العدد 4608 - الأحد 19 أبريل 2015م الموافق 29 جمادى الآخرة 1436هـ

النصر «المستحيل» في سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سأل صحافيٌ يعمل لصالح صحيفة «اكسبرسن» السويدية الرئيس السوري بشار الأسد: ما نسبة الأراضي التي تسيطرون عليها فعلياً في سورية الآن؟ سمعنا رقماً هو 10 في المئة من البلاد! ردَّ الأسد: «هذا ليس واقعياً، أعني الرقم، وإلاَّ لما كنتَ هنا في دمشق معي، ولكنتَ تجري هذه المقابلة مع زعيم المعارضة الذي سيكون مسئولاً عن البلاد».

ثم أضاف الأسد معلّقاً على الأزمة التي تشهدها بلاده منذ أربع سنوات: «هذه ليست حرباً تقليدية، ليست حرباً بين جيشين نظاميين ويقوم الأول بالتوغل في أراضي الجيش الثاني. في الواقع إنها حرب غير تقليدية؛ حيث يتمكن الإرهابيون من ملء الفراغ عندما لا يكون هناك قوات للجيش أو الأمن. وكما تعلم لا يستطيع الجيش أن يكون في كل مكان وفي كل جزء من سورية. إذاً عندما لا يكون الجيش موجوداً يستطيعون أن يتواجدوا».

ثم يسأله الصحافي مرة ثانية: الجيش السوري يتمتع بقدرات أكبر بكثير (من الجيش العراقي). لماذا لم تستعيدوا (مدينة) الرقة على سبيل المثال من «داعش»، لماذا تكتفون بشن الهجمات الجوية؟ يجيب الأسد قائلاً: «عندما يكون هناك مثل هذه الحرب الشرسة ويتلقى الإرهابيون الدعم من عشرات البلدان حول العالم، ويأتي الإرهابيون من أكثر من 100 دولة إلى سورية وأنت في بلد صغير بموارد محدودة، عليك أن تضع قائمة بأولوياتك تستند إلى معايير عسكرية، وإلا ستتشتت قواك في الحرب في كل مكان من سورية، ولن يكون بإمكانك أن تكسب أية معركة. ولذلك تضع أولويات. والهدف النهائي في هذه الأولويات هو أن تستعيد كل جزء من سورية، سواءً كان مدينة كبيرة أو قرية صغيرة».

الحقيقة، أن القارئ لإجابات الأسد، يكتشف أنها تقول ضمنياً أن لا نصرَ ممكن بالنسبة للرجل، على الأقل في المدى المنظور. فما ذكره يعطي انطباعاً بأن المعركة في سورية ليست قائمةً في منطقة بزوايا معروفة بل هي تجري في تِيه لا نهاية له، وبالتالي فالجيش السوري لا يُمسك إلاَّ بالضباب والظل في العديد من المناطق السورية.

لا يعني هذا أن الطرف الآخر سينتصر في هذه المعركة، بل هو أيضاً يعاني من المشكلة ذاتها مع خصمه. إذاً، لا نهاية لما يجري حتى ولو استمر أمداً طويلاً، والسبب هو غياب السيادة بمفهومها العام والمزدوج على المناطق.

ماذا يعني أن يقول الأسد بأن الإرهابيين يتمكنون «من ملء الفراغ عندما لا يكون هناك قوات للجيش أو الأمن»؟ هذا يؤكد أن السيادة الاجتماعية والسياسية للدولة (التي أشرنا إليها) منقوصة، وأن الطاعة الطوعية من سكان تلك المناطق لها منتفية، إلى الحد الذي جعلها تُسلِّم لقوى أخرى، تمتلك وسائل القوة المادية المنافِسة للدولة.

خلال سقوط مدينة إدلب في شمال غرب سورية قبل بضعة أسابيع ماذا جرى بالضبط؟ الذي حصل وحسب مسئولين عسكريين سوريين في الجيش النظامي، فإن مجموعات تابعة للمعارضة المسلحة دخلت إلى إدلب عن طريق التعاون مع الخلايا النائمة داخل المدينة (لندقق في هذه العبارة)، فدخلت متوغلةً في شوارعها ناشرةً قنّاصين في الأبنية حتى تحكّمت من الأحياء كاملة، الأمر الذي اضطر الجيش السوري النظامي لأن ينسحب إلى حدودها الجنوبية الشرقية والجهة الجنوبية الغربية المتاخمة للمدينة.

نعم، ربما كان توغل المعارضة المسلحة عبر ريف حلب الشمالي والريف الإدلبي ومن خلال جبل الزاوية ما بعد معرة النعمان حيث تتمركز جبهة النصرة، بمساعدة تركية، لكن ما هي الخلايا النائمة التي تحدث عنها المسئولون السوريون؟ إنها بالتحديد تلك الجيوب التي خرجت عن طاعة السلطة، ولم تقنعها الظروف السياسية بعد لأن تفاضل بين مشروع الدولة ومشروع المعارضة المسلحة، وهنا تكمن المشكلة.

ربما يقول قائلٌ بأن مدينة إدلب هي قريبة من الحدود التركية وبالتالي يسهل إسقاطها، لكن السؤال ماذا عن المناطق البعيدة عن الحدود نوعاً ما والقريبة من الوسط والشرق. ألَم تكن الرقة بعيدة، والطبقة بعيدة، والسخنة بعيدة، بل وحتى القابون والحجر الأسود كانت بعيدة، وبالتالي من أين جاءت المعارضة المسلحة إلى تلك المناطق؟

بالتأكيد لا يمكن للجيش النظامي أن يتواجد في 186 ألف و674 كيلومتراً، لكن «الدولة» كانت قادرة أن تكون حاضرة في تلك المناطق، وإمالة الكفة إلى صالحها في عقول وقلوب 22 مليون سوري، على الأقل في المناطق والمحافظات الأصغر كالقنيطرة وحماة ودرعا واللاذقية، لكن الذي حصل أن الدولة السورية عجزت حتى عن تأمين هذه المناطق (مدناً أحياناً وأريافاً في أحيان أخرى)، وهو ما يجعل قدرتها على غيرها أصعب كحلب وحمص وريف دمشق. ولا أعلم هل فات الأوان على الدولة لكسب تلك العقول والقلوب أم لا؟

من هنا، كانت ومازالت الأزمة في سورية معقّدةً جداً، ولا يمكن حلها من خلال خيارات عسكرية بحتة، بل من خلال حل سياسي لن يرضى به أحد. فالنظام في سورية يجب أن ينسى بأنه قادرٌ على أن يكون كما هو قبل منتصف مارس/ آذار 2011، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا أمنياً ولا اجتماعياً؛ فلقد تغيّر كل شيء. بالمثل، لم تعد المعارضة السورية قادرةً على إنجاز مشروعها الوهمي لكنس هذا النظام بكامل أجهزته، وبالتالي لا حل إلاّ بنقطة الوسط، وإلاَّ استمر الحال على ما هو عليه سنين عديدة. لذلك، لا يُؤمِّل أحدٌ من هذه الأطراف على أن هناك نصراً قادماً، فالانتصار حسب مفهومهم صار مستحيلاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4608 - الأحد 19 أبريل 2015م الموافق 29 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 10:57 ص

      شكرا‏ ‏على‏ ‏المقال

      تحليل‏ ‏رائع‏ ‏..‏ ‏شكرا‏ ‏للكاتب
      اللهم‏ ‏أرنا‏ ‏الحق‏ ‏حقا‏ ‏و‏ ‏أرزقنا‏ ‏اتباعه‏ ‏و‏ ‏الباطل‏ ‏باطلا‏ ‏و‏ ‏أرزقنا‏ ‏اجتنابه
      و‏ ‏الله‏ ‏يعجل‏ ‏بالفرج‏ ‏لجميع‏ ‏المسلمين‏ ‏

    • زائر 18 زائر 16 | 1:45 م

      اللهم‏ ‏انصر‏ ‏المسلمين

      صحيح‏ ‏ليس‏ ‏الشعب‏ ‏السوري‏ ‏من‏ ‏صنف‏ ‏واحد‏ ‏..‏ ‏بعضهم‏ ‏متعاونين‏ ‏مع‏ ‏الارهابيين‏ ‏خوفا‏ ‏منهم‏ ‏و‏ ‏بعضهم‏ ‏منهم‏ ‏و‏ ‏فيهم‏ ‏‏و‏ ‏بعضهم‏ ‏نازحون‏ ‏من‏ ‏وحوش‏ ‏القتل‏ ‏و‏ ‏بعضهم‏ ‏يتنازلون‏ ‏حفاظا‏ ‏على‏ ‏الارواحهم‏ ‏فالمناطق‏ ‏التي‏ ‏يغزونا‏ ‏سكانها‏ ‏بسطاء‏ ‏غير‏ ‏مسلحين‏ ‏لا‏ ‏حول‏ ‏لهم‏ ‏و‏ ‏لا‏ ‏قوة‏ ‏

    • زائر 14 | 6:20 ص

      النصر قريب

      بسبب ان العرب همهم المادة قبل كل شي وعلى حساب حتى الاوطان فمتى انقطع الدعم المادي عن ما يسمى بالمعارضة ستُدفن حينها في التراب

    • زائر 13 | 5:40 ص

      متابع

      لكني أعتقد أن المصالحات التي حدثت في حوالي 50 منطقة في سوريا تعطي بارقة أمل ، هكذا البشر يتطاحنون ثم يتصالحون ، منذ أن خلق الله آدم عليه السلام حتى يومنا هذا ، وعجل اللهم لوليك الفرج

    • زائر 12 | 5:37 ص

      متابع

      قبل أسابيع نشر موقع قناة المنار اللبنانية خريطة تظهر أماكن السيطرة في سوريا ( هذا قبل سقوط إدلب و بصرى الشام ) ، بينت الخريطة أن حوالي نصف سوريا خارج سيطرة النظام ( إما تحت سيطرة داعش أو الجيش الحر أو الأكراد ) .
      إذا كان النظام بعد التقدم العسكري الذي حققه في السنتين الأخيرتين لم يستطع السيطرة سوى على نصف سوريا ، و بدأ الآن يخسر في ادلب و درعا ، فهذا يعني أن النصر مستجيل فعلا .
      و الضحية هي سوريا ، أصبحت شبه مدمرة من الطرفين . وعجل اللهم لوليك الفرج

