العدد 4654 - الخميس 04 يونيو 2015م الموافق 17 شعبان 1436هـ

«التفكير الجمعي الضاغط» Groupthink

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

صدمة الانتخابات البريطانية في 7 مايو/ أيار 2015 تمثلت في أن جميع استطلاعات الرأي لم تتوقع فوز حزب المحافظين قبل صدور النتيجة... جميع الاستطلاعات ماعدا واحداً. المؤسسات المتخصصة في الاستطلاعات قالت بأنها من الناحية التاريخية تخطئ في توقع النتيجة مرة كل عشرين سنة تقريباً، وأن هذه المرة تصادف مرور عشرين عاماً على آخر مرة أخطأوا جميعهم في توقع النتيجة.

آخرون قالوا بأن كثيراً من البريطانيين كانوا يخجلون من البوح بنواياهم للتصويت لحزب المحافظين، لأن سمعة الحزب بخصوص العدالة الاجتماعية سيئة، ولذا إذا أباح شخص بأنه سيصوت للمحافظين فكأنه أيضاً يقول بأنه ضد العدالة الاجتماعية.

كثير من التحليلات طرحت حول السبب في عدم تمكن هذه المؤسسات المتخصصة من توقع النتيجة (كما يحدث في المرات السابقة)، ولعل أحد الأسباب هو «التفكير الجمعي الضاغط»، أو ما يسمى بـ Groupthink.

مصطلح Groupthink ابتكره عالم الاجتماع ايرفينغ جانيس في 1972، وهو يشير إلى حالة الضغط النفسي التي تحدث في بيئة معينة، بحيث يتجه الجميع إلى اعتماد قرار ما، أو رأي ما، بسبب الضغوط التي تؤدي بمجموعها إلى تدهور «الكفاءة العقلية»، بحيث يصبح التفكير في رأي آخر أو خيار آخر عيباً، أو محرماً، وبالتالي يميل الجميع إلى تجاهل البدائل واتخاذ إجراء أو قرار، أو اعتماد رأي لا يستند الى العقلانية الهادئة أو الرصينة أو المتفحصة لكل المعطيات.

وحتى عندما يوجد رأي مخالف، فإنه يخشى البوح بما يراه من الجو العام، أو أنه قد لا يصدقه أحد، كما حصل بالنسبة للانتخابات البريطانية، إذ كان هناك مصدر واحد توقع فوز حزب المحافظين، لكن لم يعره أحد بالأهمية، لأن الجميع اتجه للاعتقاد بأن الانتخابات لن تنتج حزباً فائزاً، وجاءت كل الإحصاءات والأرقام والتحليلات لتأكيد وجهة النظر هذه من دون إفساح المجال للتفكير ببديل آخر.

بحسب جانيس، فإن هناك عدة أعراض للتفكير الجمعي الضاغط، منها الوهم والتفاؤل المفرط الذي يؤدي إلى انتشار شعور لدى متخذي القرار بأنهم لا يقهرون، وهو ما يدفعهم للمخاطرة الشديدة. وعلى هذا الأساس، فإن هذه الحالة الجماعية تمارس «تنميقاً» و «ترشيداً» لأي رأي مخالف أو بديل آخر للتفكير، وعلامة الانتصار -بالنسبة لمن يعيش في هذا الجو - تكون في جعل الجميع يكرر المقولة أو الرأي ذاته، وكأن ذلك يصبح الدليل على صحته حتى لو كان خاطئاً في معطياته.

كما أن حالة التفكير الجمعي الضاغط تزداد لدى أولئك الذين يعتقدون بأنهم دائماً على الصواب، وهؤلاء عادة يتجاهلون أو يجهلون العواقب المعنوية والمادية لقراراتهم.

وهناك من الجماعات التي تعتمد في وجهات نظرها على تنميط الآخرين، وهؤلاء عادة يعتمدون وجهات نظر سلبية تجاه «الآخر»، وبالتالي فإنهم غير مستعدين للاستماع لآراء أو قرارات بديلة.

التفكير الجمعي الضاغط يشير إلى أن أفضل الإمكانات قد تخطئ، لأنها تفشل في النظر في جميع البدائل، ولأنها تسعى إلى الحفاظ على الإجماع الخادع، أو لأنها تعتمد على تنميطات تحجب الرؤية السليمة.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4654 - الخميس 04 يونيو 2015م الموافق 17 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:33 ص

      التفكير الجمعي ...مشكلة ثقافية

      هذا التفكير الجمعي مسوي بلاوي زرقة على أكثر من صعيد
      إحدى أروع التحليلات التي قرآتها عن اسباب التخلف في القراءة عندنا العرب هو انتشار ظاهرة وثقافة التفكير الجمعي
      المطلوب هو تشجيع التفكير الشخصي والبوح به، وهذا يتطلب شجاعة وحرية واحترام للتعدد

    • زائر 1 | 1:36 ص

      تخليل سيكلوجي لاصرف البشر

      كلام صحيح د وهذا مايجب ان تفهمه اي قيادة لاي مرحلة تاريخية ان هناك شئ ما يضغط علي الناس لتتخذ موقف دون موقف بعض الاحيان الضاغط هو الخوف

اقرأ ايضاً