كانت البحرين أرضا غنية بموقعها... أرضها... زراعتها... تجارتها و لؤلؤها الوفير، تلك الأرض المقدسة والطاهرة لدى الدلمونيين، كانت ومنذ بداية تاريخها مطمعا للغزاة، حيث بدت مثل الكعكة التي يرغب فيها القريب والبعيد... العربي والفارسي، البرتغالي والتركي والبريطاني. وموضوعنا يتعلق بمطامع العثمانيين الأتراك في البحرين وغزوهم لها في سنة 1559م. ففي تلك السنة كانت البحرين تحت حكم ملوك هرمز و كانت العلاقة قد بدأت منذ أكثر من ثلاثة قرون وبالتحديد في سنة 1230م. حكم ملوك هرمز البحرين ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة حين أخذوا البحرين من الجبوريين في منتصف سنة 1521م واستمر حكمهم لها حوالي 80 سنة حين أخذها الصفويون سنة 1602 م، وفي سنة 1529 م قام الملك الهرمز توران شاه محمد شاه، ابن مظفر الدين مهار توران شاه، بتعيين حاكم قدير على البحرين وهو جلال الدين مراد محمود شاه والذي حكمها من سنة 1529م وحتى مقتله سنة 1577م.
أسس جلال الدين أسرة حاكمة في البحرين باسم أسرة «برانغار» أي السواحلي، وحكم من بعده ابنه الأول كمال «جمال» الدين محمود مسعود شاه حتى مقتله سنة 1602 م ومن ثم ابنه الثاني أمير يوسف شاه حتى مقتله في معركة ضد المحاولة الأخيرة للبرتغاليين لاستعادة البحرين سنة 1605م.
هذه الأسرة لم تسكن القلاع بل سكنت قرية عالي، وتذكر الوثائق أنها كانت تعيش في المنطقة المذكورة سنة 1629م.
ضم العثمانيون الإحساء الى ملكهم سنة 1550 م ومنذ ذلك الوقت طمعوا في البحرين. ففي السابع من يونيو 1559م، وصل الجيش العثماني الى البحرين بقيادة مصطفى باشا والي الإحساء، وكان الجيش مؤلفا من سفينتين كبيرتين بالإضافة الى 70 سفينة صغيرة و 1200 جندي بينهم 200 فارس و 400 من الإنكشارية و البقية من حاملي البنادق وحرس السلطان.
نزل العثمانيون بالقرب من قلعة البحرين وبدأوا حصارهم للقلعة، وكان حاكم البحرين جلال الدين قد جهز نفسه و البلاد لهذا الغزو حيث عسكر بقواته المكونة من 400 جندي فارسي جلبهم من منطقة «فال»، جنوبي فارس وهي موطن أسرته، بالإضافة الى قوة من البحرينيين بقيادة أحد زعماء البلاد، وقد بدا الفارق بين الجيشين كبيرا، فلم يخرج لهم جلال الدين حتى وصلت البحرية البرتغالية من هرمز بعد عشرين يوما «27 يونيو» وقد ضمت 22 سفينة كبيرة، وقد عمد البرتغاليون الى إحراق عدد من السفن الصغيرة الراسية بـ «فرضة» المنامة و توجهوا الى الإحساء حيث انضمت اليهم قوة برتغالية أخرى. عندما علم البرتغاليون ان العثمانيين قد بعثوا قوة اضافية الى البحرين قوامها 700 جندي، أبحروا اليها و بلغوها في 9 يوليو 1559م وقاموا بإحراق سفينتين عثمانيتين أمام القلعة. وكان الجيش العثماني قد عسكر بجنده على بعد 600 متر غربي القلعة بالقرب من قرية «كرّانة» وحدود قرية «جد الحاج» وذلك حتى يكون الجيش بعيدا عن مجال مدافع القلعة وكان ذلك في 27 يونيو.
عند نزول الجيش البرتغالي اقترح على جلال الدين أن يخرجوا لقتال العثمانيين الا انه خالفهم الرأي وطلب منهم ترك العثمانيين في البحرين وشأنهم دون حرب، لأن طبيعة مناخها الحار والرطب كفيل بإفنائهم، مادفع البرتغاليين الى الرفض، وتشكل الجيش البرتغالي على هيئة تنظيمية عسكرية تعرف بـ «المربع الاسباني»، وهو تشكيل فعال للمواقع الكبيرة والمكشوفة. وانضم جلال الدين مع 300 من جنوده الى الجيش البرتغالي وكانوا في مؤخرة الجيش عند وصول البرتغاليين الى قرية «هربديه» حيث جرت معركة صغيرة فر خلالها العثمانيون، الا ان فرارهم كان تكتيكا و خدعة لم ينتبه لها البرتغاليون، اذ كان العثمانيون قد عسكروا بـ 200 من جنودهم - حاملي البنادق - و كمنوا بين النخيل بالقرب من قرية «نور جرفت».
عند وصول البرتغاليين الى موقع الكمين بدأ اطلاق النار من قبل العثمانيين، سقط على إثره عدد من الجنود البرتغاليين بينهم قائد الجيش، وبدأت الفوضى تدب في المعسكر البرتغالي، وهنا تدخل جلال الدين متقدما بجيشه المكون من 300 جندي و قاتل العثمانيين في محاولة منه لإيجاد غطاء يؤمّن انسحابا للبرتغاليين.
عرف العثمانيون ما كان يعرفه جلال الدين ومن وقتها لم تدر أي معركة، حيث ترك العثمانيين وشأنهم بعد أن فرض على البلاد طوقا من الحصار منع وصول الإمدادات اليهم. بدأت المفاوضات بين الطرفين واستمرت طويلا وحدث ماكان متوقعا. أرهق العثمانيون من صيف ورطوبة البحرين، واستبد بهم الجوع وبلغت بهم الأوضاع أن تنازلوا عن بنادقهم للجنود الهرمزيين لقاء ما يسد رمقهم، وذكرت المصادر ان العثمانيين عمدوا الى أكل الأعشاب البرية.
مع بدء شهر أكتوبر/ تشرين الأول، زحف موسم الأوبئة حيث دب السأم في الجنود العثمانيين، وفي نهاية الأمر رحل من تبقى منهم الى « القطيف « بعد أن دفع والي الإحساء مبلغا يصل الى 12 ألف عملة ذهبية - 100 ألف عملة فضية، وأسفرت أوضاع الجيش العثماني عن هلاك 1600 جندي تكفلت بهلاكهم حرارة الطقس والرطوبة، هذا عدا عمن قتل في المعركة.
ومن جانبي حاولت ومنذ سنوات العثور على مقبرة العثمانيين وفي اعتقادي انها تقع في منطقة قبل قرية «كرّانه» و ما بعد «جد الحاج»، وهي منطقة صغيرة دفن فيها الجنود العثمانيون الذين يقدر عددهم بـ 1700 جندي كما أشرت آنفا
العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