العدد 8 - الجمعة 13 سبتمبر 2002م الموافق 06 رجب 1423هـ

الرعب الثوري في فرنسا: مَن يخون مَن؟

عندما تأكل الثورة أبناءها

من المؤكد أن عبارة «الثورة تأكل أبناءها» تنطبق على الثورة الفرنسية «اواخر القرن الثامن عشر» اكثر مما تنطبق على أية ثورة أخرى، حتى وإن كان السيناريو نفسه قد تكرر مع كل ثورة من الثورات التالية «ولا سيما الثورة الروسية». ولكن هل اكلت الثورة أبناءها ظلما وتعسفا؟ أم أن الامر كان دائما مبررا كما كان روبسبيير يقول؟

مهما يكن الجواب، فإن الحقيقة تأتي لتقول لنا انه كان دائما ثمة خيانة وخونة، بمعنى ان الثوري، حين يجد ان الامور بدأت تفلت من يده، ما كان يتورع عن الاستعانة بالاجنبي لكي يتمكن من إلحاق الهزيمة برفاقه الذين يصبحون «رفاقا سابقين». وفي بعض الاحيان كان الخوف من الخيانة وحده كافيا لتحريك من في يده السلطة كي يضرب ضربته ولو بشكل مسبق، ومن هنا تختلط الامور ويصبح من العسير التقاط الحقيقة كلها.

ولعل في مصائر ثلاثة من قادة الثورة الفرنسية ما يوضح هذا الدرس.

الاول هو دانتون، الذي كان مع روبسبيير وسان رجوست ومارا، مشعل الثورة وملهمها «دانتون»، بعد شهور الثورة الأولى، سرعان ما وجد نفسه ثريا، ومقدما على الزواج من حبيبته ذات السبعة عشر عاما... ولما كان هذا كله لا يمت إلى النقاء الثوري بصلة، حدث لصاحبنا ان بدأ يعيش نوعا من الانفتاح على الانجليز، اعداء الثورة الرئيسيين - او هذا ما اعتقده رفيقه وخصمه، في الوقت نفسه، روبسبيير - ولم يكن هذا بالأمر الذي يمكن القبول به، خصوصا وان دانتون راح يطالب علنا بوقف موجة الارهاب. وهكذا اتُّهم دانتون بالتراخي و... بالاتصال بالانجليز، واعتقل يوم 30 مارس/ آذار 1794، ولما كان الرجل خطيبا مفوها، اصدر روبسبيير مرسوما يقضي بضرورة المحاكمة من دون مرافعات... فحوكم الرجل وصدر عليه حكم الاعدام. وحين اعتلى المقصلة التفت إلى جلاده وقال: «ان رأسي لجديرة بأن ترفع ليراها الشعب كله».

الثاني كان ميرابو، الذي اشتهر بكونه خطيب الثورة. في البداية لم يكن ثوريا تماما، ولكن خطاباته الفصيحة في مجلس النواب جعلت له شعبية ورطته في الثورة كليا. وهو الوحيد بين زعمائها الذي كان لديه برنامج واضح... وهكذا ما ان انتصرت الثورة حتى راح يخاصم الاستبداد ويطالب بأن تضمن الحريات، عن طريق فصل السلطات. وكان في ذلك - على أية حال - امينا للعبته المزدوجة التي راح يلعبها منذ ما قبل الثورة، حيث كان في الوقت نفسه مستشارا سريا للملك لويس السادس عشر ومعارضا علنيا. واصبح رئيسا للمجلس في فبراير/ شباط ,,1791. وكان قد اضحى في قمة شهرته، وحين مات بعد ذلك بشهرين قيل يومها انه مات منهكا... لكن أنصاره قالوا انه مات مسموما... من وضع السم له؟ لن يجيب احد ابدا!

الثالث كان دومورييه. منذ الشهور الاولى للثورة قاد دومورييه الجيوش الثورية الفرنسية وانتقل من نجاح الى نجاح. وهكذا حتى نهاية العام 1792 كان يمكن ان تسجل له الانتصارات في فالمي وجيماب وفي بلجيكا كلها، ولكن عند الوصول إلى هولندا في مارس/ آذار 1793، بدا جيشه متعبا وتمكن الحلفاء من الحاق الهزيمة به، وهنا استدعي إلى باريس لكي يحاكم بتهمة التواطؤ مع العدو، خصوصا وانه كان لا يكف عن التحذير من مغبة معاملة البلجيكيين بالعنف. رفض العودة والمثول امام رفاقه، وبدأ يفكر في الانقلاب عليهم لاقامة حكم ملكي دستوري، وتحرك مع قواته نحو باريس لاحتلالها... لكن هذه القوات سرعان ما انقلبت عليه واتهمه ضباطه بالتواطؤ مع الاعداء... فهرب ليلتحق، بالفعل، بالقوات النمساوية محاولا استخدامها للوصول إلى باريس.. لكنه فشل

العدد 8 - الجمعة 13 سبتمبر 2002م الموافق 06 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً