العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ

المطوّع... لم يطاوعه الزمن ولا هو أطاعه

نموذج آخر لعاطلي الخمس نجوم

الوسط - عبدالجليل عبدالله وضياء الموسوي 

06 أكتوبر 2002

اطمأن عبدالأمير المطوع إلى المادة السابعة من دستور مملكة البحرين الذي جاء فيه أن المملكة ترعى العلوم والآداب والفنون وتشجع البحث العلمي، فأخذ ينهل من العلم والمعرفة، حاصدا الشهادات الواحدة تلو الأخرى حتى بلغ أرقى الشهادات، وهي الدكتوراه، وهي الشهادة التي تعطي للباحث رخصة إمكانيته إجراء البحث العلمي بشروط علمية محكمة.

وعلى رغم ذلك، لم تنفع المطوع شهادته هذه، فهو بلا عمل منذ مدة، متسائلا «هل المستقبل للعلم أم للمحسوبيات؟». حصل المطوع على دكتوراه في الاقتصاد والتجارة بتأكيد من القرار الوزاري رقم 113/168-1/88 الصادر في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول من العام 1988، وذلك من مكتب وزير التربية والتعليم الأسبق علي محمد فخرو.

شهادته الممهورة بختم جامعة بونا في الهند، والحاصل عليها في يونيو/حزيران استوفت المعايير المعتمدة كافة لتقويم المؤهلات العلمية لدرجة الدكتوراه، ولكنه - وبعد 14 عاما من التخرج - لا يزال يبحث عن عمل.

حصل المطوع على البكالوريوس من جامعة «جبل هور» الهندية في العام الدراسي 73/1974 ثم أكمل دراسته للحصول على الماجستير في الاقتصاد في العام 1979، وعاد إلى البحرين ليعمل محلل بيانات في شركة أميركان إكسبريس لمدة عام واحد، ومن بعدها عمل محاسبا أول في وزارة الصحة، ولكن فكرة مواصلة الدراسة كانت تراوده طوال هذه الفترة، وحلم الحصول على الدكتوراه ما فتئ يجبره على التحول من الوظيفة إلى الدراسة... حاملا على كتفيه طموحات وأحلام الشباب، مسافرا إلى المملكة المتحدة للالتحاق بواحدة من أعرق جامعاتها وهي «لندن سكول» وذلك في العام 1980، وكان أمله تحسين وضعه وتحقيق طموحاته، على رغم المصاريف الكبيرة التي تحملها بنفسه في هذا السبيل.

يقول المطوع: «بعدما أجريت الامتحان التقييمي في «لندن سكول» تم إدخالي مباشرة إلى برنامج الدكتوراه، وبقيت هناك عاماَ كاملا قدمت فيه مشروع الرسالة والخطوط العامة لها، وفي العام 1981 ذهبت إلى الهند لاستكمال الدراسة بمرافقة أستاذي البريطاني الذي كان مشرفا على رسالتي».

في الطريق إلى الدكتوراه، توقف المطوع ليتخصص في فرع قريب من تخصصه وهو الماجستير في المحاسبة والإدارة وذلك في الفترة من 1981 وحتى 1983، ثم أكمل دربه للوصول إلى الدكتوراه التي نالها في مايو/أيار من العام 1988 وعاد من فوره إلى الوطن على رغم الإغراءات التي حاولت اعتراضه بالبقاء في الخارج والحصول على شهادة أستاذ مساعد في جامعة بونا.

عن هذه الشهادة يقول: «كانت الأطروحة تدور حول كيفية استغلال الموارد الطبيعية وتحويلها إلى موارد يستفيد منها المجتمع ككل، وأهمية التعاون بين دول مجلس التعاون في مجال النفط، أهمية توزيع عوائد النفط على أفراد المجتمع بالتساوي، ومن المستفيد حقيقة من عوائد النفط الحالية وكيف يمكن أن يتقاسم الثروة العدد الأكبر من أفراد المجتمع، وما على الدولة من خدمة مجتمعها المحلي أولا قبل التوجه إلى المجتمعات الخارجية، وإيلاء الأولوية إلى الطاقات والموارد البشرية، وتعديل النظام التربوي تبعا لذلك».

بعد وصوله إلى البحرين، قام المطوع بتقديم شهاداته إلى الوزارات التي اعتقد أنها سترحب بوجوده هنا، أملا في الحصول على الوظيفة المكافئة لشهادته، فشملت الجولة وزارة المالية والاقتصاد الوطني، مؤسسة نقد البحرين، جامعة البحرين وجامعة الخليج العربي، وفي هذه الأخيرة عمل أستاذا مساعدا لمدة عام كامل، فقام بتدريس النماذج الاقتصادية، ولكن ما أن مضت سنة ونصف السنة على بداية عمله معهم، في العام 1990، حتى أبلغته الجامعة بالاستغناء عن خدماته «وإلى هذه اللحظة لا أدري حقيقة سبب فصلي من الجامعة (...) ربما لأن (البعض) لا تتماشى معهم أطروحاتي الاقتصادية».

لجأ المطوع إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية، ووعده أحد المسئولين في ذلك الوقت إيجاد عمل مناسب له في إحدى الشركات.

مفصل الحديث لدى المطوع يرتكز على أنه تلقى اتصالا من شخص مرموق طلب لقاءه، وفي اللقاء سأله «الشخص» عن أطروحات الرسالة والأفكار التي احتوتها وما إذا كانت هذه الأفكار وراء عدم حصوله على عمل، سأله «الشخص» عما إذا تطرق في الدكتوراه لما يمكن أن يغضب أحد المتنفذين، وعما إذا كانت له مساهمات أو كتابات في الصحف أم لا، وإذا ما كان يحتفظ بكتابات لا تتماشى مع النظام «وكانت إجاباتي كلها بالنفي، لأنني أعمل في الاقتصاد والتحليل وليس في السياسة وما لها من مسارب لست معنيا بها».

في اليوم التالي من لقائه بهذا الشخص، قال له (الشخص) ان أحد الموظفين في الملحقية الثقافية في الهند كان قد تقدم إلى الحكومة بتقرير فحواه أن المطوع يتهجم على الحكومة في بحوثه، «كان ردي أنني كتبت في مجال الاقتصاد، وشرحت الأفكار التي اشتملت عليها الرسالة، ولكنني لم أتهجم على أشخاص أيا كانوا».

قال له «الشخص» نفسه: «هل هناك من استقبلك لدى عودتك من المطار قادما من الهند؟»

يقول المطوع: «استقبلني مدير الأمن في ذلك الوقت إيان هندرسون بترحاب كبير، وقدم لي الشاي، ولكنه احتجز جواز سفري وحقائبي، ولكن الحديث الذي دار بيننا كان وديا، تخللته أسئلة عن أصدقائي ورفقتي في البحرين وخارجها، ولأن ليس لدي ما أخفيه أو أخشى إظهاره، فقلت ما أعرف (...) بعد أيام أفرج عن جواز السفر والحقائب، وكذلك رسالة الدكتوراه بعدما أخذوا نسخة عنها». هذه الشخصية طلبت من المطوع إحضار أبحاثه وكتاباته للتأكد من صحة كلامه، وتم توظيفه من باب التعاطف معه في إحدى الشركات التابعة لهذا الشخص المهم الذي أخبره لاحقا أنه قرأ الأطروحة وجميع الكتابات ووجد أن ليس فيها أي تهجم على أحد، ولكن سوء الفهم كان لا يزال حجر العثرة.

«عرفت أن لا فرصة لي في الحصول على وظيفة لائقة في الوطن، وكان لزاما عليّ أن أتجه إلى الخارج فلربما صادفت حظا أفضل» يقول المطوع الذي ذهب إلى الإمارات العربية المتحدة فعمل براتب موظف عادي في وزارة التربية والتعليم التي لم تكن مستعدة لتوظيف ذوي المؤهلات العالية، وحصل على فرصة عمل «ممتازة» كما يصفها في العام 1992 في البنك المركزي في دولة الكويت، وأثناء توقيع الاتفاق الذي تلا الامتحان تم إبلاغه أنه سيخضع إلى مخصصات معينة على اعتبار أنه بحريني وليس مواطنا كويتيا، وطالت المناقشات مع المسئولين الكويتيين الذين وعدوا بالرد على المطالبات بعد أسبوع، فتوالت الأسابيع من دون طائل. من الكويت عاد إلى الإمارات وفي اتصال له مع البنك المركزي الكويتي أبلغ بأنه «حال غير مرغوب فيها»... اعتقد أنه بعد مضي كل هذه السنوات ستكون هناك نهاية للحظر الوظيفي الذي تعرض له، غير أنه لما عاد إلى البحرين في العام 1993، اعترض البعض في الوزارة على تعيينه كما يقول في وظيفة متقدمة لأنه لا يملك شهادة في التربية، لذلك قام بالتحضير لمرحلة جديدة وهي الحصول على دبلوم التربية، وناله في العام 1994، ودخل من جديد في آليات التقدم للحصول على وظيفة في الوزارة ذاتها، ولكن الوزارة طلبت منه أن يتقدم إلى امتحان مع مجموعة من الطلبة المتخرجين حديثا «ولكنني فوجئت أن الرسوب كان نتيجة امتحاني ذاك (...) قابلت الوزير وأعلمته بما حدث ولكن المراجعات كانت قد استغرقت العام كله ودخلنا في العام 1995 لأقدم امتحانا جديدا، بجانب الامتحان الذي أجريته أيضا في الاقتصاد، ونجحت في كلا الامتحانين».

ما المشكلة إذا؟

المشكلة كما يصفها المطوع كمنت في اقتراب موعد التعيين وتحديد التاريخ، وإذا بالوزارة ترد عليه بأنه لا يوجد احتياج لشغل وظيفة تناسبه في الوزارة.

«تسرب اليأس إلى نفسي» يقول المطوع «فلم أجد إلا العمل كمدقق حسابات في إحدى الشركات الخاصة في العام 1995 وبراتب قدره 400 دينار في الشهر لأنني توظفت عن طريق وزارة العمل والشئون الاجتماعية (...) رضيت بالهم الذي لم يرض بي، ففي شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي استدعاني مدير الشركة الذي لم يطل المقدمات وأخبرني بأن الشركة تمر بوضع مالي صعب وأنهم قرروا خفض النفقات، وتقليل راتبي، وعلى رغم موافقتي مضطرا على هذا الإجراء إلا أنهم استغنوا عن خدماتي بشكل كلي». لم تنته مأساة المطوع عند هذا الحد، لأنه عندما ضاقت به السبل أرسل خطابا إلى صاحب العظمة ملك البلاد يشكو فيه الحال وما وصل إليه من تدهور لا يليق بأي مواطن، كيف والحال يرتبط هنا بأحد حملة الشهادات العليا، فأرسل الديوان الملكي خطابا في ديسمبر/كانون الأول إلى وزارة التربية والتعليم ليتم توظيفه فيها، ولكن الوزارة لم تعر التفاتا إلى الشهادات والدراسات والامتحانات السابقة التي قدمها الرجل، فطلبت منه الانتظام في امتحان جديد، وقبل الامتحان بفترة قصيرة علم أن الممتحنين تم تقسيمهم إلى مجموعتين، إحداهما تمتحن باللغة العربية والثانية باللغة الإنجليزية «عندما علمت بهذا التقسيم وأنني سأمتحن باللغة العربية، حاولت أن أغيّر المجموعة لأنني درست وتعلمت وأخذت الشهادة باللغة الإنجليزية، ولكن من دون جدوى، فأرغمت على دخول الامتحان الخاص باللغة العربية، فواجهت مصطلحات لم أعهدها، وأسئلة لم يقصد منها إلا التعجيز، وأسئلة في الإدارة وإقحام مسائل رياضية لا علاقة لها بالسؤال».

لا نحتاج إلى كثير ذكاء لنعلم أن المطوع لم يستطع اجتياز هذا الامتحان، كما أنه علم أن جميع من تقدموا لامتحانات اللغة الإنجليزية نجحوا بينما رسب كل من تقدموا للامتحانات التي أجريت باللغة العربية، وعند مراجعة المسئولين ليشرح لهم ما حدث من التباس قيل له بالحرف الواحد: «يؤسفنا أننا قد اخترنا الممتحنين باللغة الإنجليزية، أما الآخرون فلم يوفقوا».

حاول المطوع لقاء وزير التربية والتعليم ولكن الوزير في إجازة، الوكيل لم يقابله إلى اليوم، ولا يزال الرجل في دوامة لا تنتهي.

المأساة التي تقترب من تركيبة الأفلام التي يشعر البطل فيها أن العالم بأسره يتآمر عليه، يلخصها المطوع في سوء فهم، وفي رسالة أبلغت لذوي الشأن مفادها أنه لم يتحدث في السياسة من خلال أطروحاته، في وقت كانت فيه السياسة والحديث فيها ضربا من المحرمات، ويعتقد أن كل ما جرى ويجري له يقع ضمن هذا الإطار، فيقول: «لم أدخل السياسة... وليس لدي انتماء سياسي، وكتاباتي كلها لم تتعرض لهذا المفهوم بأي شكل من الأشكال... عملي يتمحور حول الأرقام والتحليل... لست معنيا بما يريده المشتغلون بالسياسة... سياستي الوحيدة هي أن لي أسرة وعيالا وأريد لهم ولي أن ننعم بالهدوء والطمأنينة كأي مواطن يسعى من أجل الحياة الكريمة»

العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً