السينما التي يبدو أنها أحبت شخصية ماتاهاري كثيرا، لم تهتم أبدا بأن تقدم الصورة الحقيقية عنها. ومن هنا كانت هناك دائما صورتان لراقصة «عين النهار»: الصورة التي كشف عنها التاريخ وفصّلناها قدر المستطاع في المقال المنشور على هذه الصفحة، والصورة الأخرى التي حملتها نحو دزينة من الأفلام حققت منذ العام 1921، أي بعد أربع سنوات فقط من اعدام ماتاهاري. ولقد كان من سحر الاسطورة الشخصية التي تحملها - سينمائيا على الأقل - ان تبارت دائما كبريات النجمات الفرنسيات والاميركيات وغيرهن للعب الدور، خاصة وأن السينما حرصت على أن تقدم عن ماتاهاري صورة رومانسية كامرأة عاشقة، عاشت طفولة معذبة وغدر بها الآخرون، فكان هذا دافعها إلى فعل ما فعلت، كما أن السينما حاولت دائما أن تبرئ ساحة ماتاهاري ملقية على عاشقها وعلى الغيرة تبعات ما فعلت. وهكذا على الشاشة خصوصا. ولدت ماتاهاري لا علاقة لها اطلاقا بماتاهاري الحقيقية. فهل علينا أن نقول أن ما يعيش في ذاكرة الناس، اليوم، عن ماتاهاري هو صورتها السينمائية لا شخصيتها الحقيقية؟

مهما يكن من الأمر كان يكفي أن تتبارى للعب الدور مارلين ديترتش وآسنا نيلسن وغريتا غاربو (بين العام 1921 والعام 1932)، وزازا غابور وسليفيا كريستل وفرانسواز فابيان (بين 1972 و 1990) حتى يقتنع الجمهور العريض بالاسطورة اكثر من اقتناعه بالحقيقة. ومهما يكن من الأمر، يبقى الفيلم الذي مثلته غريتا غاربر، في العام 1932 من اخراج جورج فيتزموريس، الأجمل ويبقى اداء غاربو لدور الراقصة الاقوى والاكثر بقاء، خصوصا وأن هذا الفيلم يمكن اعتباره - بسبب النجاح الكبير الذي حققه - المسئول الأكبر عن تكوين الاسطورة.

يبقى أن نذكر أن الشطط وصل بالسينما إلى حد تحقيق فيلم عنوانه «ابنة ماتاهاري» (1955)، قامت فيه الفنانة الفرنسية لودميلا تشيرينا بدور باندا، ابنة العميلة هـ 21 (ماتاهاري). وهذا الفيلم يستند الى اسطورة إضافية سادت في الخمسينات، وفحواها أن لماتاهاري ابنة تدعى باندا تصورها البعض خلال الحرب العالمية الثانية عميلة تشتغل لحساب الاستخبارات الاميركية، وقبض عليها الشيوعيون خلال الحرب الكورية وأعدموها بالطريقة نفسها التي اعدمت بها أمها. وهذا كله مبتكر وغير صحيح، طبعا لأن سيرة ماتاهاري الحقيقية تقول لنا انه كان لها بالفعل ابنة وحيدة تدعى باندا، لكنها قضت بانفجار في الدماغ في العام 1919 وهي بعد صبية