لكل شاب أهدافه التي يسعى الى تحقيقها، أو هكذا ينبغي أن يكون، فالشاب من دون أهداف شاب لا يفهم لماذا وجد على هذه الأرض، ولماذا يعيش، وهو شاب يسير في حياته خبط عشواء، لا خطة له، ولا معنى لحياته، ومثله كمثل من يركب سفينة في بحر كبير مترامي الأطراف، وليست معه بوصلة ولا مرشد له، فهو يسير في أي اتجاه بشكل عشوائي، ولا يدري لماذا يسير، والى أي جهة يولي وجهه.
لذلك ينبغي لك أيها الشاب أن تكون لك غايات وأهداف، فليكن ارضاء الله تبارك وتعالى أولى هذه الغايات، ثم تأتي الأهداف القريبة التي اذا ما حققتها تحققت الغاية... ليكن لك في حياتك أهداف، بل ليكن من كل حركة تتحركها أهداف تحددها بدقة، وتسعى الى تحقيقها، فاذا كنت بصدد بداية العام الدراسي فلتكن لك أهداف، واذا هممت بعمل شيء فليكن لك أهداف تحددها سلفا قبل بداية انجاز هذا العمل، وان عزمت على سفر أو رحلة داخلية مثلا فلابد أن يسبق ذلك تحديد الأهداف... والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نحدد أهدافنا؟
كيف تحدد أهدافك؟
قبل أن تقوم بأي عمل لابد أن تسبقه دراسة، تماما كما يصنع رجال الأعمال والمستثمرون اذا شرعوا في تنفيذ مشروع استثماري، فإنهم قبل تنفيذ المشروع يجرون دراسة جدوى ويخططون للمشروع، كي يضمنوا نجاحه... وبقدر ما نبذل من التخطيط لأعمالنا والاستعداد لها قبل تنفيذها... بقدر ذلك نضمن - بإذن الله تعالى - نجاح تلك الأعمال.
قد نمارس التخطيط في حياتنا، لكن الأمر الذي يثير العجب هو أننا نهتم بالتخطيط للأمور البسيطة «كالولائم، والاحتفالات، وبعض المناسبات الاجتماعية» وفي المقابل لا نهتم بالتخطيط لأمور مصيرية، كعلاقاتنا مع الله تعالى ووالدينا أو دراستنا... وغير ذلك من الأمور الكبيرة الأهمية، فلا نحدد أهدافنا، ومن ثم نفشل في تحقيقها، لأنها في الأصل غير واضحة في أذهاننا.
ان كنت صديقي الشاب بصدد انجاز عمل ما، أو اذا أقبلت على أمر ونويت انجازه، فلابد أن تحدد امكاناتك أولا... لا بأس أن تكون لديك تطلعات وآمال، ولكن يجب أن تكون واقعيا لا خياليا في أهدافك، لذا فإن ثمة شروطا يجب أن تراعيها عند تحديد أهدافك.
شروط الأهداف
* أن يكون الهدف واقعيا، بمعنى أن يكون من الممكن تحقيقه في ضوء ظروفك المتاحة. هناك حكمة يابانية تقول: «لا تحاول من دون استطاعتك أو فوق قدراتك الفعلية، فقط حاول ببساطة أن تصدق وعودك، وتفي بما تعهدت أن تقوم به». وثمة حكمة أخرى تقول: «نفذ عملا واحدا، ولا تعطي مئة وعد من دون تنفيذ»، وهناك حكمة قديمة تقول: «لا تدع قلبك يتعلق بالمستحيل فإن كنت ممن ينصتون بقلوبهم، فلا تصنع أهدافا تتخطى حدود طاقاتك وقدراتك».
إن معرفة ذاتك وقدراتك وامكاناتك هي الخطوة الأولى لتحديد الأهداف بواقعية، كي نتمكن من تحقيق هذه الأهداف.
كما أن تحديد الهدف بواقعية يقيك شر الاحباط عندما تضع هدفا خياليا فلا تستطيع تحقيقه، وهنالك تهرب من واقعك، وتصدق فيك الحكمة العربية التي تقول «رضي من الغنيمة بالاياب».
* التنوع: فالتنوع شرط من شروط الأهداف الجيدة، ولا يقتصر ذلك على الأهداف في مجال ما إنما يعد التنوع شرطا مهما ينبغي أن تتصف به أهداف أي عمل.
ويقصد بالتنوع هنا ألا تقتصر أهداف برنامجك الدراسي - مثلا - على تحقيق النجاح الدراسي والتفوق فحسب، ولكن يجب أن تتسع أهدافك لتشمل ارضاء الله تعالى باتقان عملك ثم ارضاء الوالدين، واكتساب ود أساتذتك وزملائك، وضمان تحقيق مكانة اجتماعية، وترقية تفكيرك وثقافتك، وتحقيق الثقة بنفسك، وتحقيق الصحة النفسية بالرضا عن الذات، وترقية مجتمعك والتقدم بأمتك ووطنك... فهذه كلها أهداف متنوعة منها الديني والاجتماعي والعقلي والنفسي... الخ.
* التدرج: أن تتدرج أهدافك من الأدنى الى الأعلى، ومن البسيط الى المركب، ومن الصغير الى الكبير... فهذه سنة من سنن الكون التي إن راعيناها وأخذنا بها نجحنا، وإلا كان المصير الفشل، فكثير من الشباب يريد أن يبدأ عملاقا، وينسى أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة... ولنتساءل: اذا كنت بصدد صعود مدرج أو سلم فما مصيرك إن قفزت الى أعلى درجة؟ هذا إن سلمنا بأنك تستطيع ذلك.
* أن تلبي الأهداف احتياجاتك، مراعيا الأولى فالأولى.
* أن تراعي الأهداف سنك، فأحيانا يضع الفتى هدفا يقتضي ركوب سيارة مثلا، في حين أنه لم يبلغ السن التي تسمح له باستخراج رخصة قيادة.
* أن تصوغ أهدافك صياغة جيدة، ولكي تحقق ذلك يجب أن:
- يصف الهدف سلوكك أنت، لأنك أنت المعني بهذا الهدف وتحقيقه.
- أن يكون السلوك المتضمن من الهدف واضحا محددا.
- أن يصاغ الهدف بحيث يمكن قياسه.
كيف تحقق أهدافك؟
عزيزي الشاب، بعد أن حددت أهدافك... أنت الآن لديك أهداف... فهل تعتقد أنك تستطيع تحقيقها؟
إن كنت قد حددت أهدافك بوضوح ودقة وراعيت فيها الشروط السابقة الذكر فعليك أن تضع تحقيقها نصب عينيك، واعلم أن هذه مهمتك وليست مهمة انسان غيرك، وهذا يعني أنه أصبح لزاما عليك تحقيق هذه الأهداف، من دون أن تنتظر أباك أو معلمك أو صديقك ليحققها لك.
لا تنس أن هذه الأهداف هي وليدة أفكارك، صادرة من أعماقك، لذلك فهي ممكنة التحقيق، كن كالصائد الماهر الذي حدد فريسته جيدا، وهو يمني نفسه بالمثوبة والجزاء الحسن الذي يناله بعد تحقيق الهدف.
هناك فرق بين الأمنية والهدف، فالأمنية إن سعى الانسان لتحقيقها صارت هدفا، فربما يتمنى الانسان كثيرا لكنه لا يسعى الى تحقيق أمنياته، لذلك تظل الأمنية الى أن تتحقق فتصبح هدفا، وفي ذلك يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وأظن أننا الآن في حاجة الى أن نورد هنا ما قاله «ديل كارنيجي» حيث يقول: «ليس هناك حيلة أو صفة خاصة لتحقيق النجاح، كل ما فعلته هو أن أبذل قصارى جهدي في أي عمل أقوم به في أي وقت، فقط كنت أكثر جدية وحرصا على أداء العمل بأفضل صورة ممكنة وبدرجة أكبر مما يحاول معظم الناس العاديين».
قد يؤدي الجهد القليل الى تأخير تحقيق الهدف، وربما يصيب البعض بالاحباط أو تثبيط العزائم واضعافها، وقد يجد بعض الناس أن تحقيق الأهداف حينذاك أمر بالغ الصعوبة، لكنني أريدك أيها الشاب أن تعرف أن تحقيق الهدف ليس أمرا متعلقا بمدى ثراء الانسان أو نسبه العائلي، ولكنه مرتبط بعد عون الله تعالى بإيجابياتنا وقوة عزائمنا وإصرارنا وجهدنا
العدد 10 - الأحد 15 سبتمبر 2002م الموافق 08 رجب 1423هـ