون بشيء من العاطفية استناداً إلى مجموعة مؤشرات يجدون فيها استحالة هزيمة إيران في معركة مفاوضات النووي، لاسيما من أصدقاء الجمهورية الإسلامية. بيد إنه وبغض النظر عن هذه الأسباب وتلك، من المهم التعرّف بموضوعية على ما يجري من وقائع، وتبيّن ما إذا كان الملف النووي يسير فعلاً باتجاه حل شامل وطويل الأمد أم إن أموره تزداد تعقيداً وخطورةً على إيران بل وباتجاه تدميرها؟

من حيث الوقائع فهي تشي بوضع أقل ما يوصف بأنه غاية في الدقة والخطورة، الدلالة على ذلك أبرز أربعة مؤشرات:

مخاطر فشل النووي

أول المؤشرات يتمثل في حال فشل الاجتماعات في التوصل إلى صيغة اتفاق، فإن الاحتمالات تبقى واردة وقوية لقيام أغلبية من أعضاء الحزب الجمهوري وأكثرية من الديمقراطيين بالكونغرس بالإعلان عن فرض سلسلة عقوبات إضافية على إيران. بالطبع العقوبات الجديدة ستكون أشد قسوة وتوحشاً، خصوصاً وإن إشكالية قرار كهذا تعني حالة من عدم الاستقرار والأمان تجاه عمل الشركات الأوروبية والأميركية، كما أن خطورتها –أي القرارات- تنبع حسب المحللين من كونها تتمتع بأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، وصعوبة رفعها بسبب خلافات الرئيس مع أكثرية الجمهوريين، ناهيك عن كون العقوبات في الأصل متعددة المصادر، إذ يخضع بعضها لإرادة بعض الدول الأوروبية التي يعارض بعضها الاتفاق أصلاً مع إيران، خصوصاً مع توارد أنباء عن إعادة الإتحاد الأوروبي فرض عقوبات على شركة الناقلات الوطنية الإيرانية التي وصفتها متحدثة بلسان الخارجية الإيراينة مرضية أفخم بأنها «إجراء سياسي يتناقض مع طبيعة المحادثات النووية»، إلى جانب عقوبات مفروضة من جهة مجلس الأمن. وعليه فإن ذلك يزيد تعقيد حل الملف وإمكانية رفع العقوبات كاملة عن إيران بسبب اختلال وضع موازين القوى في الولايات المتحدة.

أما الأمر الثاني فله صلة بمعارضة دولة الكيان الصهيوني الشديدة لأي اتفاق مع إيران، خصوصاً أن من يتزعم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي يخوض معركته الانتخابية ويتوقع زيارة مرتقبة له للكونغرس أول الشهر المقبل، كي يوضح موقف دولته من الاتفاق المرتقب مع إيران. فـ «إسرائيل» تصر على عدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بشكل مطلق حتى لو كان لأغراض سلمية، ولهذا فقادتها يتحركون للضغط والتأثير على اللوبي الإسرائيلي الأميركي باتجاه دعم وتأييد موقف الجمهوريين في الكونغرس بشأن فرض المزيد من العقوبات، وعدم التقرّب من إيران والاتفاق معها.

ذلك على الرغم من تنازل الأخيرة في الاجتماعات السابقة وقبولها بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية فقط، فضلاً عن موافقتها على مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمرافقها النووية في مقابل رفع كل العقوبات المفروضة عليها منذ العام 1979، أي منذ اندلاع الثورة حتى تنامت وبقوة فيما بعد.

الإشكالية الثالثة تتعلق بما تواجهه إيران من تحالف يعمل ضدها في الملف النووي ويعارض الاتفاق، وهذا له صلة بضغط تركي- خليجي يستشعر خطورة النفوذ الإيراني في المنطقة على المدى الاستراتيجي وموقع إيران كدولة إقليمية لها مصالحها لو تحقق نجاح المفاوضات، لاسيما مع تمدد حضورها الإقليمي وتقاطع المصالح الأميركية بهذا الشكل أو ذاك في المنطقة معها في محاربة الإرهاب، الأمر الذي قد يؤدي بسبب عوامل داخلية وخارجية إقليمية إلى احتمالية بروز اصطفافات جديدة بين هذه الأقطاب وحتى مع «إسرائيل» ضد إيران في حال فشلت المفاوضات. كما لا يستبعد استدارة الإدارة الأميركية باتجاه هذا الاصطفاف استناداً إلى مصالحها الاقتصادية أيضاً.

