العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ

صناعة الدكتاتورية في الوطن العربي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عندما نراجع الحقبة التاريخية للوطن العربي فيما بعد نيل الاستقلال لمعظم الدول العربية، نلاحظ أن هذه المنطقة الجغرافية من العالم، وهذه الأمة من بين الأمم، أنتجت، ولاتزال تنتج، أكبر عدد من الدكتاتوريات، ولأطول حقب من الزمن، وقد تفوقنا في ذلك على غيرنا من الأمم.

وفي حين انتهت ظاهرة الأنظمة الدكتاتورية العابرة في أوروبا قبل عقود، كما انتهت الأنظمة الدكتاتورية التي سادت لعقود في أميركا اللاتينية، مع وجود نظام تسلطي في كوبا وفنزويلا، وتراجعت كثيراً الدكتاتوريات في إفريقيا، وفي حين أنه باستثناء حكم العسكر المؤقت في تايلاند وبورما وبعض الأنظمة الاستبدادية في آسيا الوسطى (كازاخستان وأذربيجان مثلاً) فقد انتهت الأنظمة العسكرية في آسيا.

يطلق على حقبة الثمانينيات التي توّجت بانهيار حائط برلين في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 بأنها حقبة التحول الديمقراطي عالمياً، حيث انهارت فيها منظومة كاملة من الأنظمة التسلطية الاشتراكية في أوروبا وآسيا، وانتقل معظمها في أوروبا إلى أنظمة ديمقراطية ليبرالية، فيما انتقلت أخرى في وسط آسيا إلى أنظمة تسلطية أو شبه ديمقراطية. كما شهدت هذه الحقبة انتقال العديد من الأنظمة الدكتاتورية والتسلطية في أميركا اللاتينية وبعض بلدان آسيا وإفريقيا إلى النظام الديمقراطي، مع تباين بالطبع في طبيعة هذه الأنظمة.

موجة الديمقراطية هذه تكسّرت على شواطئ الأرض العربية! وحتى بعدما انطلقت رياح الربيع العربي في بداية 2011 من تونس، واجتاحت الوطن العربي من البحر إلى البحر، فقد ووجهت بالمصدات القوية وتكسّرت موجات الديمقراطية في معظم البلدان العربية، بل وشدّد الأنظمة من قبضتها، واستبدل الأوضاع الاستبدادية بمثلها!

لاشك أن هناك عوامل سياسية واقتصادية وثقافية تسهم في تكريس الدكتاتورية والتسلطية في الوطن العربي، ما يجعل «الديمقراطية عصية على بلداننا» على حد تعبير أستاذ علم الاجتماع باقر النجار. وباعتقادي فإن العامل الأول في ظاهرة الانقلابات التي قادت إلى الدكتاتوريات، هي الهزيمة المدوية للعرب في فلسطين أمام «إسرائيل»، ما أتاح للعسكر وهم المؤسسة الأكثر تنظيماً وتسليحاً لتحميل الأنظمة الحاكمة، جمهورية أو ملكية، المسئولية، وتصوير أنفسهم كمنقذين ومحرّرين لفلسطين. ولذا شهدت البلدان الملاصقة لفلسطين - والتي شاركت جيوشها في حرب فلسطين وتجرّعت الهزيمة المرة وهي الأردن وسورية ومصر والبلدان القريبة مثل العراق - انقلابات ناجحة ومتتالية أنتجت حكاماً مستبدين ودكتاتوريين، وكذلك محاولات انقلاب فاشلة في أماكن أخرى.

أما السبب الثاني فهو الفشل الذريع لدولة ما بعد الاستقلال في معظم الدول العربية في جميع المجالات تقريباً، باستثناء تجربة النهوض القصيرة الأجل كما في مصر والعراق وتونس والمغرب والجزائر.

أما السبب الثالث فيعود إلى الصراع على السلطة، وهو ما شهده العراق وسورية والجزائر وموريتانيا واليمن بشطريه الشمالي والجنوبي.

بالطبع فإن هناك تداخلاً لأكثر من سبب وترجيح سبب على الأسباب الأخرى في كل حالة على حدة. كما أن بعض الانقلابات العسكرية لم تؤدِّ إلى الدكتاتورية والتسلطية، وهناك استثناءان مثيران وهما حكم اللواء فؤاد شهاب في لبنان، وحكم اللواء سوار الذهب في السودان، وكلاهما محدودان بتسليم الحكم مرةً أخرى للمدنيين، لكن غالبية الانقلابات الناجحة قد انتهت إلى دكتاتوريات، وعلى الأقل، أنظمة تسلطية قمعية بحكم الفرد أو الحزب الحاكم أو مزيج منهما، وتحوّل قائد الانقلاب الذي يطرح نفسه منقذاً للشعب، أو محرّراً لفلسطين، إلى حاكم مستبد جعل الشعب يترحم على الحكم المباد.

أما الظاهرة الأخرى فهو الانحطاط التدريجي للنخبة الحاكمة، وأن تهيمن نخبة صغيرة مغلقة لتحتكر السلطة والثروة، بحيث تحوّل الذين يرفعون شعارات الاشتراكية والمساواة والعدالة، إلى نهب ثروات بلدانهم والاستحواذ على المليارات من الدولارات في حين لم يكن لديهم قبل ذلك سوى الملاليم، وتحوّلت فئات مغمورة، إلى نخبة تعيش حياة أسطورية، مشهورة بالفساد والتبذير والغرائبية.

لقد وظّف هؤلاء الانقلابيون جميع مؤسسات الدولة وآلياتها لتكريس حكمهم وإضفاء الشرعية عليه، وأحدثوا في بنيتها تغييرات وتشوهات بما يكرّس تسلطهم وهيمنتهم. ففبركوا الأحزاب والنقابات والمنظمات الخيرية والأهلية ليسيطروا على الحياة السياسية والاجتماعية، واستحوذوا على موارد البلاد الاقتصادية من خلال شركاتهم الخاصة أو بالاشتراك مع أرباب العمل الفاسدين، لينهبوا الدولة والاقتصاد الوطني، وفرضوا الأتاوات، والعمولات والفوز بالعقود الكبيرة، أو الاستحواذ على المؤسسات والشركات من خلال الخصخصة، وبنوا إمبراطوريات مالية، في بلدان أصابها الفقر والفاقة، وأضحت تعيش على المساعدات. وقد رعوا نخباً ثقافية وأكاديمية فاسدة تعيش على فتاتهم، وتنظّر لهم وتسوّغ حكمهم ولا ضير في ترداد مقولة «حاكم مستبد خير من الفوضى»، كما طوّروا إعلاماً ديماغوجياً، عامّاً وخاصّاً، يزوّر الحقائق ويروّج للحكم ويعرض نجاحات وهمية ويخفي إخفاقات حقيقية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:53 م

      سلام الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

      الوحيد الذي حكم امبراطورية من البلدان بعدله وحكمته ومراعاته للرعية والارامل والايتام وكان نعم الأمير المتواضع الذي لم تغره الدنيا الدنيه وقال لها ( يا دنيا غري غيري ) , واخيرا الانسان الباحث عن الراحة والسعادة هو من ينتشل المحرومين لبر الامان . خاتون

    • زائر 4 | 4:28 ص

      روعة

      المقال روعة وكل ما جا فيه يحاكي واقعنا العربي نشكر الكاتب عليه وبالتوفيق

    • زائر 3 | 3:55 ص

      حقيقه واضحه

      هذه الحقيقه الي صايره في بلادنا خيره للاجانب واهل البلاد لاحتى عمل يدورون بشهاداتهم الحين انا عندي بنت شاطره متخرجه منذو سبع سنين بدرجه ممتازه جامعيه اتقدم الامتحان وتنجح وبعدها مقابله وتنجح وضل على قائمة الانتظار سبع مرات هكذا ما ماني ذالك هل لايوجد طائفيه

اقرأ ايضاً