العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ

سافك الدَّم الحرام

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يكاد العالم يتفجَّر من كلمة واحدة في هذا الزمان. إنها: التحريض. بالتأكيد فإن في البلاغة والعربية، يوجد تحريض على الإِكرام، وهناك تحريض على الإِهانة والإِذلال، وهناك تحريض على البر كما يذكر الميداني. لذلك يجب التنويه إلى أن التحريض له وجوه، وما نعنيه هو أكثر وجوهه «السوداء» في هذا العصر، ألا وهو التحريض على الأديان والمذاهب والقوميات وكافة الأقليات، والذي نجده صار منهجاً على يد المتمشيخين على الناس والأمة زوراً. فهؤلاء أعداء لا أئمة.

هل يحتاج الأمر إلى دليل كي يثبت أن ذلك يحدث؟ لا... فألسن الفضائيات، وقراطيس الصحف، جعلت من هذا الأمر واقعاً يتشرَّبه المجرمون في مقامهم وسفرهم وأسواقهم وعلاقاتهم، وبات سواد الناس أسرى لهذا التحريض، مرة بالفعل، ومرة بالقول ومرة بحمل الضغينة وخلافه. فتفسَّخت أخلاق الناس، وبار اجتماعهم، وسادت البغضاء. ولو بحثنا عن السبب لرأينا أن بعض مَنْ أسنِدت له مقام الفتوى أصبح هو المدماك الذي يهبهم صكاً للجنة إن هم فعلوا ذلك.

يعلمون أو لا يعلمون، بأن هذا التحريض يفضي إلى شيء واحد فقط: القتل. هل يعلم هؤلاء ماذا يعني القتل؟ إنه إزهاق الروح، التي حين تحصل تفقد الأم ولدها والأب فلذة كبده، وتترمَّل النساء، ويتيتّم الأطفال، فيصاب المجتمع بخلل في بنيته، إن كان في التربية أو في لجم الضغينة والحقد.

عندما تُردِّد بعض القنوات المجرمة وتسيل الأحبار النتنة على القرطاس بأن هؤلاء كافرون، وأؤلئك مرتدون، ومشركون، ووثنيون، فهذه النعوت هي ليست شتائم تُلفَظ للتنفيس، بل هي تهيئة لجوقة من المجرمين كي يدخلوا في مسار يؤدي بهم إلى أن يكونوا جزارين في برك من الدم كالتي نراها اليوم تحدث في محيطنا: في الأسواق والطرقات والمستشفيات والأكثر هو ما يجري في المساجد التي يُذكر فيها اسم الله.

لنا أن نتخيَّل، أن مسجداً بُنِيَ للصلاة، يُقتَل فيه مُصلُّون يشهدون ألا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، مِنْ قِبَل مَنْ يدَّعي أنه يفعل ذلك قربة إلى الله! أيّ معادلة سمجة هذه، وأي ثقافة وأي فكر وأي دين يبيح هذا الجنون والانفلات الأحمق؟! فإذا كانت المسجدية لا تقبل الزوال كونها تحرير للملك، وكُتِبَت فيها الأحكام المغلّظة من مرور المجنب لأرضها، فضلاً عن المصادرة وحتى القضم والغصبية، فكيف لأحد أن يعيث في بيوت الله فساداً، بأن يهينها فيجعلها خراباً ركاماً؟!

آمر آخر، فإذا كان عبدالله بن عمر قد نظر يوماً إلى الكعبة وقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك»، وقال عنه الترمذي أنه حديث حسن كما في تفسير القاسمي، فكيف يأتي مَنْ يقتل النفس المؤمنة، وفي بيوت الله؟! ألَم يقل رسول الله (ص): «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً»؟ ألَم يذكر ابن عمر أن: من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله؟! ألَم يرِدْ بأن «سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر».

ألَم يرد عن رسول الله (ص) أنه قال: «إِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِياً يُقَالُ لَهُ السَّعِيرُ إِذَا فُتِحَ ذَلِكَ الْوَادِي ضَجَّتِ النِّيرَانُ مِنْهُ أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْقَاتِلِينَ‌«؟ ألم يقرأ هؤلاء الهمج ومَنْ يُحرِّضهم ويمنحهم الغطاء الشرعي أنه «أُتِيَ بِقَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ دُورِ الْأَنْصَارِ فَقَالَ هَلْ يُعْرَفُ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَوْ أَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ لَكَبَّهَا اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‌«؟! بأي كتاب وبأي سُنَّة يحتكم هؤلاء؟!

وقد وجدت في أحد التفاسير أن عبدالله بن أحمد ذكر في كتاب (الزهد) لأبيه: «أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجاً، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون إليّ أكفّا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام. الآن حين اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلّا بعداً». وربما هذه صورة عجيبة تكاد تكون في حالة طباق مع مَنْ هم على شاكلتهم في حاضرنا، مع اختلاف المسميات والزمان. فما يجري يعجز القلم عن وصفه، وكأن عالمنا العربي والإسلامي أصبح ساحة لوحوش كاسرة لا كرامة ولا عقل لديها.

من العجب الذي نراه أنه وفي الوقت الذي يقوم فيه الفقهاء والعلماء بتحريم الإجهاض «خصوصاً إذا كان بعد ولوج الروح الذي يصدق عليه عندئذ قتل النفس البشريّة» والتخفيف في ذلك حذراً ومن دون يقين حتى في «الجنين المشوّه الخلقة بنحو لا يصدق عليه أنّه إنسان بل قطعة لحم أو مجموعة خلايا حيّة لا تصلح لأن يكوّن منها إنسان حيّ أصلاً» كما جاء نصاً يأتي هؤلاء وهم متزنّرون بأحزمة ناسفة ليفجروا في الأسواق والمساجد فيزهقوا أرواحاً بريئة، لا فرق عندهم بين كبير وصغير، رجلاً كان أو امرأة! فأي جاهلية يعيشها هؤلاء، وأي ظلام يسكنون؟! وكيف يُولّون على رقابنا وهم الأبعد عن فهم كتاب الله وأحكامه.

أختم مقالي بقصة أوردها ابن عساكر حول جهل مَنْ يتولون على الناس كما يصنع هؤلاء في حاضرنا ولكن في جنبة الدِّين. يقول: خَطَبَ خالدُ بن عتاب والي الرَّي من قِبَل الحجَّاج فقال:

أقول كما قال الله عز وجل في كتابه:

ليس شيءٌ على المنونِ بباقي *** غير وجهِ المسبّح الخلاق

فقيل له: أيها الأمير، هذا قول عدي بن زيد. قال: فنعم والله ما قال عدي!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 5:13 ص

      اذا رب البيت بطبل مولعو

      اذا كانت السلطة تصرح علن بحربها ظد الشيعة في البحرين ... وتسميه المد الإيراني ولم نجد حتى الان اي ايران سقط لا في البحرين ولا ا.. واذا كان هناك اجنبي فهو مع السلطة

    • زائر 9 | 3:32 ص

      وفقك المولى

      يقف العقل عن فهم العقول الدموية
      بأي منطق تحدثها وأي عقل
      من يجرؤ على بيوت الله وضيوفه ليسفك الدماء
      ويرجو بفعلته التقرب لله
      من أي مدرسة تخرجوا ؟؟؟

    • زائر 7 | 2:50 ص

      بارك الله فيك

      احسنت اخي الكريم

    • زائر 6 | 2:38 ص

      خلافا لوصايا الرسول حتى بالمشركين فما بالهم علينا

      وصايا رسول السلام والاسلام هي الرحمة والرفق بالأطفال وبالنساء والشيوخ من المشركين حتى الشجر والمدر لم يسمح لهم باتلافه،
      لكن الفكر الذي قرأ الاسلام معكوسا جعل التقرّب لله بقتل الابرياء واوهموا الجهلة بانهم سوف يكونون مع النبي بعد اقترافهم لجرائمهم النكراء

    • زائر 5 | 2:34 ص

      تحريض متواصل علينا وفي منابر الصلاة كل جمعة =يسمعون ولا يسمعون

      هناك منابر مخصّصة للسب والشتم والتحريض علينا الكلّ يسمعها والكل يعرف عنها لكنها متروكة ومتروك لها الحبل على الغارب فيما يعتقل نادر عبد الامام وغيره من أجل تغريدة بسيطة ناقلة لحدث تاريخي لا اقل ولا اكثر

    • زائر 4 | 2:07 ص

      اضافه

      حسب الاستخدام يقال حض ع الخير و حرض ع الشر يعني صار تخصيص

    • زائر 3 | 1:51 ص

      حرمة الدماء

      أحسنت أبو عبد الله. لا أدري أين ذهبت العقول والقلوب وهل يتخيل عاقل أن يقوم هؤلاء بأفعالهم لمجرد سماعهم بعض الدجالين المتلبسين بلبوس الدين؟ لقد وهبنا الله العقل والفطرة السليمة لنفرق بين الحق والباطل ولكن طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون

اقرأ ايضاً