تقارير الوكالة وألاعيبها

أما المؤشر الرابع فله صلة بتقرير سري أشارت إليه مؤخراً وكالة «رويترز» ومصدره «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» التابعة للأمم المتحدة، إذ يتم الحديث فيه «عن تقدم على صعيد الملف الإيراني في جوانب، وعدم تعاون في جوانب أخرى بل ويثير الشكوك بأن إيران ربما أجرت أبحاثاً عن القنبلة النووية وتواصل الامتناع عن التعاون الكامل بشأن مسألتين في تحقيق طويل للوكالة كانت قد التزمت بتسليمه في أغسطس/ آب الماضي، فهي لم تقدم تفسيرات تمكن الوكالة من إجراءات عملية عالقة، وفي مزاعم عن اختبار متفجرات وأنشطة أخرى، آخذين بعين الاعتبار إشارة تقرير سابق للوكالة أيضاً في أكتوبر/ تشرين الأول، يشير إلى إن إيران تضخّ غاز اليورانيوم في نموذج من عدة نماذج جديدة قيد التطوير يطلق عليها (آي.آر- 5) التي تثير جدلاً بين المحللين بشأن عما إذا كان ذلك يُعتبر انتهاكاً للاتفاقات، ذلك على الرغم من اعتبار المندوب الإيراني الدائم لدى الوكالة بأن تقرير الوكالة الأخير يُعد مؤشراً على الشفافية الكاملة للبرنامج النووي، وبأن إيران نفذت جميع الإجراءات التي قبلت بها طواعية وفق اتفاق جنيف وتمديده». وعليه فما الاحتمالات المتوقعة؟

احتمالات أن يبقى التفاوض الحالي رهينة اعتبارات سياسية واقتصادية وعوامل تاريخية تتشابك بعناصر استراتيجية وأخرى آنية، وأي اتفاق استراتيجي أو مرحلي قد يحدث سينعكس بالضرورة جوهرياً على مستوى التوازنات الإقليمية، خصوصاً لو وضع في الحسبان امتلاك إيران فعلياً لوقود نووي يجعلها قوة لا يستهان بها في المنطقة، وبما راكمته من معرفة تقنية لعملية التخصيب وتدوير آلاف من أجهزة الطرد المركزي في منشآتها النووية ومواردها البشرية من التقنيين والمهندسين. فكل هذه الأمور تشكك بعض المحللين في سهولة توجيه ضربة عسكرية لهذه المنشآت، لاسيما مع ما تبذله الولايات المتحدة من جهود لعدم رفع كامل للعقوبات لإبقاء النظام تحت ضغط مواجهة تحد ومعارضة للسلطة داخل إيران نفسها، الأمر الذي يجعل مرشد الثورة علي الخامنئي يصر على رفض أي اتفاق نووي مؤقت يهدّد نفوذ بلاده الإقليمي ويبقي على العقوبات التي تعني تمديداً لواقع اقتصادي خانق.

خلاصة الأمر، أن ثمة مخاطر سياسية واقتصادية جوهرية وعميقة تواجهها إيران مع استنزاف مواردها وما آلت إليه عملتها من تدهور، وانحدار في أسعار النفط الذي تعتمد على عائداته كمصدر رئيسي لدخلها القومي وما يتسبب به من تراجع في قدرتها على الإنفاق وتلبية المطالب الداخلية وما تتحمله من أكلاف الحروب المتعددة الجبهات في مواجهة الجماعات المسلحة في سورية والعراق واليمن ولبنان. فكل هذه العوامل وتلك يفترض أخذها بالحسبان لمن يتابع الملف النووي الذي تتقاذفه اللقاءات والاجتماعات هذه الأيام.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4554 - الثلثاء 24 فبراير 2015م الموافق 05 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:29 م

      وجهان لعمله واحدة

      هل ايران و اسراءيل وجهان لعمله واحدة ام هما دولتان عدوتان،،،،نسمع من اعلام العربي بانهما وجهان و لكن نسمع ايضا بان اسراءيل تعارض ايران بامتلاك اسلحة النووبه،،،،هل هما صديقتان ام عدويتان

    • زائر 2 زائر 1 | 12:50 ص

      الله يساعدك

      و هل حزب الله حليف لإسرائيل ؟

اقرأ ايضاً