    • زائر 11 | 5:26 ص

      رد على زائر 6 و 8

      النزوح حصل بسبب المعارك ، ومنذ سيطرة المعارضة على ادلب يقصفها الجيش النظامي بالبراميل المتفجرة شديدة التدمير ، و حسب ما أعلن دمر 10% من المدينة بسبب القصف بالبراميل المتفجرة و المعارك التي حصلت .
      ّإذا هذا لا يعني أن النزوح سببه أن المدينة موالية للنظام ، تذكروا أن ادلب كانت من أوائل المدن التي خرجت فيها مظاهرات ضخمة ضد النظام .

    • زائر 8 | 2:51 ص

      غير دقيق!

      أجرؤ على القول ان هذا التحليل غير دقيق!، لو كان السكان في المدن والقرى يرحبون بالمعارضة لما كان هناك نزوح، نعم قد يكون كثير من السكان سلبيين بحيث ما عاد يهمهم من يسيطر على المنطقة فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولكن لا اخال انهم في راحة و سكينة مع وجود المعارضة المسلحة لاسيما وفيها المتطرف والمتوحش واللص والمغتصب هذا فضلاً عن عدم توفير الخدمات والمواد الغدائية.

    • زائر 7 | 2:20 ص

      خلال سقوط مدينة إدلب

      لم ينسحب الجيش السوري النظامي هكذا بالبساطة؛ بل لأنه علم حجم الدمار الذي سيحدث في إدلب من قبل المعارضة التكفيرية، و كثرة عدد الضحايا المدنيين الذين سيموتون نتيجة للقتال ، أوعلى أيدي جبهة النصرة!

    • زائر 17 زائر 7 | 10:58 ص

      مسكسن

      مسكين انت ويبدو انك تعيش في عالم اخر منذ متي النظام السوري يهتم بمواطنيه وسلامتهم انسيت البراميل المتفجره والقصف علي المدنيين

    • زائر 6 | 12:55 ص

      كلام سليم و لكن

      لا اختلف معك استاذ محمد فيما ذكرت لكن هناك جزء استوقفني في مقالك و هو دعم سكان المدن السورية للمسلحين ففي ادلب على سبيل المثال نزح اغلب السكان بعد دخول المسلحين للمدينة فاذا كانوا من الداعمين او المطمأنين لهم لماذا يفرون عن منازلهم ليقاسوا اللجوء و التشرد؟!!
      لو اغلقت الحدود و اوقف التمويل المعروف المصادر لتمكن السوريون من حل ازمتهم لكن سيستمر الحال حتى يعي داعموا العنف ان النار ستطالهم

    • زائر 4 | 12:35 ص

      الشعب العربي السوري

      مهما طال الزمن سوف ينتصر الشعب العربي السوري على الأقلية التي تحكم بالحديد و النار منذ عقود باسم البعث العربي رغم انهم اقرب للفكر الفارسي

    • زائر 3 | 11:47 م

      صباح الخير

      كلام صحيح ولكن لو اتفقنا جدلا أن تركيا وحليفاتها في المنطقة ومعهم الرأس الأكبر وهي إسرائيل بعدم تدخلها في سوريا على الأقل الدعم المالي والتسليحي واللوجستي وفتح الحدود على مصراعيها لهائولاء الخوارج عندئدا ربما نستطيع أن نجزم أن نصر قادم لا محالة 5 سنوات ومازال الجيش العربي السوري لم يتفكك ولم يضعف مع رغم كل الصعوبات التي تواجه كلام الاسد صحيح 100 في 100 حتى لو اختلفت معه

    • زائر 5 زائر 3 | 12:54 ص

      سؤال

      حمص ليست على حدود تركيا

    • زائر 2 | 10:45 م

      سورية ستكون عصية على هؤلاء الخونة

      نحمد الله أن ما يسمى بالمعارضة السورية لم تستلم الحكم في سورية ولم تستطع إسقاط الحكومة وإلا كانت المصيبة أننا سنفقد ونترحم على سوريا ونقول كانت هناك دولة كبيرة اسمها سورية ، قادة المعارضة أين هم الآن ؟ إنهم أستلموا المعونات المالية من الدول الخليجية ووزعوها عليهم وغاذروا إلى فرنسا ودبي بهذه الأموال بعد توزيعها وتركوا سوريا للدمار ، أين ما سمي بالجيش الحر وقادته الذين صدعوا روؤسنا في برنامج الاتجاه المعاكس مع الأهبل وإن النصر قادم لا محالة. إنها الشام عصية على هؤلاء العصابات وستبقى عصية عليهم.

    • زائر 1 | 10:22 م

      ابداع

      ما شاء الله..صاحب العمود جوكر الأعمدة..وسبب مشاكل سوريا برمتها الجار السئ تركيا

اقرأ ايضاً