العدد 4596 - الثلثاء 07 أبريل 2015م الموافق 17 جمادى الآخرة 1436هـ

في «الإطاري النووي» مكاسب وتنازلات

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

على رغم الاحتفالات ورفع شارات النصر إلا أن تقييمات المراقبين والمحلّلين تباينت في مقاربة التنازلات السياسية والتقنية التي قدّمتها إيران في «اتفاق الإطار النووي»، الذي تم التوصل إليه في لوزان السويسرية، بعد 18 شهراً من المفاوضات المكثفة.

الأمر هنا طبيعي، مع أنه يحفّز على طرح أسئلة كثيرة بشأن ماهية مرحلة العلاقات الجديدة بين إيران ودول الـ (5+1)، وعن موقف الداخل الإيراني من الاتفاق وتأثيراته في التحولات النوعية الجارية على مسرح الشرق الأوسط، وما إذا كانت ستؤدي إلى فك عقد أزماته السياسية المستفحلة على المدى المنظور. هي أسئلة وغيرها الكثير ممّا يحتاج إلى تفكيك أكثر تفصيلاً.

تفاهم تاريخي... ولكن

لاشك أن ثمة تنازلات تقنية فعلية قدّمتها إيران مقابل مكاسب سياسية حقّقتها ويمكن تبينها من وصف الرئيس حسن روحاني الاتفاق بأنه «خطوة أولى» نحو علاقات أفضل بين إيران والعالم، وهي التي عانت من عزلة جيوسياسية وحصار امتد لأكثر من 13 عاماً، كما وصفه الرئيس بارك أوباما بـ «التفاهم التاريخي».

في مقاربة التنازل بالمكاسب، يرى أحدهم الاتفاق «صفقة مدفوع ثمنها»، مستدركاً بأن إيران أساساً لم تركّز على الشروط التقنية بتشغيل أجهزة طرد مركزي بأكثر أو أقل، بقدر تركيزها على ضمان رفع العقوبات، وعدم حشرها في نفق ابتزازي لا ينتهي تماماً كما حدث للعراق.

في الأخير تحرّرت إيران من العقوبات جزئياً وستستفيد من جذب الاستثمارات وإعادة ضخ نفطها في الأسواق، لاسيما وأن عائداته تشكل 80% من حجم اقتصادها، إضافةً لاسترداد قرابة 150 مليار دولار لأصول مالية مجمّدة في المصارف الغربية. لكن مهلاً، إن الاتفاق ينحصر في منطقة النووي فقط، أما العقوبات ذات الصلة بحقوق الإنسان ستستمر، وتجارتها مع أميركا ستبقى مقطوعة.

مع حصول إيران على اعتراف دولي بحق التخصيب واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ما يعني عدم إلغاء برنامجها النووي رغم إبطائه وفرض قيود صارمة عليه، الأمر الذي يرجّح فرضية انهيار الاتفاق، والأسباب واضحة، منها توقّع تصاعد التوترات والمواجهات لجهة تحركات الكونغرس بقصد إفساد الاتفاق بالتفاصيل الدقيقة، لم لا والشيطان غالباً يقبع فيها. كذلك لصرامة التفتيش في المستقبل، وفرض إعادة تصميم وبناء مفاعل «آراك» بمفاعل بحثي ضئيل القدرة قياساً بالحالي، فضلاً عن تحويل مفاعل «فوردو» المقام فيه غرف تخصيب بعمق 91 متراً تحت الأرض إلى منشأةٍ لا علاقة لها بالتخصيب، علماً بأن إيران وافقت على وقف التخصيب فيه لمدة 15 عاماً وقصر استخدامه على الأغراض السلمية، وهذا محل خلاف وينطوي على تحديات عند تحديد طبيعتها، خصوصاً عند تفكيك ما بين سطور وزير الخارجية الفرنسي القائل: «لسنا في نهاية الطريق تماماً ويجب أن تكون نهاية الطريق في يونيو، لن يوقع أي شيء حتى يتم التوقيع على كل شيء لكن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح». من هنا نفهم أن الاتفاق تشوبه ثقوب قد يتسع مداها ويكون لها أبعاد سلبية تضعف الموقف الإيراني.

في السياق ارتفعت أصوات التشدد الداخلي ومنهم صوت مستشار المرشد حسين شريعتمداري، الذي وصف الاتفاق بأنه «وُلد ميتاً... وإن طهران أسلمت رقبتها للغرب». كما هاجم بعض نواب البرلمان وعارضوا الموافقة على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي من 19 ألفاً إلى 6 آلاف فقط، مذكّرين أن ما حققه الغرب من مكاسب أكثر مما حققته إيران، وإن الفريق التفاوضي تجاوزهم خصوصاً وتوقيع البرتوكول يتطلب موافقة البرلمان. تناسوا بالطبع أن المرشد أعلى سلطة وقد منح تفويضاً للفريق وقال كلمته الفصلى.

الأفخاخ

لجهة تأثير الاتفاق على أزمات المنطقة، صحيحة رؤية البعض بأنه قد يخفّف الضغوط على حلفاء إيران في سورية والعراق ولبنان واليمن، وأنه بحكم موقعها الجيوسياسي قد يحقّق لها لعب دور مركزي تكون فيه صاحبة الكلمة، إلا أن الصحيح حسب المعلوم رفضها الفاقع بحث الملفات الإقليمية الأخرى في مفاوضات النووي، إلى جانب تحذير أوباما من «أن النجاح غير مضمون على الرغم من الاتفاق»، وتأكيده على استمرار الخلافات والمواجهات السياسية مع النظام الإيراني.

وفي هذا الإطار تدور آراء مغايرة، تشير إلى إن مكاسب إيران باستخدامها العراق وسورية ولبنان واليمن كأوراق تفاوضية، ستشكل في الواقع أفخاخاً خطيرة عليها وعلى جيرانها، بغض النظر عمّا تمنحه لها هذه الأوراق من مكاسب. ويرون إمكانية تقليل المخاطر في حال امتلكت الإرادة السياسية للمساهمة في إخراج الشرق الأوسط من الفخ الطائفي. والسؤال: هل يمكنها بالفعل إسقاط القبعة الطائفية والتخلّي عن مشروع التمدد بعد المكاسب المتحققة؟ وهل سيقود الاتفاق إلى تهدئة الجبهات والبحث عن مخارج للأزمات؟ أم إنه سيولّد أفخاخاً جديدة قابلة للانفجار؟

في حقيقة الأمر، الوضع أعقد من الإجابة بنعم أو لا على السؤال، والدلالة تكمن في تصريحات أوباما التي أثارت سيلاً من التأويلات بخصوص عزمه إجراء حوار وصفه بـ «الصعب» مع حلفائه في المنطقة بهدف تعزيز التشاور والتنسيق والتعاون معهم لتحقيق الأمن والاستقرار وتقديم الدعم إليهم ضد الأعداء. كما أثار سجالاً حين ذكر بأن عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية وأن يكونوا أكثر فعاليةً في معالجة الأزمات الإقليمية وبناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة، فهذا برأيه يخفف حالة الخوف والقلق إزاء الاتفاق وبما يسمح بإجراء حوار مثمر مع الإيرانيين، لاسيما وأن الأخطار الكبرى التي تهدّدهم حسب زعمه، قد لا تكون من احتمال اجتياح إيراني بل من عدم الرضا داخل دولهم ومن سخط الشبان الغاضبين والعاطلين ممن يشعرون بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم». ما يعني أن الخطر يكمن في الشعوب العربية التي يعاني بعضها من الفقر وفقدان المواطنة والحرية والكرامة، تماماً كما يكمن في دعوة بناء القدرات الدفاعية الأكثر كفاءة. وهي على ما يبدو بشرى لمزيد من الابتزاز واستنزاف ثروات المنطقة في سباق التسلح ورفع منسوب الاحتراب والقتل والدمار بين شعوبها.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4596 - الثلثاء 07 أبريل 2015م الموافق 17 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً