العدد 4604 - الأربعاء 15 أبريل 2015م الموافق 25 جمادى الآخرة 1436هـ

تحرير العبيد أم الأحرار؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم هو السادس عشر من أبريل/ نيسان. هذا يعني أن الأميركيين يرفلون في الذكرى الـ 153 على توقيع الرئيس الأسبق لبلادهم أبراهام لينكولن على أحد أهم القوانين الفدرالية، وهو قانون مقاطعة كولومبيا لتحرير العبيد مع دفع التعويضات لمالكيهم بواقع 300 دولار عن كل رقيق يُعتَق. وهي ذكرى مازالت واشنطن العاصمة تعيش فيها يوم عطلة كل عام.

لقد كان صدور هذا القانون سابقاً على «التعديل الثالث عشر للدستور» الأميركي «الذي حظر العبودية في جميع أنحاء» الولايات المتحدة الأميركية «بعد إقراره في العام 1865». وربما اختصت به واشنطن دون غيرها كون القانون سُمِّي بها (وإن أخذ اسم كولومبيا)، فحُرِّر في أرضها قرابة الـ 3100 من العبيد. وبحساب ذلك الوقت فإن هذا الرقم كبير جداً.

فواشنطن في العام 1800، أي قبل ستة عقود من توقيع القانون، كان يسكنها 8000 نسمة فقط، ما يعني أن أولئك الأرِقَّاء كانوا يُشكلون 38.7 في المئة من السكان في حال استمرار ذات الأعداد. وإذا أخذنا عدد سكانها عند الحرب الأهلية، فإنهم سيشكلون 5.1 في المئة. وفي كل الأحوال، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالأرقام زيادة أو نقصاناً، وإنما بالثقافة المصاحبة لها.

فأوضاع السود في الولايات المتحدة الأميركية لم تتحسن بعد صدور ذلك القانون بالصورة التي كان قد قرّرها القانون، بل استمرت عقوداً من السنين ومازالت، حيث أظهر الواقع أن تلك الشريحة الواسعة من الأميركيين الأفارقة، الذين بنوا العالم الجديد وعموم العالم الغربي بعرقهم وأياديهم عاشوا ذات الحيف الواقع عليهم، وإن اختلفت الظروف.

والحقيقة أن هذا أمر جدير بأن يُفتح حين تتم مناقشة العنصرية على أساس اللون، ليس في الولايات المتحدة الأميركية وحدها بل في الثقافة الفوقية التي تهيمن على كثير من المجتمعات الغربية والشرقية على السواء، حيث تُفصَّل القوانين المُجرِّمة للعبودية ومكافحة العنصرية بشكل جيد، لكن يبقى المزاج العام ممارساً لها بطريقة شبه مجازة وغير مُجرَّمة معنوياً، بل ولا تُوضع لها برامج أو حلول لمكافحتها بشكل مُحكَم.

يُضاف إلى ذلك أن المزاج العنصري للناس يؤدي بشكل آلي إلى إبقاء المنازل والفروق الطبقية ذاتها حتى مع تقادم السنين وقيام الاندماج في الدماء واختلاطها وتوالي الأجيال، إذْ يبقى اللون هو الحاكم في تفسير العلاقات الاجتماعية ومداها، وهو ما يعني إنتاج عنصرية مكتومة. هذا الأمر وُجِدَ في التاريخ العربي والإسلامي منذ زمن سحيق واستمر إلى يومنا هذا، رغم القوانين «السماوية» و»الأرضية» التي صدرت لعلاجه.

فقد ظهرت في منطقة الشرق الوسط منذ ما قبل الميلاد، لهجاتٌ أفريقيةٌ اختلطت بالعربية، نتيجة تمازج عرب الجنوب بأفارقة الساحل الشرقي للقارة السمراء فظهر ما كان يُعرف بـ «المعربات». وسرت العديد من المسميات والألفاظ في اللغة المحكية، وبالتحديد في المهن كالزراعة وغيرها، إلاَّ أن هذا التماهي في العيش المشترك لم يفضِ إلى تكريس مساواة في الحقوق، رغم أنهم مسلمون، ودينهم يحث على أنه لا فرق بين الناس.

وحتى عندما دخلت الحبشيات على بعض قبائل العرب، وجرى ما جرى من تزاوج بينهم، حتى ظهرت على سحنتهم السمرة بَقِيَ نعت «الأحابيش» يطاردهم، رغم أن هذا المصطلح لا يشمل أهل الحبشة فقط بل حتى أجزاء من العرب الذين جيء بهم من مناطق السبي، وهو ما يعني عدم ذهاب تلك الرواسب من النفوس والأذهان.

بل إن هذا التمييز في اللون والعِرق لاحق الأغيار حتى مع دخولهم في الفرز الطبقي، وحين تشكّلت لهم قيادات اجتماعية واقتصادية وسياسية، واستقرارهم في المجتمع الجديد. يضاف إلى ذلك، هو زجهم في المعارك التي كانت تجري بين المتخاصمين دون أن يكون لهم فيها صلة، وذلك لدونيَّةٍ كان العرب ينظرون بها إليهم.

بل سعت المجتمعات (التي تعتبر نفسها أصلية) إلى تمييز نفسها حتى في المتشابهات والقواسم المشتركة بينها وبين السود الذين استقدمتهم للسخرة من مجتمعات «إفريقية». وباتت تصنع الأمثال وتصوغ الأشعار التي تفرزهم بتمجيدهم عن الغير. فمثلاً من المعروف أن «الغالب على العرب جعودة الشعر، وعلى العجم سبوطته» كما ذكر الزمخشري. وكانت العرب إذا أرادت أن تمدح قالت: «رجل جعد، أي: كريم جواد كناية عن كونه عربياً سخياً؛ لأن العرب موصوفون بالجعودة»، لكنهم وفي الوقت نفسه «كانوا يفرقون بين جعودة شعر العرب وجعودة شعر الزنج والنوبة؛ لأنهم ينظرون إلى الزنج والسود على أنهم دونهم في المنزلة والمكانة»، كما جاء في المفصل، وهو أمرٌ لم ينتهِ لغاية اللحظة وإن تبدّلت أشكاله وطرق التعبير عنه.

الحقيقة، أن العديد من المجتمعات التي تعِيب على المجتمع الأميركي عنصريته تجاه السود، هي أيضاً متورطةٌ في الأمر ذاته بمنازل مختلفة. وفي المحصلة، فإن «تحرير العبيد» لديهم ولدينا لا يحتاج إلى «توقيع قانون» بقدر ما يحتاج إلى «تقرير سلوك وممارسة». فكثرة القراطيس لا تعين المجتمعات على تنفيذ الأشياء الحسنة، بل كثرة الشعور بما في تلك القراطيس، هو ما يجعلها مجتمعات مؤمنة بما تكتبه لنفسها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4604 - الأربعاء 15 أبريل 2015م الموافق 25 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:55 ص

      تمييز

      لا يوجد لدينا تمييز بحسب اللون ولكن يوجد تمييز من نوع أخر وهو تمييز طائفي بغيض يتم من خلاله التمييز ف الخدمات والمعاملة لا لشيء سوى الاختلاف ف المذهب.

    • زائر 1 | 3:03 ص

      الوصف

      يظهر هذا في الاوصاف التي تطلق عليهم

اقرأ ايضاً