العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ

يوم أنقذ صاحب... «دكتور جيفاغو» صديقه من الإعدام

حديث هاتفي ذات ليلة بين باسترناك وستالين

حكاية تلك المكالمة الهاتفية التي جرت بين ستالين وبوريس باسترناك في العام 1934، أي قبل نحو عشرين عاما من كتابة «دكتور جيفاغو» رواها باسترناك بنفسه لكاتب تشيكي صديق له هو ايفو فليشمان، ورواها بدوره في دراسة طويلة نشرها عن صديقه الكاتب الروسي الكبير. وجاءت رواية فليشمان، على لسان باسترناك بالشكل الآتي:

«منذ البداية قال باسترناك عن ستالين: «في الحقيقة بدا لي الرجل كئيبا. مثل مجرم غير قادر على تصديق وادراك أنه مجرم حقا، وانا حدثته، هاتفيا في لحظة كان فيها مصير صديقي الكاتب او سيب ماندلستام معلقا بين الحياة والموت. يومها، وبعد ان امضيت نهارا كئيبا عدت ليلا إلى الشقة التي ظللت اشغلها بعد رحيل أسرتي إلى انجلترا. وكانت تلك الشقة، في الماضي، موزعة على عدد من الأسر والممر الذي كان الهاتف موجودا فيه كان دائما مشغولا من قبل اناس بالكاد اذكر اني كنت شاهدتهم قبلا. ولذا لم ألق أي بال له حين راح يرن، بل توجهت إلى غرفتي. ولكن بما ان الرنين لم يتوقف، خرجت وأخذت سماعة الهاتف.

«قبل ذلك بفترة، كنت قد قمت بزيارة بوخارين، الذي كان في ذلك الحين مديرا لصحيفة «البرافدا» لكي ابحث معه مصير ماندلستام، وارجوه أن يتدخل لإنقاذ ذلك الصديق الذي كنا جميعا نعرف ان وضعه في منتهى السوء والحقيقة ان ماند لستام كان نشر قصيدة صغيرة يهاجم فيها وضعية الامور في الاتحاد السوفياتي ويطاول الرفيق ستالين شخصيا. وفي اطار ذلك الزمن كانت القصيدة شديدة الجرأة، بل تنم عن جنون مطبق، وبوخارين، الذي كان معجبا بأشعاري وعدني يومها بأن يتدخل، وانا على رغم انني كنت اعرف ان ماندلستام هو كاتب تلك القصيدة التي نشرت غفلا من التوقيع، انكرت بشدة ان يكون هو كاتبها.

«اذا، حين امسكت سماعة الهاتف في الشقة، تلك الليلة، تناهى إليّ على الفور صوت انثوي يسألني: «هل انت المواطن باسترناك؟» فلما رددت بالايجاب طلب اليّ الصوت ألا اترك سماعة الهاتف، لأن الرفيق ستالين يريد التحدث اليّ. اعتقدت ان في الأمر مزاحا ما، فأغلقت الهاتف وبعد لحظات رن من جديد فالتقطت السماعة وكلي غيظ لأقول لمن يسمعني: «آلو... هنا الكرملين... ارجو ان تدعوني في سلام وسط هذا الليل»، فما كان من محدثتي إلا أن قالت بكل هدوء وصرامة ومن دون أن يرتعش لها صوت: ان الرفيق ستالين يريد التحدث إليك».

«وفور ذلك حدث ما لم يكن في الامكان تصديقه: سمعت الصوت الذي كان، في الحقيقة، مألوفا لكل الذين عاشوا زمننا في روسيا. بل أن الرفيق ستالين دخل في موضوعه على الفور: «ايها الرفيق باسترناك... انت تزعم ان ماندلستام هذا لم يكن هو الذي كتب القصيدة الساخرة التي تنسب إليه. ومع هذا اقول لك انه هو الذي كتبها». شعرت فورا بالاضطراب، ورحت اشرح للزعيم بالتفصيل والاسهاب انه من المستحيل لإنسان له موهبة ماندلستام وشاعريته، أن يكتب قصيدة ذات رنة سياسية، وخصوصا وأن ماندلستام لا يهتم أيما اهتمام بالشئون السياسية، سألني ستالين: هل هو صديق لك؟ وحين اكدت له ذلك، قال سيد الكرملين بصوت رتيب: «اسمع ايها الرفيق. صدقني انني لو حدث لي شيء مثل هذا لأدرت ظهري إلى الجدار بدلا من صديقي، ووجدتني على الفور اعتمد على الجواب، فقلت لستالين: «وهذا ما افعله حقا ايها الرفيق ستالين... كيف هذا؟ سألني. فأجبته: «بالتحدث اليكم». وتلا هذا فترة صمت قصيرة سمعت بعدها الزعيم يضحك ويقول: «صديقك هذا... هل تعتقد أنه شاعر جيد؟»، فاجأني هذا السؤال ورحت اشرح للرفيق ستالين رأيي في الشعر وتصوري له بشكل عام. ومن المرجح أن الرجل عند الجانب الاخر من خط الهاتف كان يصغي إليّ بصمت وهدوء. وحين خيل إلي انني انتهيت من عرض نظريتي طلبت من زعيم امتنا ان التقيه لكي اتمكن من التحدث إليه مطولا. فقال: «بخصوص اي موضوع؟» فقلت له: «موضوع الحياة والموت». وبدلا من ان اسمع صوته هنا، سمعت الهاتف يغلق من الناحية الاخرى من دون انذار. وبعد ايام قليلة اطلق البوليس سراح ماندلستام»

العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً