العدد 4657 - الأحد 07 يونيو 2015م الموافق 20 شعبان 1436هـ

سورية «الكعكة»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المأساة في سورية لا مثيل لها. فمَنْ ظَنَّ بأن الـ 476 جبهة من جبهات القتال المحتدم هي الأزمة فقط فهو مخطئ. ومَنْ ظنَّ أن الـ 8 ملايين لاجئ من شعبها هي الأزمة فقط فهو مخطئ. ومَنْ ظَنَّ بأن الـ 250 مليار دولار من خسائر سورية جراء الحرب هي الأزمة فقط فهو مخطئ. إذاً ما هي الأزمة وما هو جوهرها؟

الحقيقة، أن شكلاً واحداً لا يمكن أن يكون هو الأزمة وجوهرها في بلاد الشام، فالأسباب زادت عن الآحاد. الحرب والسياسة والاقتصاد والأمن والاجتماع وكل شيء صار مشكلة سورية. وكل ملف منها استولد آخر حتى بات الصدى بحجم الصوت نفسه.

اليوم، يمكن للمرء أن يرى مشهداً للأزمة بدأ يتشكّل في سورية غير الذي شاهده من قبل. إنه باختصار: التغييرات الاجتماعية القائمة على الظروف الدينية الجديدة. فاليوم على جميع مراكز الدراسات أن تعيد تقييمها للسوريين وفقاً لتقسيماتهم الدينية والفكرية.

فلم يعد المسيحيون هم المسيحيين، ولم يعد السُّنَّة هم السُّنَّة، ولم يعد الدروز هم الدروز، ولم يعد العلويون هم العلويين ولم يعد الشيعة هم الشيعة ولم يعد الإسماعيليون هم الإسماعيليين. ما هو السبب؟ السبب أن الحرب المستعرة ولَّدت مناطق سيطرة لجميع الأطراف المتحاربة، فظهرت مجاميع بشرية قوية وأخرى ضعيفة هي أسيرة للأولى. وبعيداً عن السيطرة المادية (العسكرية) للغالبين على المغلوبين، أصبحت هناك موجة من الإكراه والتبشير لعقائد وأفكار المنتصر على المهزوم في تلك المناطق، مرةً بصورة ناعمة ومرةً بصورة خشنة.

خلال لقائه بقناة «الجزيرة» قبل أكثر من أسبوع، أعلن أمير جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) أبو محمد الجولاني عن حالة تبشير عقائدي تجري للموحدين الدروز في سورية، وقال نصاً: «أرسِلَ إليهم كثير من الدعاة وأبلغوهم الأخطاء العقدية التي كانوا قد وقعوا فيها». إذاً نحن أمام حالة تبشير لـ 18 قرية درزية في جبل السماق بإدلب (14 منها في الجبل وأربع في السَّهْل) تسكنها أنفس يصل عددها إلى 16 ألف نسمة.

صورة أخرى من صور التبشير العقائدي الأنباء التي تواردت من أن مدارس تابعة لجمعية كنائس بيت المقدس في مدينة غازي عينتاب (بيجيت سوروت مثالاً) قدَّمت مساعدات إغاثية للسوريين وفي الوقت نفسه فرضت «كتاب الإنجيل المقدس على الطلاب السوريين المسلمين فيها» الذين كانت تتراوح أعمارهم ما بين ثماني سنوات واثنتي عشرة سنة وهم بالأصل من أحياء فقيرة جداً.

صورة ثالثة من صور ذلك التبشير العقائدي وهو الذي وُجِّه للأيزيديين، حيث أظهرت مشاهد «الاستتابة» التي قام بها تنظيم «داعش» لـ 5000 أيزيدي في سنجار، ونقل تلك الحالة إلى مناطق ريف حلب السورية حيث يقطنها أيزيديون محاولة منه لإخراج أولئك المغلوبين من عقائدهم. وأصبحت القرى السبع في عفرين كعشقيبار وقسطل وفقيرا، وجبةً دسمةً لمستقبل التبشير الداعشي للأيزيديين.

صورة رابعة من صور التبشير العقائدي «كانت بالأساس موجودة قبل الأزمة»، موجَّهة للعلويين مِنْ قِبَل دعاة شيعة، على الرغم من اعتقاد العلويين من أنهم ينتمون إلى المذهب ذاته. واليوم وخلال هذه الأزمة فإن الدعم الذي يلقاه العلويون من أطراف شيعية يمكن أن يجعل ذلك أمراً قائماً، فضلاً عن أن تبشيراً شيعياً كان موجوداً في عدد من المناطق كحمص ودمشق.

صورة خامسة من صور التبشير العقائدي «كان بالأساس موجوداً قبل الأزمة» موجّهاً للاسماعيليين في القدموس وسلمية ومصياف من قِبَل دعاة سُنَّة. والإسماعيليون في سورية حالهم كحال العلويين والدروز، يُشكلون بطوناً رخوة لعمليات التبشير، كون أعدادهم محدودة ولا تمثل عقائدهم تحدياً آيدلوجياً ولا هو قادر على فرض نفسه وسط الطوائف والمذاهب الأخرى.

يُضاف إلى تلك الصور المتعددة للتبشير (والتي تحتاج إلى توثيق وتأكيد بالأرقام) صورة أخرى قد لا تكون فاقعة الملامح الآن. وهي ظروف التبشير التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الملاجئ، عقائديةً كانت أم فكرية. فأربعة ملايين من الشعب السوري هم لاجئون اليوم في الجوار، وستة ملايين سوري آخرين لاجئون في الداخل، وهم يعانون من ظروف قاسية قد تجعل الآخرين لا يلتفتون إلى مَنْ يدخل إليهم ومَنْ يخرج، الأمر الذي يجعل الرقابة على عمليات التبشير ضعيفة وغير فعالة، وهو ما يراكم من المأساة.

إذاً نحن أمام خلخلة وإزاحة للقاعدة الأعمق لتفكير السوريين وسلوكهم، وهي الأديان والمعتقدات. فالمجتمع السوري على مرّ تاريخه الحديث تنازل جماعياً لصالح انتماء الناس لعقائدهم الخاصة في إطار معايير صارمة بعضها مؤسساتي وآخر عرفي يقوم على الاحترام والتراضي المتبادل فيما خص الأديان والمذاهب، وبالتالي فمن الخطأ العبث بهذه الأمور كونها وصاية على حرية الناس.

المشكلة هي ليست في مسألة إرغام الناس على تبديل معتقداتهم، بل المشكلة الأساس هي في طريقة استثمار ذلك التغيير، وبالتحديد لدى الجماعات المسلحة المتطرفة. فالذي يظهر أن جزءًا من ذلك يهدف إلى ضخ مقاتلين إلى جبهات القتال، كما تفعل «داعش» و»جبهة النصرة». وجدنا هذا في عدد من القتلى الأيزيديين في صفوف «داعش» بعد أن تم تجنيدهم وغسل أدمغتهم عقائدياً.

إن المناطق التي تسيطر عليها مثل تلك الجماعات هي قد تُخلَى بفعل المعارك فتنسحب تلك الجماعات منها، إلاَّ أننا نجهل حالة التحشيد والتعبئة والتبشير التي قامت بها في تلك المناطق، خصوصاً أن المجتمع السوري هو مجتمع فتي (يافعون من 15 فما فوق يشكلون 39.6 في المئة من السوريين، والشباب من 25 – 40 يشكلون 21.9 في المئة) ما يعني وجود قابليات قوية لذلك. وهذه مشكلة كبيرة تعانيها سورية وستبقى تعانيها في المستقبل حتى بعد انتهاء الأزمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4657 - الأحد 07 يونيو 2015م الموافق 20 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:33 ص

      يا هتلر العرب شكرا لك

      من الهوان على العرب أنهم يشعلون حربا فيما بينهم كما فعلت أوربا بنفسها الفرق أن سبب حرب أوربا في الحرب العالمية العالمية أنه كان لديهم هتلر واحد وموسوليني واحد اما نحن فلدينا العديد من الهتلريين والموسولينيين من الحكام والجماعات المتطرفة التي دمرت البلاد والعباد

    • زائر 8 زائر 6 | 7:48 ص

      التطرّف المناخي

      كانً الجو دائما باردا وجيدا قبل عام تسعة وسبعين ثمربعد ذلك اخترب الجو وصار كل سنة الصيف حار جداً خلال شهر اغسطس بسبب ايران

    • زائر 5 | 3:21 ص

      آخر بلد ممانع اصبح كعكة

      عجبي للعرب والعروبة هل نحن مصداق الآية (يخربون بيوتهم بأيديهم)
      لماذا تجمع العراب لضرب سوريا ولم يجتمعوا على ضرب اسرائيل بل اصبحت اسرائيل الشقيقة؟

    • زائر 4 | 2:55 ص

      تدمير آخر دولة ظلّت ممانعة

      الدجاج الدجاج وقرية الحصينة
      حجة الدول التي هدمت سوريا ودمرتها انها تريد نشر الديمقراطية ولكن للأسف ولا دولة واحدة عربية ممن شارك في تدمير سوريا يوجد لديها مشاركة شعبية ولا حتى على اقل مستوى وكما يقول المثل فاقد الشيء لا يعطيه

    • زائر 2 | 12:43 ص

      التطرّف الديني

      كان المسلمين حالهم خال بقية الأمم يعيشون بسلام دون اي صراعات مذهبية الى ان حاء العام تسعة و سبعين و بدأت موجة التطرّف الديني و التكفيري تنتشر لنا من ايران

    • زائر 3 زائر 2 | 1:08 ص

      حلفاء للكيان الصهيوني دون ان يعلمون وربما يعلمون

      كنت تعيش بسلام!!!! الظاهر في تسعة وسبعين للحين ما اعلنوا دولة اسرائيل!!

    • زائر 10 زائر 2 | 10:52 ص

      قبل

      قبل تسعة وسبعون كان التطرف الديني موجود و من فجر الاسلام الخوارج موجودون .

    • زائر 1 | 10:10 م

      بدون منازع

      كالعادة...تحليل معمق و مفيد...هكذا يكون الكاتب يفيد القارئ.

اقرأ ايضاً