العدد 4626 - الخميس 07 مايو 2015م الموافق 18 رجب 1436هـ

أين المجتمعات المدنية في النظام العربي؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لمن ستتوجه أمة العرب وهي تواجه الحرائق السياسية والأمنية والعمرانية والمعيشية المشتعلة في كافة أرجاء وطنها الكبير؟ فهي لا تستطيع الاعتماد على نظامها الإقليمي العربي الذي يعاني منذ سنين الضعف والهزال بسبب انقسامات وصراعات مكوناته، حكومات الدول العربية، وأيضاً بسبب اختراقه من قبل قوى خارجية إقليمية وعالمية.

وهي لا تستطيع الاعتماد على قوى وفاعلية مجتمعاتها المدنية التي أنهكتها أيادي البطش الأمني عبر السنين الطوال، ودمّر الاستبداد روحها وطموحها والتزامها الوطني والقومي والأخلاقي، وجعلها تعيش على هوامش حياة مجتمعاتها بعيداً عن حمل أي مسئولية وعن المشاركة في اتخاذ أي قرار.

لنتذكر أن الحرائق ما عادت محصورة في قطر واحد حتى نعوّل على استنهاض هذه الحكومة أو تلك أو هذا المجتمع أو ذاك. إنها حرائق قومية لا تقف عند حدود ولا تصيب جزءاً من جماعة. إن أفضل مثال على ذلك هو حريق «داعش» وأخواتها، فهو لن يتوقف عند حدود ولن يقتصر على شعب عربي واحد.

يسأل الإنسان: لو أن العرب عملوا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي منذ سبعين سنة، على أن تكون الجامعة العربية مؤسسة نظام إقليمي عروبي الروح والفكر، متدرج في خطواته الوحدوية وفي إعلاء السيادة الجماعية على السيادة الوطنية الضيقة وفي عدم السّماح قط لأن يواجه أي قطر عربي أخطار الخارج ومؤامراته واستباحاته وحده، من دون وقوف بقية أمته معه، فهل الوضع الذي تواجهه الأمة حالياًً سيكون بهذا المستوى المفجع المأساوي الذي يهدّد وجودها؟

إن تاريخ الفشل الذريع في بناء نظام إقليمي قومي عربي حيوي وقادر هو تاريخ تراجعات مستمرة. ففي الخمسينيات من القرن الماضي وقّعت اتفاقية الأمن العربي المشترك لكنها لم تفعّل قط في وجه أي اعتداءات واحتلالات من قبل الصهيونية أو الدول الاستعمارية. وهكذا فشل النظام الإقليمي العربي في حقل الأمن العربي.

وفي الثمانينيات من القرن الماضي وقّع رؤساء الدول العربية على بروتوكولات الوحدة الجمركية ومن ثم السوق العربية المشتركة من أجل إقامة كتلة اقتصادية متماسكة. لكن بعد مرور أكثر من ثلث قرن لم يتحقق من تلك القرارات أي قرار، وظلت التجارة بين الدول العربية لا تزيد نسبتها على ثمانية إلى عشرة في المئة، وظلت أحلام المشاريع الاقتصادية المشتركة أحلاماً على الورق تراوح مكانها. وهكذا فشل النظام الإقليمي العربي في حقل الاقتصاد.

وحصل الفشل نفسه في بناء المشترك في حقول التربية والعلوم والثقافة والإعلام، ولا يحتاج الإنسان للحديث عن فواجع وكوارث الانقسامات والصراعات والمؤامرات والأخطاء والخطايا في حقل السياسة، فهي سلسلةٌ من الفشل نعايشها حتى يومنا هذا. ما السبب المفصلي في عدم قدرة العرب على بناء نظام إقليمي قومي بقدرات معقولة وبكفاءة عالية وبإنجازات يتوقعها المواطن العربي؟

في اعتقادي أن السبب يكمن في اقتصار بناء ذلك النظام على سلطات أنظمة الحكم العربية، أي سلطات الدول العربية، من دون إشراك قوى المجتمعات المدنية العربية بالصورة التي تجعلها شريكةً في اتخاذ القرارات، وفي تحمل المسئوليات، وفي موازنة الكثير من نقاط الضعف المتجذّرة في أنظمة الحكم العربية، سواءً على مستوى الفكر أم مستوى الإرادة والممارسة.

نحن هنا لا نتكلم عن الإشراك الرمزي لممثلين عن المجتمعات العربية، وأغلبها في جميع الأحوال لا يمثل هذه المجتمعات، ولا نتحدث عن استشارة الجامعة العربية لهذه الجماعة أو تلك في هذا الشأن المحدود أو ذاك، إن تلك الممارسات المتواضعة لا تمثل إشراكاً حقيقياً ندياً للمجتمعات المدنية العربية مساوياً للوزن الذي تمثله الحكومات العربية في اتخاذ القرار وتنفيذه ومراقبة تنفيذه بعد ذلك.

مربط الفرس هو في الغياب شبه الكامل والمعيب لتمثيل مجتمعات الشعوب العربية في النظام الإقليمي العربي بشكل يؤدّي إلى أن تحمل مسئولية حاضرها ومستقبلها بعيداً عن المماحكات بين أقليات عربية سياسية تمارس الحكم، في أغلب الأحوال، من أجل مصالح ضيقة أو آنية أو تابعة للخارج.

أفضل مثال على إشراك المجتمعات في المؤسسات المشتركة هو البرلمان الأوروبي المنتخب من قبل مواطني دول الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى تأثيره في القرارات التي تأخذها الحكومات كبير.

من دون إيجاد حلٍّ لتواجد المجتمعات العربية المدنية في النظام الإقليمي العربي سيظل ذلك النظام كسيحاً غير قادر على إطفاء أي حريق، كما نراه أمامنا في هذه الأيام الحالكة السواد.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4626 - الخميس 07 مايو 2015م الموافق 18 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:15 ص

      استادى

      استادى هؤلاء ابتعدوا عن شرع الله للمعاملة مع البشر واتخدو الشيطان حليفهم من اجل مصلحتهم لهاذا دمر الوطن العربى والمستفيدين الاجانب والكفار 000 الله حفاكم برسول الله واهل بيته \\ص\\ لماذا لم تتخدوه فى دنياكم الا تخافون الله وعذابه هل الاموال راح ادفيدكم فى اخرتكم اوتعوا وعودو الى رشدكم واتركوا عنكم الشيطان واتبعوا الله فى دنياكم والله يصلح الجهل

    • زائر 3 | 2:30 ص

      ما هي اسباب ضعف وهزل وهشاشة الانظمة العربية؟

      كل عربي وكل عاقل وصاحب لبّ يعرف السبب وهو ببساطة ابعاد الشعوب عن المشاركة الفاعلة في ادارة دفّة بلدانها بل اكثر من ذلك ربما في بعض البلدان استعداء بعض الحكومات لشعوبها فكيف تريد حكومة تستعدي شعبها وتجعل منه الخطر الأكبر بأن تستطيع مقاومة أي خطر داهم؟ ما يحصل الآن من محاولة لشراء الولاءات بالأموال لا طائل منه لان من يشترى بالمال ليس مستعدا لدفع دمه ثمنا لبلد آخر غير بلده

    • زائر 2 | 2:11 ص

      المجتمعات المدنية عسيرة في دولنا 0900

      استبدلناها بتقسيم مجتمعاتنا لكيانات مذهبية كلن تدعي الحق ولا سواها وقودها جاهز من كل الأعمار حتى الاطفال

    • زائر 1 | 12:50 ص

      يرحم والديك.بسنا

      ألم تشبعون تنظير في تنظير..إلا ترون بأن الناس لا تلتفت للهذرة؟

اقرأ ايضاً