العدد 4565 - السبت 07 مارس 2015م الموافق 16 جمادى الأولى 1436هـ

تطور التنمية الإدارية... أول موازنة في البحرين في العشرينيات

محمود التوبلاني

مدير إدارة التدريب في ديوان الخدمة المدنية سابقاً

تناولنا في مقالات سابقة بشكل مجمل تطور التنمية الإدارية منذ مطلع القرن الماضي في الدولة، واستعرضنا بشكل مفصل دور ديوان الخدمة المدنية كجهة مركزية في تطوير السياسات والنظم والإجراءات الخاصة بالموارد البشرية في الحكومة والرقابة على تنفيذها، والتي بدأت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. وسوف نلقي الضوء في هذا المقال والمقالات التالية على تطور الإدارة المالية والتي كانت مناطةً سابقاً بدائرة المالية التي تحوّل اسمها إلى «وزارة المالية والاقتصاد الوطني» مع بداية السبعينيات في أول تشكيل وزاري في الحكومة بعد مرحلة الاستقلال، وثم تحولت تسميتها إلى «وزارة المالية» مع بداية الألفية الجديدة، حيث تم نقل جوانب اختصاصات المهام الاقتصادية إلى «مجلس التنمية الاقتصادية» مع بداية عهد الاصلاح الجديد.

ونود أن نشير هنا إلى أن ظهور الموازنة العامة للدولة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بنشوء مفهوم الدولة، وتأثرت بصورة كبيرة بزيادة وتنوع النشاطات الحكومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية للإيفاء بالطلبات المعيشية والبيئية المتزايدة للسكان.

وتعتبر مملكة البحرين من أوائل الدول الخليجية التي أصدرت ميزانية سنوية منذ منتصف عشرينيات القرن العشرين. والميزانية خلال الحقبة التاريخية الممتدة من منتصف العشرينيات إلى نهاية الستينيات من القرن العشرين، كانت في بدايتها لا تتعدى أرقاماً بسيطة بآلاف الدنانير، وتغطّي بنوداً لقطاعات خدمات محدودة، مثل أمور الإدارة والأشغال العامة والأمن.

وتستند هذه الموازنة على قرارات إدارية إجرائية، حيث سجّلت أول ميزانية للدولة في سنة 1926 بمبلغ 75000 جنيه إسترليني، وجاءت معظم إيراداتها من ضريبة الجمارك التي كانت تفرض بنسبة 5% على البضائع المستوردة واستيفاء رسوم غوص صيد اللؤلؤ، حيث كان هذا المبلغ يصرف على الإدارة الحكومية، والشرطة وقائمة المدفوعات الحكومية وعلى الأعمال الرئيسية الأخرى مثل حفر آبار المياه الارتوازية، وإقامة الطرق وأعمال التشييد.

وفي العام 1934 بدأ اقتصاد البحرين يتخذ اتجاهات أخرى، وهو التطلع لصناعة النفط والانصراف عن صناعة استخراج اللؤلؤ. وتشير التقارير السنوية التي كان يرفعها مستشار الدولة آنذاك، من العام 1926 إلى العام 1937، إلى مرحلة التغيير في جزر البحرين للانتقال من أوضاع متأخرة إلى أوضاع مزدهرة من النمو والتطور حسب معايشته لتلك المرحلة، مع بدء مرحلة اكتشاف وإنتاج النفط، ما جعل البحرين ضمن قائمة أكبر اثنتي عشرة دولة منتجة للنفط في العالم خلال تلك الفترة. وكانت فترة الثلاثينيات تمثل الازدهار المالي العظيم للبحرين نتيجة اكتشاف النفط وتسويقه، حيث أصبح المورد الأساسي، إلى جانب الموارد الأخرى المؤثرة في هيكلة الدولة.

وقد تم تقدير إيرادات الدولة بمبلغ مئة إلف روبية، ما يعادل عشرة آلاف دينار، حسب العملة الحالية، وكان هذا المبلغ - حسب المقاييس الاقتصادية في ذلك الوقت - كافياً لإدارة شئون الدولة، وملبياً لمتطلبات المواطنين المعيشية وتطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الدولة، ومن بين ذلك حفر الآبار الارتوازية، وعمل التمديدات الكهربائية، وتنفيذ مشاريع الإنارة وإنشاء الطرق والمباني.

ومن المفيد هنا التطرق إلى أن الجهاز الحكومي خلال هذه الفترة لم يكن مهيّأً لإعداد الميزانية وفقاً للتصنيفات المتعارف عليها، ولم تكن الميزانية تعطي صورةً واضحةً لما كان مطبقاً من أسلوب في الرقابة على مالية وموارد الدولة آنذاك، إلا أن عرض الميزانية بالصورة التي نراها في تلك الحقبة من الزمن يعتبر تقدماً وتطوراً، ويمثل خطوةً في إعداد الميزانية بالصورة المقبولة والمرضية مقارنةً بما هو عليه الحال في بعض الدول الأخرى التي لا تمتلك إلماماً كافياً بالتطورات الإدارية الحديثة وطرق إعداد الميزانيات.

وكانت البساطة في العرض والتصنيف من أهم ما يميّز هذه الميزانية كبداية في مرحلة لم تكتمل فيها التجربة. بل إن بعض تفصيلاته الرئيسية والفرعية امتازت بوضوح العرض، كبند الفائدة على الاحتياطي والودائع، حيث ذكرت تفصيلات الودائع ومقدارها ونسبة فائدتها، كذلك مدفوعات قياس النفط، حيث تم عرض تفصيلي، موضحاً الوحدة والكمية المحسوب عليها سعر الوحدة. أما على جانب المصروفات، فقد اشتملت الميزانية على بعض التصنيفات الرئيسية، كبنود تفصيلية دقيقة مثل بند المواصلات وبند الاحتياط النقدي وبند الأشغال العامة، مع وجود كشوف تفصيلية لهذه البنود، ولكن لم يكن يوجد تمييز بين المصروفات المتكرّرة وغير المتكررة، على اعتبار أن جميعها تعتبر نفقات إدارية بغض النظر عن نوعها.

إقرأ أيضا لـ "محمود التوبلاني"

العدد 4565 - السبت 07 مارس 2015م الموافق 16 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً