العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ

الباحثة هبة رؤوف عزت تقتحم «العالم الرابع» وتكشف «الأسوار الأسمنتية»

تناولت في لقاء استضافته «الوسط» أبعاد علاقة الإنسان بالمكان...

«تصبحين على وطن»... قال لي أحد طلابي بعد مناقشة طويلة على الهاتف حول الاستبداد والديمقراطية والأمن الإنساني اليومي للفرد في العالم العربي...»تصبحين على وطن... وأحلام سعيدة»... أغلق سماعة الهاتف وبقي صدى صوته في أذني... وطن... أرسلت له رسالة تتحدى سخرية شاب في العشرين... شاب قلبه تحت وطأة الاستبداد وفقدان الأمل... أرسلت له :»وطن... وطين، حب مكين، هذي البلاد بلادي المعشوقة... هي شرعتي من بعد شرعة خالقي. هي قبلة القلب. هي مسكني. هوى ودين».

تلك كانت مقدمة لمقالة كتبتها الباحثة العربية هبة رؤوف عزت في صحيفة «الوسط» يوم 23 يونيو/ حزيران 2009، لتتوغل في تفاصيل الكتابة بعد ذلك نحو «معنى الوطن»، لكنها في فقرة من فقرات المكان كتبت :»يمكنك بالطبع أن تدير ظهرك للوطن وترحل، تأخذ جنسية وطن آخر وتعيش في مجتمع مختلف، لكن البشر في العادة يعودون لبلدهم الأصلي أكثر شوقا، ويقيمون مساحات تشبه الوطن كي يمكنهم البقاء والاستمرار هناك، فتجد الحي العربي، والحي الصيني، والشارع الهندي والجوار الإيراني في قلب كل المدن الغربية. وطن صغير بديل يشعرنا بدفء وطن نلعنه ونغادره ونبحث عن فرص في أركان الأرض، ثم نبكي في جوف الليل شوقا إليه كما كان يبكي قيس ليلى ونضع الأيقونات الوطنية حولنا لتذكرنا به، ونشمّ فيها رائحته».


التجوال... السير والنظر

ربما كانت التفاصيل أكثر وأكثر تعقيدا، لكن في لقاء استضافته «الوسط» يوم الأربعاء 2 يوليو / تموز 2009، جالت الباحثة هبة رؤوف عزت في عالم التجوال، لتؤكد على أن التجوال... السير والنظر، هو ما يكشف حقيقة علاقة الإنسان بالمكان، فقد تقرأ هي كتابا عن مملكة البحرين، ونقرأ نحن كتابا عن جمهورية مصر العربية، لكن لا نكتشف الكثير، وبالتجوال، يمكن اكتشاف الفرز الطائفي والفئوي، فمن خلال تجوالها في بعض المدن العربية، أثبتت لها التجربة أن الأنظمة لم تعد تمارس سيطرتها على مواطنيها من خلال إعادة توزيع الثروة وأين توضع وإلى أين تذهب... لكن هناك شكل جديد من الفصل... فصل المجتمع إلى نصفين وقد يكون الشارع الرئيسي هو الفاصل... وخلفه قد تكتشف أناسا من مجتمعات أخرى تسوروا خلف الأسوار الأسمنتية! وفي كثير من الدول العربية، تسير على ضفة نهر فترى العمارات والأبراج تمنع الناس من رؤية النهر.

في بعض البلدان، تتحول الأرض والمساحات العامة لملكية خاصة، فيما لا يمكن لأناس مشاهدة البحر لأن سواحله تحولت إلى مساحات ممنوعة، وهذا، من وجهة نظر الباحثة، يضاعف تعقيد مشكلة «الأمكنة»، حيث لابد من إعادة «تشكيل»، وذلك الأمر ليس من شاكلة المفاهيم المحلقة، فمن أجل وجود مجال عام وحوار وديمقراطية، لابد من إيجاد أماكن للناس... للعيش أو للتعبير... فلابد - على سبيل المثال - من إيجاد أماكن للناس تتحدث وتعبر عن غضبها بالاحتجاجات السلمية، دون أن يكون هناك صورة للعسكر وجند الأمن الذين يتحركون في المساحة وكأنهم يخططون لحرب مواجهة، ثم تبدأ بالهيمنة على المساحة، وبعدها، تظهر المدن المسورة، ويتم إغلاق الطرق وتقسيم المساحة تماما مثل «الكعكة»... ثم تتحدث عزت عن شغفها بالقضية فتقول: «أنا مهمومة بهذه الأشياء، وانتقل من المكان إلى الأفكار ومن الأفكار إلى المكان، ثم إلى العلاقات، و في البحرين وجدت أن هناك إعادة تشكيل بطريقة مثيرة للاهتمام، ومجتمعنا المصري يشهد ذات الموضوع، وطوال الوقت، في مقدورنا أن نرى كيف نربط المكان بالإنسان وبمفاهيم الإنسان، وهذه همومي الشخصية والاجتماعية والإنسانية».


نهج إسلامي لا يتأطر مذهبيا

في مستهل اللقاء، رحب رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري بالضيفة، التي قدمها للحضور على أنها باحثة وناشطة في قضايا المجتمع المدني، ولها حضورها في الشبكة الإسلامية العالمية الجديدة، والحركة الإسلامية المتنورة، ولها حضورها العلمي والأكاديمي من خلال كتاباتها باللغتين العربية والإنجليزية على مستوى المجلات الأكاديمية المحكمة، وهي أيضا مدرسة للعلوم السياسية والاجتماعية بجامعة القاهرة.

وأضاف الجمري قوله :»نعتز بشخصية منفتحة على العصر وملتزمة بدينها، ولها أطروحات عميقة، وهذه هي مدرسة المفكر العربي الإسلامي عبدالوهاب المسيري، والرفاق الذين يسيرون في نهج التأصيل الإسلامي بتطورات فكرية دون إذابة للهوية الإسلامية، وضيفتنا متخصصة في موضوع المواطنة، فالمواطنة لها أبعاد كبيرة، لكنها ربطتها بالمساحة من منطلق أن من حق المواطن أن يرى أجمل شيء في بلده، وأن (المواقع المعزولة) هي ضد المواطنة، ولها طرح آخر ونقض للنظرية الليبرالية في المواطنة، فهي من جيل يفكر بنهج إسلامي لا يتأطر مذهبيا، لذلك، هي من المفكرين في العالم الإسلامي الذين نعتز بوجودهم، واغتنمنا فرصة وجودها في بلادنا لكتابة بحث علمي، لنستفيد من وجودها في فهم الكثير من الأفكار بتعمق».


علاقة الإنسان بالمكان والمساحات

من جانبها، توجهت الضيفة هبة رؤوف عزت بالشكر إلى صحيفة «الوسط» لتنظيم هذا اللقاء، وأوصلت شكرها للحضور معبرة عن امتنانها لهذه الاستضافة، وبدأت الحديث بالإشارة إلى اهتمامها بالفكر الإسلامي المعاصر، وعلاقة الإنسان بالمكان والمساحات، لافتة إلى أن الاهتمام بالفكر الإسلامي تناول العلاقات والمؤسسات، وكيفية أسلمة العالم من خلال تغيير الأفكار الذي سيؤدي بدوره إلى تغيير العلاقات، وكذلك بناء التيارات والتنظيمات وصولا إلى الطموح الأعلى على جانبي النهر الإسلامي وهو بناء دولة إسلامية، وهي جوانب مهمة، ما يدعونا لنفكر معا في علاقة الإنسان بالمكان، فنحن لم نفكر كثيرا في البشر كبشر، وفي تفرد الإنسان بإنسانيته واحترام الإنسان الفرد، بل أن نضمه لهموم كبيرة، ولم نهتم بالمكان وظننا أن العلاقات إذا تغيرت، سيتغير الواقع ، وهذا غير صحيح.


البحرين... حالة صغيرة كبيرة المشهد

وتطرقت إلى زيارتها للبحرين، فقالت إن النظر للحالة البحرينية، وهي حالة صغيرة في الحجم لكنها كبيرة في المشهد، وقد نجوبها شمالا وجنوبا، ونستنتج منها نتائج لحالات مماثلة في علاقات الناس بالمكان وعلاقة النخبة بالمواطنين والعلاقات المذهبية أو الطبقية، وهي كلها جوانب مهمة لأي الباحث يدرس شأن أمة عربية تواجه تحديات، ومنها أيضا موضوع المرأة في المجتمع وتحولات المدن، وأحد افتراضاتها كباحثة أن القومية العربية تواجه أزمة - ليس لأن العرب لا يفكرون بشكل أفضل - بل لأن المدن العربية ظهرت كمدن غريبة لا تمهد للفكرة وتوهجها ونموها، وتتأثر المشاعر القومية بالتقسيمات الطبقية والجهوية والوظيفية عبر البلدان، وهذا ضد ما كنا نأمل أن يحدث، وصارت المدن «محكات» للتمييز وليس للتوحيد، ولو زرنا بعض المناطق وألقينا نظرة على بعض خرائط المدن، تبين ماذا حدث للأفكار بل للأماكن أيضا، فهناك ما حرك الأفكار من جهة، ووأد بعضها من جهة أخرى، وأدى إلى راديكالية بعض الأفكار، وأنتج أخرى منزوعة الراديكالية، بشكل يفتقر للسيمترية المتناغمة ويقارب التشظي في المشاهد المتطرفة.


أحياء فقيرة محجوبة خلف «متعة التسوق»

وتذهب الباحثة إلى استعراض ما يحدث في المدن العربية، ففي القاهرة ومدن عربية أخرى، بدا أن وجود كتل سكانية لا يمكن نقلها، يدفع الآلة الحكومية والرأسمالية التي تريد رسم صورة حديثة، لبناء (الأسوار الأسمنتية)، وحين يقوم الطلبة - على سبيل المثال - بجولات للتعرف على المدينة وعلاقتها بالبشر، يجدون أن مناطق فقيرة تتوارى خلف إعلانات متعة التسوق وأنماط الحياة المرفهة.

وحين نجد في البحرين أن أكثرية السواحل وقعت تحت «الخصخصة»، نجد أن الأمر ذاته وقع لنهر النيل، فقد تمت خصخصة الكورنيش لصالح القوارب السياحية أو نوادي الفئات المتنوعة أو الجمعيات المهنية وهناك تربص بأماكن الفقراء كما حدث في مواجهات جزيرتي «ذهب» و»الوراق» حين ظهرت الرأسمالية لترفع شعار «التطوير» والتطوير هنا أن يخرج الفقير ويدخل الغني، ويعني أيضا أن ننقل هؤلاء الناس، ونمنحهم شقة صغيرة، ويقام في مكانهم الأصلي مشروع سياحي يتم تسويقه في الخارج وهكذا... هذا الأمر موجود في الكثير من المدن العربية، ولهذا لا يملك الباحث إلا أن يولع بالمكان وعلاقته بالإنسان ربما لدرجة الهوس البحثي بالنظر لهذا البعد في كل القضايا والموضوعات الاجتماعية والسياسية، وكما قال منصور الجمري، إذا لم يكن لي مساحة - مكانا ماديا ومجالا مدنيا- فكيف يكون لي انتماء؟


الهويات الطائرة في الهواء

نحن ننتمي لعالم واسع، ونتابع أحوال البشر في كل مكان، ونشاهد الكوارث الإنسانية، ويهمنا أن هذا العالم قرية صغيرة مرتبطة ببعضها بعضا، لكن لدينا جذور في النهاية، وهناك أفق واسع، وفي الوقت ذاته هناك أرض، لذا ليس من الواقعي القبول بالهويات الطائرة في الهواء أو الفقاعية الطافية، فهذه فكرة ليست جيدة خاصة إذا كانت الهويات تأتي وتحتل مساحات وتفرض نفسها ثم تطرد الهويات المتجذرة من أماكنها ومجالاتها الحيوية، ثم تبدأ في التأثير على فرص ونوعية الحياة لدى الغالبية...

