من بين الدراسات الاكاديمية وقعت بين ايدينا رسالة ماجستير غير منشورة تمت مناقشتها أخيرا في كلية اللغات /جامعة بغداد قسم اللغة العبرية للباحث العراقي صباح الكبيسي حملت عنوان «العقيدة اليهودية وأثرها في الادب العبري الحديث»، ونظرا لحيوية الموضوع وأسلوب معالجته العلمية آثرنا عرض اهم مضامينها التي كشفت المغالطات العقائدية للصهيونية واسلوب التسميم السياسي الذي تتبعه عبر الادب لتكريسها. وقد اعتمد الباحث في معالجته لموضوع دراسته على المعتقدات والشرائع والافكار التي يعتنقها اليهود على مر الاجيال، وأهم تلك المصادر العهد القديم بتحريفاته وتزييفه والتلمود الذي يضم تفسيرات وشرح حاخاماتهم لتعاليم العهد القديم باعتبارهما المصدرين الرئيسين لكل المعتقدات والشرائع والتراث الديني والادبي اليهودي كما تأتي بالدرجة الثانية كتب اخرى مثل «الزوهر» و«شولحان عاروخ» وما إلى ذلك.
ولأهمية العهد القديم المحرف في تأصيل الافكار الصهيونية يقوم الباحث باستعراضه من حيث اللغة واسفاره ونزوله وتدوينه وغيرهما من امور تتعلق بهذا الكتاب ليقف القارئ على حقائق الامور. ينتهج الباحث الاسلوب ذاته مع التلمود الذي يشكل المصدر او الاساس الثاني الذي تنّهل منه الصهيونية افكارها وتعتمده اعتمادا في مجمل مفردات سياستها ازاء الشعوب الاخرى والذي هو مجموعة من القواعد والوصايا والشرائع والتعاليم الدينية والادبية والشروع والتفسيرات والروايات المتعلقة بدين بني اسرائيل وجنسهم على مدى التاريخ اذ يحاول الباحث ان يقدم صورة للقارئ عن معناه مصطلحا واقسامه الاساسية «المشناه والجمارا».
كذلك سعى الباحث إلى تذكير القارئ بوجود التلمود البابلي الذي كتبه حاخامات اليهود ابان الاسر البابلي وتعريفه وتدوينه وطبعاته، والتلمود الاورشليمي «المقدسي» الذي كتبه اليهود في فلسطين وتقديم فكرة مفصلة عنه.
اما الفصل الثاني من هذه الاطروحة فإنه ينصب على العقيدة اليهودية وما تحتويه من افكار دينية كيّفها اليهود حسب اهوائهم وميولهم وهم يحاولون تطبيقها بوصفها «وصايا سماوية» أو انها قد امر الرب بتطبيقها على حد ادعائهم، منها فكرة تشييد الهيكل المزعوم ومفهوم الوحي عند اليهود والنبوة والانبياء وبعض المعتقدات التي يتشبث بها اليهود بدفع من الصهيونية والحركة الصهيونية لكونها تنسجم مع الطروحات الصهيونية العالمية مثل «شعب الله المختار» وما يسمى بـ «الخلاص» و«المسيح المنتظر» والتزمت الديني المزعوم وتطبيق قدسية يوم السبت والالتزام بالاحتفاء بالاعياد اليهودية المتزايدة. والشيء الجميل في هذا المجال ان الباحث وهو يستعرض هذه الامور فانه يركز على الادعاءات اليهودية في هذا المجال ويحاول تفنيد مشروعيتها وانها من وحي الاحلام الصهيونية المريضة بغية تبصير القارئ بحقائق الامور ومناقشتها وفق المنطق والدلائل القيمة. ثم يأتي الفصل الثالث الذي يعد بحق تجسيدا لكل ما قدم له الباحث من تعريفات ومقدمات بشأن مصادر العقيدة اليهودية والعقيدة ذاتها في المجال الادبي الذي استغلته الصهيونية من خلال الترغيب والترهيب لابناء جلدتهم من الادباء لضرورة حث اليهود الموجودين في انحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها. أو من خلال ترصيع اعمالهم الادبية ببعض الافكار التوراتية او التلمودية وببعض الخرافات التي تروج لها الصهيونية منذ انطلاقها بما ينسجم وكل طروحاتها على هيـئة رموز ادبية أو واقعية. لذلك يقول الباحث بخصوص هذا الموضوع: في دراستنا هذه نريد ان نستشف ملامح التأثير المبعوث والمنثور في مساحات واسعة من الأدب العبري الحديث بالعقيدة الدينية اليهودية التي شكلت وطوعت ورسمت الملامح الشخصية والنفسية والأخلاقية للفرد اليهودي على مر تاريخه، ونحاول أن نثبت ذلك من خلال بعض الأعمال الأدبية شعرية كانت أو نثرية لمختلف الأدباء اليهود وكيف كان لالتزامهم العقائدي وتفكيرهم الديني الأثر البالغ والظاهر في معظم أعمالهم الأدبية. إن كان ذلك عن طريق صوغ هذه الحقائق والأفكار في قوالب وأعمال ظاهرة جلية لا تحتاج في فهمها وبيانها الى جهد كبير او استعمال الرموز والاشارات وصور التأويل والتورية لإيصال ما يجول في خاطر الأديب الى المستمع أو القارئ او لإيصال فكرة او استشارة مهمة او لفت نظر لما يريده الأديب من المتلقي».
ويقدم الباحث إحصائية بسيطة لمجموعة من الادباء اليهود الذين ورد ذكرهم في أحد الكتب الأدبية الذين تلقوا تعليما دينيا تقليديا او منهم من كان ابوه حاخاما او كاهنا او كان ينتمي إلى اسرة حسيدية مترفة دينيا، إذ وجد سبعة عشر أديبا ينتمون إلى هذه الفئة من بين واحد وعشرين. وقد يعد ذلك دليلا بسيطا على مدى التزام هؤلاء الأدباء بالافكار الدينية والأمور العقائدية في مجال أعمالهم الأدبية وركز الباحث على دراسة موضوع الأثر الفكري للعقيدة الدينية اليهودية في الأدب العبري الحديث من خلال تناول ثلاثة أمور أساسية هي:
1- استخدام فكرة او قصة او حدث ديني مقرائي او تلمودي.
2- استخدام رموز عقائدية وأسماء دينية ومواسم وأعياد دينية.
3- توظيف عقيدة دينية في عمل أدبي.
واستشهد الباحث بالكثير من الادباء اليهود الذين جسدوا هذه الامور في أعمالهم الادبية أمثال موشى حاييم لوتساتو، وشالوم هكوهين، والشاعر غرينبرغ، واسحق لمدان، وبرديجفسكي، وناتان الترمان. إلا أنه يقدم «مثالا على ذلك من قصيدة للشاعر شاؤول تشرنخوفسكي تحت عنوان «يقولون ان هناك أرضا» أما بخصوص استخدام الرموز العقائدية واسماء دينية وما الى ذلك فإن الباحث يورد مثالا بالأديب حاييم نحمان بياليق من خلال كثير من قصائده وأشعاره. وبشأن الاعياد والمواسم الدينية فإن أعمال القاص العبري شموئيل يوسف عكنون تطفح بالاشارات والرموز لتلك الامور العقائدية اليهودية. ويحاول الباحث إبراز توظيف عقيدة دينية ما في قصيدة او قصة وما إلى ذلك، او يستشهد بأعمال الشاعر نتنياهو سوام الذي تمتاز قصائده بتأثرها بالعهد القديم. ثم يشير إلى عقيدة «المسيح المنتظر» او ما يعرف بـ «الخلاص المشيحاني» في عمل من أعمال الأديب مندلي موخير سفاريم. كذلك يورد الباحث امثلة من أعمال شموئيل يوسف عكنون وحاييم هزاز التي تتضمن هذه العقائد التي تشجع عليها الصهيونية لتثبيت أفكار ليس لها وجود سوى في أحلام وأفكارالصهاينة
العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