العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ

«ليني ريفشتهال» تغلبت على «غوبلز» وحققت للنازية اقوى أفلامها

هل كانت عشيقة هتلر؟ اسرار في حياة امرأة استثنائية

قبل أسبوعين، احتفلت الصحافة العالمية واوساط السينما بالسينمائية والمصورة الالمانية ليني ريفشتهال بمناسبة بلوغها المئة من عمرها. ومن جديد ثارت الاسئلة الفضولية عن ليني وعن علاقتها بهتلر ( الذي يقول البعض انها كانت عشيقته) وبالنازية (التي تقول هي انها كانت على تناحر دائم مع رجالها الذين كانوا يكنّون لها كراهية عميقة ولاسيما غوبلز). وهكذا عادت الالغاز من جديد وعادت الاسئلة من جديد عن امرأة هادنت النازية وتمكنت من البقاء خلال سطوتها، واعتقلها الحلفاء بتهمة النازية لكنها تمكنت من الافلات من معتقلاتهم، فما السر وما حكايتها؟ اطلالة على ليني وحياتها.

مهما يكن الأمر، فإن ليني ريفشتهال التي توقفت الصحافة فقط عند علاقتها بهتلر وعند خدماتها الفنية للنازية، خلال فترة معينة من شبابها، وحقبة مضى عليها الآن أكثر من ثلثي القرن، كانت خمس نساء في امرأة واحد، فهي كانت سينمائية ومصورة وراقصة وممثلة اضافة إلى المهنة التي لا تزال تمارسها حتى اليوم، على رغم سنواتها المئة: الغطس تحت الماء لتصوير اعماق البحار وما فيها من مشاهد رائعة، واذ تسأل ليني عن المهنة التي احبتها اكثر من بين هذه المهن تقول: «الرقص. ذلك انك لكي تمارس الرقص عليك ان تكون وحدك. وعليك أن تلجأ إلى تقنيات تنبع من داخلك لا من الخارج. في الرقص تكون مستقلا 100 في المئة. الرقص هو الذي يسمح لك بأن تعبّر عن كل ما تشعر به، عن خيالاتك، قوتك، ارادتك، احلامك... كل ما هو قادر على الخلق في داخلك...».

ولا يأتي كلام ليني هنا اعتباطا. اذ من المعروف انها خلال موسم 1923 - 1924 قامت ببطولة استعراضات راقصة قدمت في سبعين حفلة. ويومها اثنى عليها النقاد كثيرا... وكان ذلك قبل أن تتحول إلى العمل في السينما، السينما جاءت لاحقا، وتحديدا بعدما قامت بالتمثيل في استعراض للمسرحي اليساري ماكس ريتهاردت، واذ سقطت اصيبت برضة في قدمها منعتها من مواصلة الرقص. وتحولت إلى التمثيل السينمائي لتظهر في فيلم عنوانه «الجبل المقدس...»، ثم انتجت واخرجت فيلم «الضوء الأزرق» الذي مثلت فيه ونالت عنه الجائزة الثانية في مهرجان «البندقية» في العام 1932. وبعد ذلك بفترة قصيرة كان لقاؤها الاول مع هتلر. وعلى الفور طلب هذا منها ان تعمل، سينمائيا لصالح قضيته. وكانت البداية، اذ مع فيلم «انتصار الارادة» الذي جعل لها على الدوام تلك السمعة النازية التي سترافقها. لكن ليني تقول الآن انها لم تكن نازية ابدا. وان كل ما فعلته انما هو تصوير من دون اي تعليق. ولقد قالت لاحقا انها تعمدت ان تنتزع من المشهد الذي يصور اكبر واول اجتماع نازي عقد في نورمبورغ، كل اللقطات التي تصور خطابات هتلر النازية ضد اوروبا وضد اليهود. وهي تذكر اليوم بأن الفيلم عرض في جميع انحاء العالم بما في ذلك اميركا، وان روكفلر اعاد توليفه وعرضه في اميركا اللاتينية، مؤكدة ان لويس بونويل، الموهوب السوريالي اليساري، هو الذي اشرف على اعادة التوليف. ومع هذا ربط الجميع بين اسم ليني ريفشتهال واسم هتلر، ورأى البعض انها كانت عشيقته. وهي تنفي هذا اليوم لتؤكد انهما كانا صديقين وانها كانت معجبة به، على المستوى الشخصي وليس كثيرا على المستوى السياسي.

«نازية» في أميركا

في العام 1936، وبعد الميدالية الذهبية التي فازت بها في «البندقية» عن «انتصار الارادة» طلب هلتر من ليني ان تحقق فيلما تسجيليا عن الالعاب الاولمبية في برلين، وطلب من السلطات ان توفر لها الامكانات اللازمة. واليوم اذ تتذكر ليني ذلك العمل تقول: «لقد كان هذا الفيلم سبب اول صدام قام بيني وبين غوبلز. فالحال انني في الفيلم اردت ان اصور اداء الابطال الاميركيين السود، لكن وزير الدعاية النازية غوبلز رفض ذلك. فشكوت الامر إلى هتلر، الذي طلب من غوبلز ان يكف عن ازعاجي. وهكذا، ظهر فيلم «آلهة الملاعب» متضمنا، امام دهشة العالم تمجيدا للرياضيين السود...».

وفي العام 1938 توجهت ليني الى الولايات المتحدة للاشراف على توزيع الفيلم هناك، لكن المخرج الالماني الاصل فريتز لافغ نظم حملته لمقاطعتها. ونجحت الحملة وخصوصا حين تدافع الصحافيون لطرح الاسئلة استفزازية عليها، معتبرينها الناطق الرسمي باسم النازية «... وهكذا لم يستقبلني احد سوى والت ديزني وكيغ فيدرو وديزني ارني في ستديوهاته يومها وشرح لي تقنيات سينماه، وعبّر عن امله في أن نعمل معا ذات يوم» ولكن اليوم لم يأت أبدا. اذ منذ ذلك الحين التصقت بليني ريفشتهال سمعتها كنازية. ولكن اليوم يحلو لها أن تعيد وتكرر انها لم تكن نازية. كل ما في الامر انها صادقت هلتر. «لكني كنت على عداء تام مع رجاله الذين كانوا يكرهونني، ولا سيما البيرت سبير وجوزيف غوبلز، لقد كان هتلر هو الذي اختارني شخصيا للعمل السينمائي معه. وهذا ما جعلني اشتغل مع تقنيين كان غوبلز يعتبرهم ملكا شخصيا له، وكان هو وزير الدعاية، وكانوا هم موظفين في وزارته واعضاء في حزبه. وانا لم اكن عضوا في الحزب وهو امر ذكره غوبلز امام هتلر فقال له هذا الاخير: حسنا. انا اريد فنانا. ولا أريد عضوا في الحزب يحقق شرائط دعائية وحسب». ولقد قالت ليني لاحقا إن النازيين كانوا يرون أن امها من اصول يهودية. ولكن هتلر اكد لهم ان ذلك «كان مستحيلا» أما غوبلز فكان يرى ان ليني تمثل عقبة في طريقه، كذلك فإن زوجته تكرهها كثيرا. ولهذا ، وعلى رغم حماية هتلر لها، لم يتوقف غوبلز وزوجته عن ازعاجها. فكانا يطلبان من العاملين معها التغيب عن العمل. وكانا يمنعان معاونيها ، خلال تصوير «آلهة الملاعب» من دخول الملاعب وما إلى ذلك.

لكنها انتصرت في النهاية، وظلت تحتفظ بذكرى «جميلة» لتجارب هتلر معها.

فهل أحزنها مصيره لاحقا؟ سؤال تفضل ليني ألاّ تجيب عليه. بل تفضل ألاّ تقول حرفا زائدا عن حقيقتها بهتلر. اما اذا قلت لها إن ثمة من المؤشرات ما يدل على انها كانت عشيقته فتكتفي بالابتسام.

ثم تنتقل إلى موضوع آخر اثير لديها: موضوع النوبة، تلك المنطقة الافريقية العربية التي زارتها لاحقا وحققت عنها ريبورتاجات مصورة مكنت العالم من اكتشافها واكتشاف ما فيها من جمال بشري وطبيعي. لكن عملها في النوبة لم يأت بعد الحرب مباشرة. بعد الحرب كان اعتقال الحلفاء لها بتهمة التعاون مع النازية، وكانت سنوات سجن خرجت من بعدها امرأة اخرى... وهو عند ذلك لكي تفلت من ماضيها وتنساه، سافرت إلى النوبة «الى حيث توجد اجساد بشرية تذكرني بالاجساد الرائعة التي صورتها في «آلهة الملاعب»، اي اجساد الرياضيين بالنسبة إليّ، في لغة الجسد، ليس هناك اسود وابيض او اصفر، هناك بشر وتقاطيع جميلة».

وبهذا القول تؤكد ليني وقوفها في تعارض تام مع النازية، مذكرة بأن تصويرها للرياضيين الاميركيين السود في السابق جر عليها غضب غوبلز ونازيته.

النوبيون أحبوها

اليوم تقول ليني حول زيارتها للنوبة واقامتها طويلا بين النوبيين: «لقد كانوا الوحيدين الذين اسقبلوني ورحبوا بي. لقد أحبوني كثيرا، وكان اطفالهم يركضون نحوي مهللين كلما رأوني. ان هذا الشعب، الذي كان في ذلك الحين اكثر شعوب افريقيا بدائية، تبناني تماما وشعرت انني هناك بينهم واحدة منهم. وهم لم يفسدوا حياتي... بل جمّلوها كما جمّلوا حياتهم هم الذين يحبون الرقص والصيد والغناء يحبون الحياة...». ولقد اسفر لقاء ليني بأهل النوبة عن كتابين مصورين رائعين صدرا عند اواخر سنوات الخمسين، واثارا ضجة كبيرة في اوروبا... واروبا التي احست عند ذلك فقط انها تكتشف النوبة مع انها سيطرت عليها لفترة طويلة من الزمن. ومع شغلها على النوبة، نصوصا وصورا تمكنت ليني من محو صورتها الماضية. ومن جعل الناس ينسون، ولو الى حين، علاقتها بالنازية. «كانت عودة رائعة الى الحياة الفنية، والى الحياة كلها» كما تقول اليوم. وكان من جراء ذلك ان مجلة انجليزية مصورة كبيرة كلفتها في العام 1972 . بأن تصور الالعاب الاولمبية في ميونخ عامذاك فحققت صورا رائعة. ولكنها اذ تُسأل اليوم عن ما كان عليه موقفها ازاء قتل فدائيين فلسطينيين لرياضيين اسرائيليين، تقول ان ليس لديها تعليق على ما حدث «انها سياسة... وانا قررت منذ اعتقالي بعد الحرب ألاّ اتكلم في السياسة» وهي لكي تمضي في الابتعاد عن السياسة اكثراكتشفت في العام 1972 نفسه هواية الغطس تحت الماء في اعماق البحار والمحيطات. وكانت في الثانية والسبعين حين نالت اجازة الغطس بفضل تزويرها اسمها ( الذي تحول الى هلين جاكوب) وعمرها ( الذي صار في الاوراق الرسمية خمسين سنة).

ومنذ ذلك الحين لا تتوقف عن الغطس، ولا سيما في مياه البحر الاحمر (جنة الغطاسين في العالم) كما في مياه بحر الكاريبي. وهي تعود من رحلات الغطس دائما بأروع الصور وبأروع الافلام.

فهل معنى هذا ان اعماق البحار الرائعة «ذات اللون الأزرق المخضر، والصمت العميق»، كما تقول، عرفت كيف تُنسيها ماضيها؟

اذ تسأل ليني ريفشتهال اليوم هذا السؤال تفتح عينيها وتقول بمكر: «ولماذا تريدون مني ان انسى؟ انا لم افعل شيئا، لم اقتل شخصا... كل ما في الامر انني مارست عملي الفني ، في افلام وصور ونصوص... لا اعتقد انني نادمة على تحقيق اي منها...».

اليوم، وقد تجاوزت السنوات المائة من عمرها، تبدو ليني هادئة، واثقة من نفسها، ولا تزال قادرة على المرح والسخرية، وعلى تذكر القرن العشرين ودورها فيه... على رغم كل شيء

العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً