يعتبر التوحد من الإعاقات النمائية المتداخلة والمعقدة التي تظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل نتيجة لاضطراب عصبي يؤثر في عمل الدماغ. ويعتبر أخصائي الطب النفسي ليو كانر في العام 1943 من أوائل من استخدم هذا المصطلح مفرقاً بينه وبين الفصام.
يؤثر التوحد على النمو الطبيعي للدماغ، وذلك في مجالات التفكير والتفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل مع الآخرين ويكون لدى المصابين عادة قصور في التواصل اللفظي وغير اللفظي والتفاعل الاجتماعي، ويؤثر الاضطراب في قدرتهم على التواصل مع الآخرين أو التفاعل مع محيطهم الاجتماعي وبالتالي يجعل من الصعب على بعضهم التحول إلى أعضاء مستقلين في المجتمع، وقد يظهرون حركات جسدية متكررة (مثل رفرفة اليدين والتأرجح)، واستجابات غير عادية للآخرين أو تعلقاً بأشياء من حولهم مع مقاومة أي تغيير في الأمور الاعتيادية (الروتينية) وقد تظهر لدى المصابين بالتوحد في بعض الحالات سلوكيات عدائية أو استجابات إيذاء الذات.
وغالباً ما يعرف التوحد على أنه اضطراب متشعب يحدث ضمن نطاق بمعنى أن أعراضه وصفاته تظهر على شكل أنماط كثيرة متداخلة تتفاوت بين الخفيف والحاد، لذلك توجد فروق كبيرة بين الأشخاص المصابين بالتوحد. فقد يُظهر بعضهم ممن تكون حالات إصابتهم خفيفة تأخراً بسيطاً في نمو اللغة بينما تتأثر بشكل أكبر قدرتهم على التفاعل الاجتماعي.
كما قد يتمتعون بمهارات متوسطة أو فوق المتوسطة في مجالات النطق والذاكرة والإحساس بالمكان، ولكنهم مع ذلك يجدون صعوبة في الاحتفاظ بخيال واسع، في حين يحتاج من تكون حالات إصابتهم بالتوحد أكثر شدة دعماً مكثفاً للقيام بأبسط المهام والاحتياجات اليومية.
وعلى رغم أنه ليس بمقدور أحد التنبؤ بالمستقبل فإننا نعلم جيداً أن بعض البالغين الذين يعانون من التوحد يعيشون حياتهم ويعملون كأفراد مستقلين في المجتمع في حين أن بعضاً آخر يستمر في الاعتماد على دعم الأسرة والمختصين. كما أن لدى بعضهم مهارات استثنائية في المجالات مثل الموسيقى، والذاكرة الخارقة، والرياضيات والمهارات، والسباحة وغيرها، حيث سجل التاريخ لنا مجموعة من الأمثلة على بعض حالات التوحد التي نبغت في مجال من مجالات الحياة، ومن تلك الأمثلة:
• ريتشادر بورشيردز: متخصص في علم الرياضيات والجبر، يعمل أستاذ رياضيات في جامعة كاليفورنيا.
• جاري نومان: مُغَنٍّ بريطاني.
• ستيفين سبيلبيرغ: مخرج أفلام.
• ستيفين ولتشير: رسام معماري.
• هينري كافيندش: عالم بريطاني.
• ألبرت آينشتاين: يعتبر من أعظم علماء القرن العشرين، كان يعتبر بطيء التعلم كثير الحياء، لاحتمال إصابته بخلل وظيفي بالدماغ.
• جلين كلود: عازف بيانو كندي متألق، له أسلوب غريب الأطوار في العزف.
• أدولف هتلر: زعيم ألماني، له أسلوب خطابة جذاب.
• توماس جيفيرسون: الزعيم الثالث للولايات المتحدة الأميركية.
• موزارت: أبرز وأشهر ملحن موسيقي كلاسيكي غربي.
• إسحاق نيوتن: عالم فيزياء، ورياضيات، وفلك، وفلسفة، وكيمياء.
• رامانوجان: عالم رياضيات هندي، لم يلتحق بالجامعة قط واعتمد على نفسه في دراسته.
• مارك توين: كاتب فكاهي ومحاضر أميركي مشهور، كان أيضاً ربان سفينة.
وهناك الكثير من الأشخاص الذين يشك بأن لديهم اضطراب طيف التوحد:
• آل غور: سياسي ديمقراطي أميركي، عمل في منصب نائب رئيس الولايات المتحدة من 1993 إلى 2001.
• بيل غيتس: المؤسس والرئيس الحالي وكبير مُصمّمي البرامج لشركة مايكروسوفت. ووفقاً لمجلة فوربز في 2004، يصنف غيتس كأغنى شخص في العالم وعلى مدى عدّة سنَوات متواصلة.
• سيد باريت: مُغَنٍّ بريطاني، يعاني من متلازمة إسبرجر، وهو أحد أعضاء مؤسسي فرقة Psychedelic Rock الغنائية في الستينيات.
على رغم إصابتهم بعرض من أعراض طيف التوحد أو وجود شك في ذلك بتواجد صفة أو أكثر من صفات الأشخاص المصابين بالتوحد، إلا أن تلك الشخصيات استطاعت أن تقدم الكثير الكثير لنفسها ولأسرها ولمجتمعاتها، بل تعدت ذلك إلى الأمة جمعاء، فعندما توفرت لهم فرص النجاح برزوا كأشخاص فاعلين في مجتمعاتهم، فلنمد سوياً يد العون لهؤلاء الأطفال لنساعدهم على العيش باستقلالية وفاعلية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ولنشحذ مواهب البعض منهم ليضافوا على تلك القائمة من العظماء.
العدد 4590 - الأربعاء 01 أبريل 2015م الموافق 11 جمادى الآخرة 1436هـ