العدد 4640 - الخميس 21 مايو 2015م الموافق 03 شعبان 1436هـ

في رحاب الجناني «يوغا»

سيدعدنان الموسوي

كاتب بحريني

يا إلهي لقد سرق مني تغيير الإطار المعطوب قرابة العشرين دقيقة من صباح ذلك اليوم. ولم تترك لي زحمة الشارع أي مجال لتعويض فقد الوقت. كنت أشبه بمن يهرول والأرض تسير في اتجاه عكسي من تحت قدميه، هكذا بدأ اليوم، وحين وصلت الى المكتب فوجئت بأن جهاز الكمبيوتر لا يعمل، وما أن شرعت في العمل حتى بُلغت أن المعاملات المهمة التي تركتها في عهدة أبوهشام عصر الخميس الماضي لم تصلني بعد، ثم بُلغت بأنه لن يحضر إلى العمل لأنه لم يصل من الرياض بعد، وهكذا سرقت مني هذه الأحداث قرابة الساعتين. انسلت من بين يدي كالسراب.

كلنا نعاني من أيام عصيبة كهذه يصفها إخواننا المصريون بـ (يا نهار مش فايت) والأجانب بالعبارة المشهورة (هذا اليوم ليس يومي). قد يتساءل البعض ما وجه الغرابة في ذلك اليوم؟ والجواب هو: المعوقات غير المتوقعة، أو الخارجة عن إرادتنا. ولكن لو تأملنا جيداً في الأمر سنرى أننا في هذا العالم محكومون بكثير من القوانين الفيزيائية التي لا مناص منها، فتواجدك في المكتب الساعة الثامنة صباحاً، يستدعي أموراً عديدة كالنهوض من السرير ولبس البدلة الرسمية للعمل وركوب السيارة... الخ، ولكن خلف مزيج هذه الأفعال الفيزيائية والذهنية من التأهب واتخاذ القرار تكمن دوافع عظيمة أو دينامو لعجلة الحياة. إنها الرغبات (DESIRES) نعم. فمن دون الرغبة للانضباط في العمل لن يكون ذلك الهاجس من عطل السيارة وزحمة الشارع، والرغبات على اختلافها دوافع قوية تهيب بالعقل لاختيار الطريقة المناسبة لتحقيقها ووضعها في خط موازٍ مع الفعل المصاحب للوسيلة لإنجاز الهدف المطلوب يواكب ذلك الفعل ويلازمه المكوث (الوقت) اللازم لبلوغ الهدف المطلوب الرضا (السعادة) وعدم الرضا عند تعارضه بمعوقات لا إرادة لنا فيها كعطل السيارة، أو غياب أبي هشام عن العمل في ذلك اليوم. من ناحية أخرى نجد أن المشاعر المترتبة على الفعل المنوط به (تحقيق الرغبة) ملموسة بعكس الفعل نفسه. وإن بدى الأخير (الفعل) وثيق الصلة بها مظهرياً، فهي لا تخالطه، بمعنى أن وصولك إلى المكتب في ذلك الصباح إنجاز كالعادة، وإن شابه بعض التأخير غير المقصود. فلماذا ينحسرالفعل وتبقى المشاعر نتاج الرغبة الأولى متأججة؟. بمعنى آخر إذا كانت مشاعر الرضا (السعادة) مكافأة للنفس عند الإنجاز، والحزينة عند الإخفاق لماذا يتوقف الفعل تماماً بينما المشاعر في تأجج... تحديداً عند الإخفاق؟

هذا أمر، الأمر الآخر هو أنك لو تأملت جيداً لرأيت أن الفعل أياً كان موضعه من المكان يتم لا شعورياً. أجل. فنحن عند المشي على سبيل المثال ومن دون وعي نحرك اليد اليسرى فى اتجاه القدم اليمنى، والعكس صحيح وهذا يعني أن الفرد لا يفكر في العمل ساعة أدائه. أما إدراكك له بعد إنجازه كأن تقول أنا فعلت كذا أو كذا فلا يعطيك الحق أن تطلبه لنفسك.

من جانب آخر في حين تكون الأفعال من طبيعة مختلفة عن المشاعر إلا أن الأخيرة في حلقة اتصال وتجاذب مع الرغبات وهذا يعني أن الاثنتين (الرغبات والمشاعر) من منشأ واحد، فالرغبات تشرق من بحر المطلق العظيم وإليه تغرب، وهذا يضىء لنا بعض الجوانب عن طبيعتها ومعدنها (الرغبات) ومدى اختلافها جوهرياً عن الأفعال وموقع العقل في تلبية نداءاتها (الرغبات) من إعطاء الأمر للفعل المناسب حتى لحظة الانتهاء التي تتوج بمشاعر الرضا أعني (السعادة)، ثم أخذ الأمر مجدداً لتدشين رغبة جديدة وهكذا.

ولكن لا يفهم من ذلك أن الفعل الفيزيائي الميكانيكي الخارجي هو المنوط بالأداء فقط، إذ يمكن لأعضاء الحواس تلقي المحيط الخارجي والجسد في أوضاع متباينة بين الحركة والسكون، فالنظر للأشياء والإنصات للأصوات، وتذوق الطعام والشم واللمس كلها أفعال فيزيائية ضمن إطار الجسد ولكنها على درجة أقل وتيرة، وفترة مكوث متناهية القصر حتى يكاد الوقت في بعضها يكون معدوماً... فإذا اختزلنا المنظومة إلى حدودها المشتركة الوحيدة المنشأ واستبعدنا المتباينة كالفعل والزمن نقف على الشقين الأساسيين في هذه المعادلة (الرغبة والسعادة). إنك لن تستطيع العيش في هذه الدنيا ما لم تنتقل من دورة إلى أخرى (رغبة/ فعل/ مكوث/ سعادة)، أعني (رغبة/ سعادة)، ولكن في كل ثانية يتحقق أمر ما فى ذلك الفاصل الزمني بين كل رغبة وأخرى والسؤال هو: أين نكون في هذا الفاصل؟ إننا ُنقذف إلى طبيعتنا الحقيقية، حيث نشعر بالسعادة ويهدأ العقل ولكن لوهلة قبل الشروع في تدشين رغبة جديدة.

أما عند التعارض بمعوقات فالعاشقون أعرف الناس بقسوة تعارض أهوائهم لبلوغ الغاية ووصل الحبيب، والمطربة فيروز أبلغ من عبر عن الرغبات المتأججة المحالة حين انشدت «إن أشواقي الطويلة أقفرت عمري» حيث يتوقف الزمن عند الأشواق بينما العمر يذبل، وهذا هو السر الأكبر في استمرارية الحياة، أعني الرغبات والأشواق والدوافع، وإن اختلفت المسميات... إذاً نحن أمام محرك جبار لا يتوقف ولا يستكين، أعني (الرغبات) التي لا هم لها سوى دفع المرء نحو مزيد من الفعل والفعل لتجسير تلك الرغبات بالسعادة المنشودة مع الأخذ في الاعتبار أنه عند الإخفاق هناك رغبة لمحاولة ثانية وثالثة ولم لا؟ مادامت النتيجة هي الوصول إلى الهدف وتحقيق السعادة... وأمر آخر...

إقرأ أيضا لـ "سيدعدنان الموسوي"

العدد 4640 - الخميس 21 مايو 2015م الموافق 03 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً