العدد 4643 - الأحد 24 مايو 2015م الموافق 06 شعبان 1436هـ

حي مصر الجديدة يخاصم اسمه احتفاء بعقده الأول من قرنه الثاني

صحيفة الشرق الأوسط (24 فبراير 2014) 

تحديث: 12 مايو 2017

 لسنوات ليست بعيدة، كان الذهاب إلى حي مصر الجديدة يمثل بالنسبة للقاهريين خاصة الذين يسكنون في وسط القاهرة أو في أحيائها الشعبية القديمة نوعا من النزهة الخاصة.

فالحي الذي يقبع (شرق القاهرة) رغم حداثة تاريخه، كان يتمتع بخصوصية فريدة، قلما تنافسه فيها أحياء أخرى، فهو ليس منغلقا في رقيه مكتفيا بطبيعته الخاصة، كأحياء مثل الزمالك والمعادي، وإنما يجذبك هذا الرقي ببساطته وروحه الحميمة التي لا تشكل مزيجا من الكوزموبوليتانية، يتقاطع فيها إيقاع الحياة الشعبية، وإيقاع العصر الحديث بأناقته الآسرة، سواء في أنماط السلوك والتقاليد التي وثقت علامة أصالة وحب للحي في تلك السنوات، ولا تزال رغم ما اعتراه من متغيرات، تشكل عتبة حنين متجددة لأجوائه.

هذه الأيام.. وتحديا في يوم 23 مايو (أيار) الحالي احتفل حي مصر الجديدة بمرور 110 أعوام على إنشائه الذي يرجع إلى 23 مايو عام 1905، وهو اليوم الذي تم فيه توقيع عقد إنشاء شركة تحت اسم «واحات عين شمس» والمعروفة الآن باسم «شركة مصر الجديدة». وكان الغرض الرئيسي هو إنشاء خط سكة حديد وخطوط ترام لربط منطقة وسط القاهرة بالمدينة الجديدة في مقابل بناء حي جديد على مساحة 25 كم مربع، وأطلق عليه «هليوبوليس»، وهو اسم يوناني أطلقه اليونانيون على مدينة «أون» المصرية القديمة، التي تعني مدينة «الشمس». وكانت تجمع حيي «المطرية وعين شمس» المتاخمين لمصر الجديدة.

أسس حي مصر الجديدة البلجيكي البارون إدوارد إمبان، بمساعدة بعض الشركاء المصريين، وكان بمثابة ملتقى لمختلف الأعراق والأجناس والأديان، وحرصوا على اختيار مجموعة متميزة من المهندسين والمعماريين من مختلف الجنسيات لتصميم وبناء الحي مما أعطى له طابعًا متميزًا ونمط حياة الحضارة الأوروبية الحديثة، بداية من تصميم الطرق والشوارع والمباني ذات التصميمات المميزة، والحدائق الكثيرة والمساحات المفتوحة.

وتبرز الأهمية الجغرافية لمصر الجديد كونها بوابة العاصمة القاهرة من الناحية الشرقية وأحد مداخلها، وهي أول من يستقبل القادمين من أنحاء العالم لوجود مطار القاهرة الدولي بها، كما تعد أحد مداخل العاصمة الأساسية للقادمين من مدينتي الإسماعيلية والسويس.

ومنذ إنشائه تمتع حي مصر الجديدة بوضعية مجتمعية خاصة، فتم عمل شركة إسكان خاصة به، وتشغيل خط مترو سريع لربطه بالقاهرة نظرا للتوسع العمراني في ذلك الوقت، وأيضا شركة كهرباء، كما افتتح أول فندق عالمي به وهو فندق «هليوبوليس بالاس».

وعرفت شوارع وميادين ومقاهي مصر الجديدة خطوات الكثير من المشاهير في عالم الأدب والفن والسياسة الذين فضلوا السكن بها، ومن أبرز الأدباء: يحيى حقي، وعباس العقاد، وصنع الله إبراهيم، ومن الفنانين: رشدي أباظة، وعبد المنعم مدبولي، وحسن يوسف، وليلى علوي، ومن السياسيين: صلاح نصر، وكمال الجنزوري، وصفوت الشريف، وأحمد رشدي، أحد أشهر وزراء الداخلية في مصر في فترة الثمانينات.

وشكلت شوارع مصر الجديدة مسرحا للكثير من الأفلام السينمائية، من أبرزها فيلم «علموني الحب» لأحمد رمزي وإيمان، والمطرب سعد عبد الوهاب، وعبد السلام النابلسي. كما برزت على المسرح في أكثر من عمل، من أشهرها مسرحية «عفاريت مصر الجديدة» بطولة عبد الرحمن أبو زهرة، ومحسنة توفيق، وعبد السلام محمد، وتوفيق الدقن.

وتحفظ ذاكرة مصر الجديدة أن منطقة «الكوربة» الشهيرة بها، كانت نقطة انطلاق الضابط ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏وجنوده‏ لاقتحام ‏مبنى ‏قيادة‏ الجيش فجر يوم الثورة في 23 يوليو (تموز) عام 1952، وهذه الواقعة شكلت حجر النجاح للثورة.

وعلاوة على المباني والقصور الأثرية التي تحتويها مصر الجديدة، ومن أهمها قصر البارون إمبان مؤسس مصر الجديدة، وقصرا لملموم باشا ونوبار باشا رجلي الحكم بمصر في فترة الباشا محمد علي، أصبحت مصر الجديدة حاليا مقرا للحكم في مصر، ففيها قصر «الاتحادية» الرئاسي، وقصر العروبة، ومقار الكثير من المؤسسات العسكرية، كما يوجد بها عدد من أهم الأندية الرياضية في مصر هي: نادي الشمس، وهليوليدو، والنصر، وهليوبوليس، ومعظمها يضم أعضاء من كبار المسؤولين ورجال الأعمال، كما تنتشر بها عدد من الملاهي ودور السينما الحديثة.

وفي محاولة للحفاظ على تراث مصر الجديدة تكونت مبادرة «تراث مصر الجديدة في عام 2011» كمبادرة شعبية تضم مجموعة من الشباب المتخصصين في التراث الحضاري والمعماري، وذلك ردا على تدهور نوعية وجودة الحياة والتراث الثقافي والمعماري في جميع أنحاء هليوبوليس، خاصة بعدما تهدمت الكثير من المباني القديمة والعريقة لتحل محلها مبان جديدة، واختفت بعض الأماكن المرتبطة بذكريات أهالي مصر الجديدة.

ويقول شكري أسمر، المتحدث الرسمي باسم المبادرة، إنها مؤسسة تحت التأسيس، وتضم عددًا من المشاريع المهمة وتعرض تقارير انتهاك المباني الأثرية ذات القيمة الثقافية العالية إلى الجهات الحكومية والتنفيذية أملاً في إيجاد حلول إيجابية.

وحول الخطة التي تسعى لتحقيقها المبادرة، أوضح أسمر، أنها تتركز في إنشاء قائمة من الإجراءات الوقائية للحفاظ على مناطق التراث المعماري المتميز والمباني التراثية في مصر الجديدة، بالإضافة إلى التعديلات المقترحة على لوائح المناطق ذات التراث المعماري المتميز الصادرة عن هيئة التنسيق الحضاري في يناير (كانون الثاني) عام 2014، وإعداد وثائق ومقترحات للمشاريع الخاصة مثل: تجديد مترو مصر الجديدة، وحماية وإعادة تنشيط حديقة الميريلاند، ومشروع متحف لمصر الجديدة داخل قصر البارون. كما تسعى المبادرة إلى تعزيز الوعي العام من خلال الفعاليات الثقافية والاجتماعية للترويج لتراث حي مصر الجديدة. إضافة إلى حماية المساحات الخضراء وزيادتها وتنميتها، وحل مشكلة المرور ومنظومة المواصلات العامة، والنظافة وإدارة المخلفات.

وتعمل المبادرة لدفع العمل المشترك مع المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتقييم والتعرف على التراث الحديث للمنطقة وتشجيع أهالي المنطقة للمشاركة للمحافظة على تراث الحي.

وكانت حديقة «الميريلاند»، بمصر الجديدة التي تعد من أكبر حدائق القاهرة بمصر الجديدة، وبها بحيرات مائية وأشجار، قد تم قطع مجموعة من الأشجار النادرة التي يتعدى عمرها أكثر من 80 عاما، وثمنها يصل إلى 300 ألف دولار، مما أثار غضب سكان المنطقة، وتم عقد اجتماع مع رئيس الحي هشام خشبة، ومساعد محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية أحمد تيمور، لمنع هذه التجاوزات المدمرة للبيئة، والتي تشوه جمال منطقة مصر الجديدة. كما زار وزير البيئة خالد فهمي ، هذه الحديقة وأصدر قرارا بإيقاف أي أعمال داخل الحديقة، لحين توفيق الأوضاع طبقا للتراخيص المتعلقة بمشروع تطوير حديقة الميريلاند.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً