العدد 4607 - السبت 18 أبريل 2015م الموافق 28 جمادى الآخرة 1436هـ

«قضايا وطنية مُعاصرة» لهادي الموسوي... إضاءة ومحاولة فهم الحالة البحرينية وقضايا أخرى

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

تنزع الكتابات المعاصرة، تلك التي تحاول الاقتراب من فهم وتفكيك الحالة البحرينية؛ خصوصاً منذ مطلع الألفية الجديدة إلى الزجِّ بالسؤال المفتوح على تلك الحالة. الزجُّ بالسؤال، وإن وسَم الكتابات تلك ما يُظنُّ أنها إجابات، أو محاولة للإجابات عن المُشكل والمأزق البحريني منذ ما بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في 14 و 15 فبراير/ شباط 2001.

الزجُّ بالسؤال يتكرَّر في محاولة لفهم ما الذي دفع بالمسار الذي كان من المفترض أن يأخذ الحالة البحرينية إلى حال من الاستقرار، والالتفات إلى ملفات وقضايا التنمية وما يرتبط بها، إلى حالة المناكفة والشدِّ والاحتقان، والتعاطي مع الأزمات برد الفعل الذي يعمل عمله في التعويم والتأجيل والمناورة؟

يُلاحظ على تلك الكتابات أيضاً أنها تتلمَّس الحلول وهي تتطلَّع إلى تجارب هنا وهناك، ولا تُقدِّم توصيفاً لما هو حاصل، بقدر ما تغلب عليها صفة التسجيل من جهة، وافتقارها إلى قراءة الواقع بأدوات توصل إلى فهم النتائج والمحصِّلات من جهة أخرى.

طبيعة المقالات التي ضمَّها كتاب «قضايا وطنية معاصرة... في الشأن العام البحريني» لعضو جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، ورئيس دائرة الحريات وحقوق الإنسان، هادي حسن الموسوي، الصادر في العام 2006، وهو عبارة عن مجموعة مقالات صحافية، لا تدَّعي تقديم حلول وتجترح منافذ للخروج من الأزمات المتعاقبة التي عرفتها البلاد، في ظل ردود الفعل على حراك هنا، أو مطالبات هناك، أو توسيع إيصال الفعل والمطالبات إلى الفضاء العالمي هنالك؛ ما ينتج عنه احتقان في ردود أفعال الطرف الحكومي، وتلمُّس حلول وإجراءات مؤقتة وترقيعية للكثير من المشكلات والملفات التي عصفت بحال الاستقرار.

وحين نقول الزجّ بالسؤال، فليس بالضرورة أن يكون حاضراً في طبيعة المقالات التي ضمَّها الكتاب؛ إذ ثمة كتابات تولّد السؤال وتستدرجه في صورة أو أخرى، وهو عام وشامل من قبيل: إلى أين يتوجَّه الوضع والمأزق البحريني؟ كيف يمكن الوصول إلى صيغة جامعة تمنح البلد والبشر فرصة بناء ما فاتهم، والوصول إلى صيغة تتجاوز «التعايش» التي يُراد تمريرها؛ في ظل أداء مراوح أو مُعاكس؟ كيف يمكن احتواء الخسارات التي لا تنقطع بفعل سياسات ردِّ الفعل والتصعيد في كثير من الأحيان؟ ومن المستفيد من محاولة تأبيد الحالة البحرينية؛ أو على الأقل تعويمها، وتركها إلى حين إحساس طرف من الأطراف بأنه وصل إلى مرحلة الإنهاك؟

حزْمة الموضوعات الحقوقية

تغلب على الكتاب الموضوعات الحقوقية، على اختلاف زوايا تناولها، وأحياناً تأتي عابرة لكنها لا تنفصل عن الحزمة الجامعة لها.

يتناول الموسوي في مقدمة الكتاب جانباً من ذلك بحديثة عن «قضايا الحقوق وانتهاكها وتأمين ضمانها، والتمييز في العطاء والحرمان، وتغليب قانون القوَّة على قوَّة القانون في التشريع، وتقديم أمن الدولة على أمن المواطن، وإهدار الموارد لصالح القلَّة - المقرَّبة - على حساب الكثرة - المُهمَلة - في الجوانب المعيشية، وتدنِّي مستوى الخدمات، ودور الدولة الرئيس في هذه الموارد، وكل ما يتعلَّق بشئون المجتمع السياسي».

الكتابات جُمعت في كتاب العام 2006، ونحن نودِّع الربع الأول من العام 2015، ذلك يعني أننا في الربع الأول من السنة العاشرة منذ صدوره، والقضايا هي هي، والتعاطي معها من قبل الدولة لم يطرأ عليه تغيير؛ إن لم تذهب إلى العميق من السوء في معالجاتها، والتي لا يمكن الاصطلاح عليها بالمعالجات أيضاً، مادامت إما مراوحة مكانها، وإما إلى مزيد من تعميق مضاعفاتها.

أكثر ما تحتاج إليه مثل تلك الكتابة ليس وصفها؛ بل التوصيف، والذهاب بعيداً في المآلات والنتائج؛ والخسارات التي لن ينجو منها أحد، وبلغة الأرقام، لا يمكن أن نفصل المسائل الحقوقية في درجاتها المعطّلة عن الاقتصاد في بطء وموات حركته، وانعكاس ذلك على المجموع البشري الذي من المفترض أن الدولة هي مظلته، ولا جدوى من تلك المظلة مادامت تتعاطى مع المسائل الحقوقية بذلك الأداء الذي لا يمكن استشراف أفق حل للمشكلات والأزمات العالقة.

وفي تفعيل «قانون القوَّة» كمبدأ في التعامل مع القضايا الحقوقية وما يرتبط بها، على رغم الشرعية التي تستمدها الدولة من الدستور، نحن إزاء تلاعب بالاثنين معاً، لا بملف دون آخر، وربما ذلك ما يحاول الاقتراب منه الموسوي في تناوله «البحرين: التشريع بين قوَّة القانون وقانون القوَّة»، بالقول: «إن السلطة التنفيذية في البلاد، وعلى رغم شرعيتها المستمدَّة من الدستور، يلجأ الفاعلون فيها إلى استعمال (قانون القوَّة)، المُنافي للمبدأ الدستوري، والعرْف المتحضِّر». إذ «تلجأ هذه السلطة كلما أظهر مؤشر حساب قياس القرار المطروح على طاولة المناقشة في مطابخ القرار السياسي، إلى اتجاه منافٍ للتطلُّعات التي تسعى إلى تحقيقها، فإنها لا تتردَّد في القيام بالتلويح بقانون القوَّة...».

وبالعودة إلى الزجّ بالسؤال/ الأسئلة، سنقف على شواهد ونماذج. أسئلة من نمط مباشر، وإن لم يُخف استفهاماً من جهة، وإجابة على السؤال نفسه بمجرد إبرازه والتلويح به من جهة أخرى، من قبيل: ما هي الأجندة التي تخفيها الحكومة، والتي تدفعها لممارسة فعل سياسي قهري، تستبدل فيه «قوَّة القانون» بـ «قانون القوَّة»؟

ذلك النمط من الأسئلة يكتفي بتضمين إجاباته الجاهزة في الأسئلة نفسها، ولكنه لا يذهب عميقاً في تشريح وتناول كل حالة على حدة، بأدوات كاشفة. في ثنايا الأسئلة تلك يكمن تقرير الواقع وتأكيده، والإشارة إلى جوانب من تعقيداته وانغلاق أفقه، وبالتالي هي لم تبرح الحالة المراد قراءتها ومحاولة فهمها والكشف عن مكانها في المستقبل، القريب منه والبعيد.

في موضوعة التجنيس

ضمَّ الكتاب مقالات ثلاثة تتناول موضوع التجنيس وإشكالاته والمخاطر المترتِّبة عليه، والضغوطات التي تمثلها على البنية السكَّانية والخدماتية، وطبعاً الموارد تحت عنوان عريض: الاقتصاد، والأهم من ذلك كله، التدمير السريع الذي يُحدثه في بنية الثقافة والعادات والتقاليد ومجموعة القيم النابعة من هذه الأرض خصوصاً، والإقليم عموماً.

هل حدثت محاولة لمقاربة كل ذلك؟ نوعاً ما وبشكل عابر، ولم تذهب عميقاً أيضاً في تلك الموضوعة من حيث مساسها بالوجود الكليِّ والشامل، بكل ما لذلك من تفاصيل.

ولا يمكن فصل عملية التجنيس القائمة، عن الملف الحقوقي للذين ينتمون إلى هذه الأرض وامتداداتهم فيها، بل هي في اللبِّ من الموضوع، وكل الآثار الناتجة عن التجاوزات في الملف الحقوقي، لابد وأن تكون لها صلة من قريب أو بعيد بملف التجنيس بكل آثاره الكارثية التي لن يكون أحد في مأمن منها.

في المباشر من التناول، يمسُّ هادي الموسوي قضية التجنيس في الجزء الأول من المقال، من حيث الأثر المباشر: تغيير التركيبة الديموغرافية بتقرير «لا مناص من نعْت حملات التجنيس القائمة حالياً، إلا بالتجنيس السياسي العابث، والباعث على ضمان تغيير التركيبة الديمغرافية للسكَّان»، مُستدرِكاً بالقول «على أن نتائج هذا المُخطَّط تتحقَّق عاجلاً وآجلاً على مدى الأسابيع المقبلة، وعلى مدى عقود وقرون من الزمن».

لا يبتعد الموسوي كثيراً في تناوله لسياسة التجنيس المُتَّبعة بكل تداعياتها وكوارثيتها عن استدراك، أنه ليس ابتكاراً بحرينياً، تواصلاً مع مراحل ما بعد نشوء الدولة القومية وحركة الانتقال بين الحدود، لظروف وعوامل بعضها يمكن التحكُّم بها، وتدخل ضمن الانتقال الاختياري، والآخر الذي وإن بدا اختيارياً لكن تداخل عوامل أخرى تدفع بالأفراد والمجموعات إلى الانتقال بحثاً عن فرص واستقرار مضمونين، والأندر من ذلك الانتقال الذي يحدث بفعل ظروف طبيعية. لجوء الدول إلى التجنيس يحكمه التخطيط والشفافية والاحتكام إلى القانون وضمن معايير تتلمَّس احتياجاتها؛ بعيداً عن الاستهداف ومحاولة التذويب أو ترجيح كفة فئات وجماعات وأعراق ومذاهب وديانات على حساب أخرى.

تناول الكتاب عناوين وقضايا، من بينها ما هو خارج الحالة البحرينية وقضاياها وهي: «قضايا وطنية لها صفة الاستمرارية وعلى درجة عالية من الخطورة»، تناول فيه التعاطي مع المطالبات الشعبية، وتحقيق الظاهر والقشر منها، بلعبة التفاف على جوهرها والقيمة الحقيقية لها، مسلطاً الضوء على ديمقراطيات عريقة، وتعاطيها مع الأشكال والمضامين الديمقراطية التي تم التوافق عليها، وباتت الفيصل في اختيار مجالسها التنفيذية والتشريعية، مع بروز سؤال يحمل إجابته: لماذا تُحْوجنا السلطة السياسية والحكومة إلى قرون أو عقود من الزمن، لكي نحقق ما يأخذ بنظامنا السياسي إلى ما وصل إليه الآخرون؟

هادي الموسوي 							 (ارشيفية)
هادي الموسوي (ارشيفية)

العدد 4607 - السبت 18 أبريل 2015م الموافق 28 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً