العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ

القتل بالحرق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا يعني أن تموت حرقاً. بالتأكيد هي لحظة يتضاعف فيها الألم أكثر من أي موتٍ آخر. لا يمنح الوقت المرء لأن يرى نسيجه العضلي وصولاً للعظم وهو يذوب بسبب الحرارة الشديدة، لكن الأكيد أن الآخرين سيرونه. تذكرتُ حرق البشر في عدة مواضع كلما قرأت عن ذلك أو سمعت به. بحثتُ في التاريخ عن عمليات الحرق الآدمي ووقفت على أحداث مهولة جرت عند أمم عديدة.

والذي يظهر، أن ذلك النوع من القتل، كان يُستَخدَم في أحيان كثيرة كنوع من العقاب القاسي ضد الخصوم والمعارضين في الأحداث السياسية، وأيضاً في تصفية الحسابات بين الكبار داخل القصور. وكان يسبق عملية الحرق أفعالٌ شنيعة، كصلب الأجساد وتقطيع الأطراف وجرّ الجثث وسحلها في الشوارع أمام المارَّة. وفي أحيان معينة، كانت الجثة تُحرَق، ويُذَر رمادها. يجري ذلك أمام الناس. في هذا المقال سأستعرض حوادث حرقٍ لبشر رواها المؤرخون، ودوّنتها كتب التاريخ.

أخرج أبو الفداء في المختصر، أن «زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم» قد خرج «بالكوفة، ودعا إلى نفسه، وبايعه جمع كثير، وكان الوالي على الكوفة من قبل هشام، يوسف بن عمر الثقفي، فجمع العسكر وقاتل زيداً، فأصاب زيداً سهم في جبهته، فأُدخِل بعض الدور، ونزعوا السهم من جبهته، ثم مات. ولما علم يوسف بن عمر بمقتله، تطلبه حتى دل عليه واستخرجه وصَلَب جثته، وبعث برأسه إلى هشام بن عبدالملك، فأمر بنصب الرأس بدمشق، ولم تزل جثته مصلوبة حتى مات هشام، وولي الوليد، فأمر بحرق جثته، فأحرقت».

وفي حادثة قتل الحلاج الحسين بن منصور أيام المقتدر بالله ذكر الخطيب البغدادي أنه أمر (أي المقتدر) «بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة، ويجمع بينه، وبين أصحابه فجرى في ذلك خطوب طوال، ثم استيقن السلطان أمره، ووقف على ما ذكر له عنه فأمر بقتله، وإحراقه بالنار فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي» إلى أن يقول: «فضُرِبَ بالسياط نحوا من ألف سوط، وقطعت يداه ورجلاه، وضُرِبت عنقه، وأحرقت جثته بالنار، ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد، وعلقت يداه، ورجلاه إلى جانب رأسه».

وأخرج ابن مسكويه في تجارب الأمم حول قتل أبي الحسين البريدي. يقول: «وأحضر أبو الحسين البريدي وجمعوا بين يدي المستكفى بالله وأحضر السيف والنطع» ثم يقول: «أمر المستكفى بالله بضرب عنقه» وقد «أخِذَ رأسه وطيف به في جانبي بغداد ورُدَّ إلى دار السلطان وصُلِبَت جثّته» ثم يختم «فأحرقت (أي جثته) للنصف من ذي الحجة».

وذكر ابن القلانسي في تاريخ دمشق عن كيفية مقتل الوزير أبي علي طاهر بن سعد المزدقاني من قِبَل تاج الملوك بن ظهير الدين أتابك. يقول: «فرتب لقتله من خواصه مَنْ اعتمد عليه». وقد حضر المزدقاني «مع جماعة الأمراء والمقدمين» في «دار القلعة بدمشق وجرى في المجلس أمور ومخاطبات مع تاج الملوك» حتى إذا «نهض الوزير المذكور منصرفاً» من المكان «أشار تاج الملوك إلى خصمه فضرب رأسه بالسيف ضربات أتت عليه وقطع رأسه، وحمل مع جثته إلى رمادة باب الحديد فألقيت عليها لينظر الكافة» ثم يقول: «وأحرقت جثته بعد أيام بالنار وصار رماداً».

أما ابن الجوزي في المنتظم فيذكر ما جرى في بركة زلزل لرجل، أنه «حُمِل إلى المعتمد، وأمر بضربه» بالسياط حتى بلغت 1400 سوط «فلم يمت حتى ضرب الجلادون أنثييه بخشب العقابين، فمات، وصُلِب ببغداد، ثم أحرقت جثته». وذكر ابن كثير في البداية والنهاية: «ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومئتين، فيها أمر الخليفة المعتز بقتل بُغَا الشَّرَابِيِّ ونصَبَ رأسه بسامراء ثم بغداد وَحُرِّقَت جثته وَأُخِذَتْ أمواله وحواصله».

ويشير أبو الفداء في المختصر أيضاً إلى أن المعتصم غضب «على الإفشين خيذر بن كاؤوس، وحبسه حتى مات في حبسه، وأُخرج فصُلب، وأحرقت جثته. والإفشين هو الذي قاتل بابك المجوسي، الذي استولى على جبال طبرستان مدة عشرين سنة، وعظم أمره، وهزم عدة مرار عساكر المعتصم، حتى انتدب له المعتصم الإفشين المذكور، فجرى له معه قتال شديد، في مدة طويلة، انتصر الإفشين وأخذ مدينة بابك البذ، وأسر بابك، وأحضره إِلى المعتصم».

وحول قتلَةِ بابك هذا ذكر الذهبي أن المعتصم أمر «بأربعته فقُطِّعَت، ثم قُطع رأسه وطِيف به بسامراء، وبعث بأخيه إلى بغداد، ففُعِل به نحو ذلك». ويشير الذهبي أنه لما «قُطِعت يدُه مسح بالدَّم وجهه، فقالوا: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: قولوا للخليفة إنك أمرتَ بقطع أربعتي وفي نفسك أنك لا تكويهما وتدع دمي ينزف، فخشيت إذا خرج الدم أن يصفرّ وجهي، فترون أن ذلك من جَزَع الموت. فغطّيت وجهي بالدم لهذا. فقال المعتصم: لولا أن أفعاله لا تُوجِب الصَّنيعة والعفو لكان حقيقاً بالاستبقاء. ثم ضُرِبت عنقه، وأُحرِقَت جثته».

وذكر الذهبي أيضاً عن مقتل «الحسين بن علي بن النعمان، أبو عبداللَّه قاضي قضاة مملكة الحاكم» أنه «وُلِّيَ سنة تسع وثمانين وثلاثمئة، وعزل في سنة أربع وتسعين، وفي أول سنة خمس قتله الحاكم وأحرق جثّته». وذكر أيضاً عن السُّهْرَوَرْدِي حيث «قتِلَ بالجوع، وأحرقت جثته».

وأورد الصفدي في الأعيان حول قتل الطبيب فضل الله بن أبي بن الخير ما قاله الشيخ علم الدين البرزالي أنه «لما قتلوه (أي الطبيب) فصلوا أعضاءه، وبعث إلى كل بلد بعضو من أعضائه، وأحرقت جثته». وذكر ابن الوردي الجد عنه أيضاً: «وَقطع رأسه إلى تبريز وأحرقت جثته واستأصلوا أملاكه وأمواله وجواهره».

الحقيقة أن نماذج التاريخ لا تنتهي. وهذه الأحداث التاريخية مدعاة للتفكر والتأمل، وفي نفس الوقت فرصة لمواجهة مثل تاريخنا بمزيد من الشفافية والجرأة والتصويب، وإلاَّ فلا أمل في أي إصلاح فكري.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:35 ص

      الى المعلق الاخير

      حبيبي نحن نتكلم عن الانسان بشكل عام و ليس خصوص العرب ، اذهب و اقرأ ما كان يحصل في هذه الفترة الزمينة نفسها في اوروبا و شرق اسيا و غيرها من البلدان ، كان المثل يحصل في اوروبا قتل بين الملوك وبامضاء الباباوات و الاباطرة في اليابان و معارك الصين بل هل نسيت المغول و جرمهم؟ و حتى مجازر الاسبان بعدها للذهب و البريطانيين للاستعمار و الخ من غيرهم ، فلا تحرف البوصلة فنحن نتلكم عن الانسان بشكل عام و ليس خصوص العرب فالكل كان همجي و مازال البعض كذلك و لكن بريقة غير مباشرة.

    • زائر 2 | 1:39 ص

      كما يتم تصنيف الافلام الامريكية الي افلام

      كوميدي ، رعب ، رومانسي الخ الخ يخب تصنيف المقالات كذلك حيث ان موضوع اليوم يصنف تحت "مقال رعب" وكفي الله المؤمنين شر القتال

    • زائر 4 زائر 2 | 3:34 ص

      تخلف العرب الهمج

      يعني التاريخ يشهد على تخلف العرب الهمج والله لوكان محمد بعث في بلاد غير العرب لاختلف الوضع كثيرا عما نراه اليوم

    • زائر 1 | 12:49 ص

      تعليق

      مقال يحمل معاني كثيرة
      أشكرك عليه

اقرأ ايضاً