في القاهرة، جاء طوفان من الأموال ضاعف كلفة السكن في مناطق الطبقة الوسطى بين 3 إلى 5 أضعاف، وهذا الطوفان جاء في شكله الأول من الخليج... من تحويلات المصريين الذين كانوا يعملون في دول الجزيرة العربية، أما الشكل الثاني فهو الاستثمارات المباشرة التي خلقتها طفرة النفط، وجاءت على أم رأس مدن عربية وادعة هادئة، فهناك مدن في المغرب يتم فيها شراء البيوت الصغيرة في الأحياء الأصيلة، ويتم تجديدها على يد المشتري من الدول الأوروبية، بيتا تلو بيت حتى يتم احتلال حارات بأكملها بل وبناء بوابات لها، أي مستعمرات جديدة ومستوطنات. وفي القاهرة جاءت شركات الاستثمار العقاري من الخليج، واشترت مساحات في قلب القاهرة ومدنها الجديدة، بل وفعلت الشيء نفسه مع السواحل الشمالية المطلة على البحر المتوسط، ورفعت أسعارها، وبالتالي، فإن الكثير من الناس باعوا وتركوا المكان ورحلوا من أحيائهم القديمة لتتم إعادة تشكيل المكان كما حدث لمنطقة الكورنيش في اتجاه المعادي وبالاتجاه المقابل في ساحل روض الفرج، والناس لا يعون هذا الأمر، والمطلوب أن تتدخل الدولة لتصلح «الأماكن» وتعدل في قواعد توزيعها، وتجعلها صالحة للعيش الآدمي بدلا من سياسات «الترانسفير» التي تتم بدون حياء أو خجل، وباسم التطوير والتنسيق الحضاري، أو باسم تطوير المدينة، أو غيرها من الحجج التي يتستر وراءها رأس المال المتوحش الذي لا يبالي بالذاكرة والنسيج الاجتماعي ومعالم تاريخ الوطن.

وأكدت أنه من المهم أن تفكر في ما تشاهده كل يوم، «اكتشفت أن أخي الجمري أصدر كتابا تناول فيه طفولته (ذكريات غير متناثرة من النجف الأشرف... من إصدارات شركة دار الوسط للنشر والتوزيع 2007)، وهنا أود القول، من خلال اشتغالي بحقل العلوم السياسية والاجتماعية، أن القصص الصغيرة وتفاصيلها تظهر الكثير من الأمور المهمة وتحتفظ للأجيال القادمة بذاكرة المكان والتي هي ذاكرة البشر... ولا تقل أهمية عن الحكايات الكبرى والتواريخ العامة».


مدخالات

وفي نهاية اللقاء، وقبل بدء المداخلات، توجه رئيس التحرير بالشكر إلى الضيفة على تقديمها الشيق، وما تناولته من شرح للعلاقة بين الإنسان والأفكار والأمكنة، وما يمكن مشاهدته من تغييرات على الأمكنة يظهر على شاكلة استعمار وليس استثمارا...

وقدم مدير التطوير بصحيفة «الوسط» رحيم الكعبي مداخلة أشار فيها إلى أن مفردة «الأسوار» في تحليل خرائط المدن تبدو فكرة مهمة في رصدنا للتغيير الجغرافي والمكاني، يمكن من خلالها ملاحظة ما يحصل في العراق، فمدينة عظيمة بكل القياسات مثل مدينة الموصل وتاريخها، تتعرض لإعادة ترتيب من الأكراد، حتى ظهرت مناطق متنازع عليها وهي أقضية تابعة بالكامل لمدينة الموصل، وهذه صورة لمدينة عربية تتعرض للتآكل.

وفي مداخلته، قال الباحث نادر كاظم إن تاريخ الفكر العربي بقي في حدود صراع الآيديولوجيات، وأفكار على العموميات، لكن هناك تفاصيل على الأرض تظهر عمق العموميات، وحين تطرح الباحثة هبة رؤوف فكرة إعادة تشكيل المكان بالإنسان أو المكان بالإنسان، فإننا نستذكر أيضا أن ميشيل فوكو لديه كلام كثير عن إعادة تشكيل المكان كشكل من أشكال الرقابة السياسية، وقد درست في فترة سابقة تاريخ تطور المكان، ففي البحرين فيما يتعلق ببناء الأسوار تاريخيا، لم يكن هناك سور بالمعني اليوم داخل الأمكنة، فالبيوت والمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية كانت دون أسوار ثم في لحظة من اللحظات، بدأ السور يظهر في الداخل والخارج للتمييز بين الفئات الاجتماعية والمجال العام والدوائر ذات الوظائف المؤسسية.

وذكر أن في العالم اليوم، ما يسمى (العالم الرابع)، وهم السكان الأصليون الذين يرتبطون بعلاقة تقديسية بالمكان، واليوم، لو يتم تخيير أبناء القرى والأرياف، والذين يعيشون على ساحل البحر بين إزالة مزرعة أو ردم البحر، وبين إنشاء مدرسة، فسيختارون إنشاء المدرسة ولن يعارض أحد، لكن من مميزات «العالم الرابع» أنهم لا يرتضون بالتدخل العصري المادي أو حتى المعنوي.

الأماكن القديمة اليوم في البحرين يسكنها الآسيويون، وهناك أمر آخر له علاقة بمواد البناء الحديثة، ففي السابق كان الناس يستخدمون الطوب والطين والحجارة والخشب من المنطقة ذاتها، وهي متناسبة مع المناخ العام وطبيعة المكان، وبالتالي تدوم وتستمر، أما اليوم، فهي أبنية منمطة لا تدوم طويلا، فعلى سبيل المثال، نجد في المحرق بعض البيوت التراثية التاريخية كبيت سيادي وبيت بن مطر والكثير من البيوت القديمة بقيت أمدا طويلا.

وتناول الزميل حيدر محمد في مداخلته نزعة الاستحواذ التي سادت في بلدان عربية كثيرة، وأدت إلى نشوء دول مركزية متسلطة ولكنها ضعيفة، ونشأت ولاءات فرعية، فالصراع الطبقي في المجتمع، والولاءات الفرعية مثلت السبب الأساسي للاستحواذ والاحتكار ومحدودية العدالة الاجتماعية.

وتساءل الزميل محمد عبدالله عن سبب عدم تحقق الدولة الإسلامية، فمن خلال ملاحظته بشأن الحديث عن المكان، رأى أن منطقة آسيا وفي حدود الصين، ظهرت الهندوسية والبوذية، وتم تشييد دول في الهند والصين وكوريا واليابان، وأيضا في المنطقة المتجهة إلى الشمال التي تدين بالمسيحية والإسلام، بنيت دول مدنية متقدمة، لماذا لم تظهر دول تمثل الدولة المدنية في البلدان الإسلامية على غرار ما أنتجته البوذية والمسيحية؟ وربما لدينا تجربة واضحة في إيران وتركيا، لكن التجربتين مدار جدل، فما السبب في عدم تحقق دولة إسلامية؟


إعادة تشكيل المدينة العربية

وفي معرض ردها على المداخلات، تناولت الضيفة إعادة تشكيل المدن في العراق، إذ كان لافتا أن الغزاة الأميركان ضربوا التاريخ من خلال نهب المتاحف بما ينزع عن المكان تاريخه، وما ذكر عن الموصل مهم... تاريخيا، المغول كانوا يحرقون المدن ويضعون بدلها تراثهم، ثم تعود المدن بالخير والشر والصراعات والسلام لعهدها بطبقة جديدة من الثقافة، ولكن الآن يتم المسح الكامل ويقام محل الدكان «سوق مكيفة»، ويعاد تشكيل هوية المكان بالبتر الكامل للسابق فيكون الطمس هو النتيجة.

ظاهرة الدفان هي قضية مقلقة بحد ذاتها، يقول أحد الأصدقاء الخليجيين أن قريبه اشترى أرضا على البحر، وبعد فترة، تم دفن جزء من البحر المقابل لمنزلهم، وصاروا ينظرون إلى «كامبونات سكنية» بدلا من ساحل البحر.

ما يحصل في الخليج، يتكرر في أكثر من مدينة عربية وصولا للمغرب، وفي مدينة عمّان عاصمة الأردن التي نالت العديد من الجوائز لتناسقها المعماري ونظافتها سينزل المستثمرون الخليجيون لتنفيذ بعض المشروعات في موقع تاريخي شهير تم هدمه ليتيح بناء 28 برجا للأعمال، ولم أصدق أن يحدث هذا الأمر، ولكننا نعيش في وطن عربي على (خوازيق) البنايات الحديدية والزجاجية التي تطاول السحاب.

أما الحديث عن الاستحواذ والاحتكار، فيمكن دراسته بموازاة منطق السيولة للمجتمعات، لأن هذا الاستحواذ يريد نسيجا مبعثرا لكي يعمل.

وإذا انتقلنا إلى نقطة عدم تحقق دولة إسلامية، فهناك بالفعل تجربة تركيا وإيران وماليزيا وإندونيسيا، وقدم المسلمون نماذج، لكن لنستاءل عن أسباب الإخفاق أو التعثر، والأهم: معايير الحكم على الإسلامية بدون شورى في الأمر وعدل في المال!

ومن خلال تجربة شخصية، أثار الزميل إبراهيم السيد حميد موضوع منطقة سار كمنطقة أثرية لها عبق التاريخ لوجود التلال الأثرية، وكل ذلك تم مسحه فلا توجد بها اليوم آثار، وفي المنامة، كان ساحل البحر من جهة الشمال يصل إلى أسوار مدرسة النعيم الثانوية، لكن لا يمكن رؤية هذه الصورة اليوم.

أما الزميل المصور محمد المخرق، فهو يصرح في مرارة بأنه لا يؤمن بوجود تاريخ ولا آثار! فلديه الكثير من الصور التي توضح مناطق الآثار، وكذلك صورا أخرى للسواحل، لكنها مسحت اليوم، فلماذا يدافع عن قضية سيكون مصيرها المسح؟

التوثيق ذاكرة الشعوب

وفي ختام اللقاء، تثير الضيفة علاقة السياحة بالمجتمعات، فتقول إن هذه السياحة تدمر المجتمعات، وتحولها إلى متاحف، ففي شبه جزيرة «سينا»، يأتي السواح ليقوموا بسياحة «سفاري»، لكي تتوقف اللحظة لدى السائح في مشاهدة السكان الأصليين ويتعرف على طبيعة حياتهم في «طلة سياحية»، و هي تفترض أن يكون التاريخ حيا يتم بناءه يوما بعد يوم، لا أن تتوقف اللحظة التاريخية عند «طلة السائح» ويصبح التاريخ متحفيا للزيارة وليس لإمداد المجتمع بالقيم ومنحه الامتداد الزمني ومكونات للهوية، حتى وصلنا إلى أن نقرأ ونشاهد إعلانات على السياق ذاته تقول :»اشتري طلة على الحرم الشريف»، وهذا شكل من أشكال الفكر الرأسمالي المتوحش الذي يحول كل مقدس إلى أيقونة ثم إلى سلعة.

إن فكرة تحويل التاريخ، من تاريخ حي إلى متحف، هي فكرة في غاية الغرابة، ولو فكرنا فيها مليا لوجدنا أنها فكرة «كارثية» فعلا.

وتوجه كلمتها الأخيرة للحضور :»اكتبوا ودونوا سيركم الذاتية وارسموا خرائط الأمكنة المستباحة من السوق من أجل التوثيق... لأن تاريخ البحرين هو تاريخكم، فالتوثيق هو ذاكرة الشعوب».

العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً