العدد 4595 - الإثنين 06 أبريل 2015م الموافق 16 جمادى الآخرة 1436هـ

مستقبل الصحافة الورقية

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

ثمة دراسات كثيرة تنبأت ومنذ سنوات بأفول الصحافة المكتوبة الورقية، واكتساح الصحافة الالكترونية، بفعل الثورة المعلوماتية واتساع أوعيتها يوماً بعد يوم. وشهد العالم الصحافي في بحر السنوات الأخيرة اندثار عددٍ من الصحف والمجلات والمطبوعات نتيجة انحسار قرائها وتردي مداخيلها الإعلانية، وانصراف الجيل الجديد عن الإقبال عليها.

وتنبأت ندوة خليجية عقدت قبل عامين أن تكون المملكة العربية السعودية هي أول دولة عربية تتجه إلى الصحافة الالكترونية وذلك في العام 2017. وثمة من يرى أن هذا الاستحقاق الطبيعي للتطور قادمٌ لا محالة، وأنه سوف يطال أولاً الصحف والمطبوعات المرتفعة التكاليف والفاقدة للرؤية والهدف والمنعدمة التأثير.

والسؤال هو: هل تستسلم الصحافة المكتوبة لهذا المصير أم تعمل على تأخير وصوله، أم تطوّر أداءها وتقلّص مصروفاتها وترشّد ميزانياتها للإبقاء على هذه المؤسسات الوطنية والحفاظ على عناصرها البشرية؟

بدايةً، فإن العالم العربي دخل عصر الصحافة الالكترونية قبل أن يضع أقدامه على عتبة الصحافة الحرة المستقلة، فالدول العربية مصنّفةٌ في خانة الأصفار من حيث مستوى الحريات، والتشريعات العربية في قوانين ومطبوعات النشر والإعلام المرئي والمكتوب والمسموع وحتى الالكتروني خاضعة للرقابة وللضبط والتقييد، والبعيد كل البعد عن روح القيم العصرية والعالمية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدول العربية اسماً وتنصّلت منها مضموناً، ما يخلق بيئةً تحكمها الرقابة الذاتية قبل الخارجية، ويسيطر عليها الخوف من الكلمة الحرة والنقد الحر.

بيئةٌ تشتغل كل يوم على احتكار المعلومة المهمة واقتصار المشاركة الإعلامية على عدد محدود من الناس، ومنع المساس بأهم القضايا «الحساسة» المتصلة بإدارة الثروات وطرق إنفاقها وتأجيل الاستحقاقات الديمقراطية ومبادئ المساءلة والمحاسبة والمشاركة الشعبية وحقوق الإنسان وتمكين المجتمع المدني، وذلك للحؤول دون التغيير في أي مجال، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً.

إن هذا الحال يفتح المجال سريعاً للهرب بعيداً عن الصحافة الورقية التي مهما اجتهدت للإبقاء على مسافة بينها وبين الأنظمة الحاكمة والأحزاب والتنظيمات السياسية من أجل الحفاظ على مستوى من الاستقلالية والحيدة والموضوعية، فإنها تظلّ محكومةً بالمناخ العام وسياسات الداخل وأطره وأعرافه وتقاليده التي هي أحياناً أشد سلطةً من القوانين المكتوبة.

نعم ثمة مستقبل للصحافة الورقية إذا تمكّنت من تقديم مادة جاذبة وشهية ورصينة في الوقت نفسه. مادة لا تعتمد على السبق الصحافي أو السرعة في نشر الخبر فمثل هذه الأمور نعلم بداهة أنها سرقت منها ولم تعد قادرة على مجاراة سرعة العالم الرقمي، بقدر اعتمادها على الجودة والمصداقية والجرأة وتبنّي المبادرات الخلاقة والتحقيقات الاستقصائية. إن إثارة المعارك الصحافية التافهة لإلهاء الرأي العام وتشتيت ذهنه وصرف انتباهه عن القضايا الجوهرية باتت مكشوفة في ظل الإعلام البديل، على الصحف اليوم أن تعيد النظر في رسائلها وفلسفتها الإعلامية ذات الأبعاد التنويرية والإنسانية والحقوقية، وفي وسائلها للوصول إلى قلب القارئ الرقمي عبر القصص الخبرية الإبداعية والمبتكرة، وتنويع موادها واستقطاب كل ما هو جديد ومختلف وعصري، وتوسيع شبكة عملائها وقرائها وكسب ثقتهم.

لكن الأهم من كل ذلك هو أن تساهم الصحيفة في خلق وتشكيل رأي عام وجماعات وتنظيمات ولوبيات وعناصر ضغط للعمل على تنقية قوانين الإعلام من القيود والرقابة والعقوبات، وحمل الأنظمة والبرلمانات على مجاراة القوانين العالمية في حرية التعبير والصحافة الحرة، وتعزيز الإعلام المسئول والديمقراطي الذي يعكس رغبات المواطنين بكل أطيافهم، دون ذلك لا مستقبل للصحافة الورقية ولا الالكترونية.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4595 - الإثنين 06 أبريل 2015م الموافق 16 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:39 ص

      فى

      فى ناس من البشر عايشين معانه استغلوا الصحافة لبث سمووم الشيطان لتدمير الشعب لحرب طائفيه لاكنهم فشلوا الشعب السنى والشيعى واعى ليهم والله يصلح البلد ويبعد عنا اولاد الشيطان وقاتل الله الجهل

    • زائر 1 | 5:41 ص

      أفول الصحافة الورقية تماما .

      موضوع جميل , فالانسان يحب أن يتابع الاخبار أول بأول على جميع الاصعده ويتمنى الخير ف كل يوم جديد والحمدلله أن هناك مايزال من يواكب القراءة الالكترونية , ونتمنى أن يفعل دور الصحافة الالكترونية بدل ان تكون حبر ع ورق كما يقال أن يدخل حيز التنفيذ والتفعيل ف المجتمع وأن يلعب دور الصحافة الوسيط لحل جذري لمشاكل الناس وخير ورفعة وطنا البحرين . خاتون .

اقرأ ايضاً