العدد 68 - الثلثاء 12 نوفمبر 2002م الموافق 07 رمضان 1423هـ

مغاور كارلسباد حفرتها الطبيعة من تحت

نيو مكسيكو - ريتشارد بنكه 

12 نوفمبر 2002

تثير «الغرفة الكبيرة» في مغاور كارلسباد، والتي تسع لستة ملاعب كرة قدم وسقفها بعلو مبنى من 30 طابقا، الرهبة في نفوس الزوار، إلا انها تشكل لغزا مستعصيا على الحل لعلماء البيولوجيا.

منذ عشرات السنين يقول المرشدون للزوار ان المغارة بما فيها من تشكيلات الجبس، تشكلت بفعل ترشح الحامض الكربوني نقطة بعد نقطة وبلا هوادة ونخره الصخر الجيري في عملية تفاعلية نادرة مسئولة عن خمسة بالمئة فقط من الكهوف في العالم.

ولكن، أين ذهبت تلك الصخور؟

في معظم المغاور التي تتشكل بهذه الطريقة، تجرف الأنهر الباطنية الرواسب. إلا أنه لا توجد مجاري مياه جوفية في مغاور كارلسباد.

والقصة التي يرويها العلماء للسياح بدت غير معقولة للعاملة كارول هيلال الجيولوجية في جامعة نيو مكسيكو.

وتقول هيل: «أكثر ما أثار حيرتنا ضخامة الكهف. إن مغارة كارلسباد هي أكبر القاعات الكهفية في أميركا الشمالية ما يعني أن كمية ضخمة من الصخور الكلسية قد جرفت. والقاعة موجودة في مكانها ولا تذهب إلى اي مكان آخر».

والسر كان «تحت أنوف» العلماء على الدوام. وقد طبع تفسير قديم على يافطات الارشاد في ممرات المغاور التي يزورها حوالي نصف مليون زائر سنويا: يقول أن الحامض الكربوني قد رشح إلى الصخور الكلسية مع مياه الامطار وسبب تآكل كل تلك الصخور».

غير أن هيل اكتشفت ان نزول الحامض مع مياه الامطار هي نظرية مظللة. إذا لم يكن هناك أي نزول، بل أن الحامض صعد من أسفل. والعملية لم تكن جيولوجية فحسب بل كانت بيولوجية وجيولوجية في الوقت نفسه.

وتقول عالمة البيولوجيا في جامعة نيو مكسيكو ديانا نورثب التي تعمل مع هيل ان ميكروبات أحادية الخلية (باكتيريات) تتغذى على برك النفط الجوفية في منطقة كارلسباد هي التي حفرت المغاور.

وتضيف نورثب أن المركبات الكربونية الموجودة في النفط تغذي العضويات المجهرية والمادة التي تنتجها تلك العضويات هي غاز سلفيد الهايدروجين».

ويتصاعد الغاز القاتل عبر الشقوق إلى أن يصل إلى الماء - والأوكسجين. ويتفاعل سلفيد الهيدروجين مع الأوكسجين لينتج الحامض الكبريتي الذي يستطيع أن يذيب الكتل الهائلة من الحجر الكلسي.

ويترك هذا التفاعل بذاته مؤشرات للجيولوجيين بشكل منتوجات كيماوية جانبية ككتل الجبس الكبيرة اتي لا تغيب عن الأنظار في مغور كارلسباد، خصوصا في مغارة لتشو غويللا.

ومثلما يحدث لمعظم التحريين تعين على هيل أن تعثر على الحل بعد وقت طويل من فرار المذنب من موقع جريمته. فلقد تشكلت مغاور كارلسباد ولتشويغويللا قبل مايتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين سنة.

وعثر على بعض الأجوبة في منشورات عن مغاور أخرى مثل مغارة كين السفلى في شمال وايومنغ ومغارة كويفا دي فيللا لوز في المكسيك. واستعانت هيل ايضا بكتابات هارلين برتز الذي تحدى الآراء التقليدية عن تشكل المغاور في اربعينات القرن الماضي.

وقد اجتذبت مغاور كارلسباد حوالي 36 مليون زائر منذ فتحها أمام الجمهور في العام 1923. أما مغارة لتشوغويللا فمتخصصة للأبحاث ومغلقة أمام الزائرين.

وقال استاذ علوم الأرض في جامعة نيويورك في أونيونتا آرت بالمر، أن مغاور كارلسباد هي بين 10 المئة من المغاور التي اتي تشكلت بفعل تفاعلات الحامض الكبريتي في الولايات المتحدة، وأن العمل الذي قامت به هيل دقيق جدا.

وأشار بالم إلا أنه لا يزال هناك مشككون بالنظرية الجديدة في أوساط الصناعة النفطية، ولكن هناك أدلة كثيرة مؤيدة ومنها الأملاح المعدنية التي لا يمكن أن تنتج إلا بفعل الحامض الكبريتي - والأدلة التي تعزز مقولة هيل تتزايد باستمرار.

ففي مغارة فيللا لوز في مقاطعة تاباسكو في المكسيك تشكل الباكتيريا كتلا لزجة وسائلة وهي تأكل الأملاح المعدنية وتنتج الغاز، تسمى هذه المغاور ايضا «مغارة الاسماك الصغيرة» بسبب الوف الاسماك الصغيرة جدا التي تعيش في جداولها وبركها الجوفية والتي تشكل لغزا جديدا.

وتتعايش تلك الاسماك والعناكب والحشرات الصغيرة الأخرى ايضا مع غاز سلفيد الهيدروجين الفتاك.

العدد 68 - الثلثاء 12 نوفمبر 2002م الموافق 07 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً