إلى متى سيستمر المستهلكون في الإنفاق؟
لقد أصبح واضحا ان تجنب مرحلة ثانية من الركود سيعتمد على استمرار الاستهلاك - خصوصا في الولايات المتحدة وفي بقية العالم أيضا - في الازدياد بشكل قوي وإلى حد معقول لعام أو عامين.
وفي القوت الحالي يتم تمويل هذا الاستهلاك إلى حد كبير عن طريق الاقتراض المتزايد في الدول الناطقة بالانجليزية على الأقل وفي مرحلة معينة تريد العائلات - أو تحتاج - إلى تعديل كشوف حساباتها وتبدأ بالتوفير. وكلما زاد الاستهلاك، كان على الشركات معالجة مشكلاتها بطريقة مرضية: تحقق الأرباح ثانية، تجعل الاستثمارات تسير بشكل صحيح وتوظف المزيد من العمالة... إلخ. إن الانتعاش لن يحدث بشكل حقيقي إلا بانتعاش الاستثمار ولكن ذلك يرجع إلى المستهلكين. تسوّق إلى ان تموت!
حسنا لقد بدت الأمور جيدة بشكل معقول حتى وقت قريب. ففي الولايات المتحدة كان الاستهلاك يسير بخطى جيدة وكانت هناك - ولاتزال - توقعات بحدوث تخفيض آخر في أسعار الفائدة لإبقاء الاستهلاك على معدلاته المعقولة. ومع ان الاقتصاد في اليابان مازال بشكل عام في حال ركود شديد، فان الاستهلاك مازال إيجابيا على أساس الأرقام السنوية للسنوات الماضية.
حقا إن الأوضاع في ألمانيا تميزت بركود شديد ولكن يبدو ان ذلك مرتبط بإدخال عملة اليورو والزيادات المصاحبة للأسعار (الحقيقية أو المنظورة). وفي آخر الأمر فإنه من المفترض ان يكون الألمان مستعدين لإنفاق المزيد. وهنا في بريطانيا وعلى رغم حدوث بعض التراجع، فاننا مازلنا ننفق بشكل قوي إلى حد ما.
وطبقا لما جاء في بعض الاحصاءات فإن زيادة الاستهلاك تزيد على نمو الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة وبشكل أكبر في المملكة المتحدة. وبالنسبة إلى الديون المنزلية كنسبة من الناتج الإجمالي المحلي فإنها أعلى في بريطانيا من الولايات المتحدة. وفي اليابان فقد مر المستهلكون بفترة سيئة خلال التسعينات ولكنهم الآن يساعدون ولا يعملون على تعطيل الاقتصاد. إن نقص الاستهلاك يُعتبر مشكلة خطيرة في ألمانيا فقط.
وتشكل الدول الأربع المذكورة سابقا 57 %من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وحوالي 60 % من الاستهلاك العالمي. وعلى المدى القصير فإنها تستطيع ان تحدد ما يحدث بالنسبة إلى الطلب العالمي. وهناك خطر من امكان تدهور الأوضاع بصورة فجائية. إن آخر الأرقام بالنسبة إلى ثقة المستهلك من الولايات المتحدة ومجلس إدارة المؤتمرات تبين انخفاض هذه الثقة إلى أدنى مستوى لها منذ تسعة أشهر. ويبدو ان الانتعاش الذي يتسم بالبطالة قد بدأ يُزعج الناس. فإذا مازلت في وظيفة فلربما تكون في وضع جيد، أما إذا فقدتها فلربما تأخذ بعض الوقت قبل الحصول على وظيفة أخرى.
إن هذه الأرقام تعكس الثقة فقط: أي ما يقوله الناس وليس ما يفعلونه. ففي الخريف الماضي تأثرت ثقة المستهلك بشدة بحوادث 11 سبتمبر/ أيلول ولكن ثبت في النهاية ان الناس استمروا في الشراء. فعلى وجه الخصوص كانت مبيعات السيارات قوية. لذلك فمن المحتمل ان يكون هذا إنذارا آخر كاذبا. ولكن يبدو ان حجم المبيعات بدأ يضعف قليلا لذلك نأمل ان تسير الخطط الاقتصادية إلى الأفضل.
وماذا عن اليابان؟ حسنا، فإن لدى السلطات اليابانية صفقة أخرى تريد تجربتها لدعم الاقتصاد. لا نعرف تفاصيل هذه الخطة لأنه لا يوجد شيء ملموس: هناك تخفيف طفيف في الضرائب، تشكيل مؤسسة لدعم الشركات المفلسة وبعض المتطلبات القانونية الجديدة بالنسبة إلى المصارف. ولكن الأمر المهم الذي تجب معالجته - حقيقة إفلاس النظام المصرفي - قد نحي جانبا. ليس بمقدوري حصر الخطوات التي اتُخذت في عشرة الأعوام الماضية لانعاش الاقتصاد في اليابان ولا يوجد دليل على ان الإجراءات الجديدة ستكون أكثر فاعلية من الإجراءات السابقة. وفي ظل هذه الظروف من الصعب ان نرى سببا يجعل المستهلكين اليابانيين يُنفقون المزيد. إن واردات اليابان أقل من واردات المملكة المتحدة. (هل تعلم بأن المملكة المتحدة هي ثالث أكبر مستورد في العالم بعد الولايات المتحدة وألمانيا؟). لذلك فإن ما نأمله هو ألا تصبح اليابان عبئا آخر على الاقتصاد العالمي ولا أظن ان المستهلكين اليابانيين سيعودون إلى تلك السعادة التي كانت تغمرهم في أواخر الثمانينات.
أما بالنسبة إلى ألمانيا فإن الأمر أكثر ازعاجا. لقد كنت أقرأ رأي معهد IFO بخصوص برنامج الحكومة الجديد.
لقد ارتفعت حصة الحكومة في الناتج المحلي الإجمالي من 39 % إلى 48 % وقد ازدادت البطالة من 150000 (ألمانيا الغربية) إلى حوالي أربعة ملايين. إن هذه العوامل متداخلة وعملية عكس هذه الاتجاهات لا تبدو قريبة. إن أحدث اقتراحات للحكومة الفيدرالية ستقود البلاد إلى الطريق الخاطئ، إذ ان ما يعرف بصورة محسّنة على انه «برنامج توفير» هو في الواقع برنامج زيادة للضرائب يتكون من عشر نقاط.
وماذا بالنسبة إلينا في بريطانيا؟ لربما أكون على خطأ - ولا يوجد الكثير من الأرقام يؤيد هذا الرأي - ولكن لديّ شعور بأن الطفرة الاستهلاكية الكبيرة تقترب من نهايتها. وهناك مؤشرات عدة بسيطة وخصوصا في لندن والجنوب الشرقي.
إن اقتصاد لندن يتسم بفقدان الوظائف وكان دائما الرائد بالنسبة إلى بقية الاقتصاد. وتشهد أسعار العقارات انخفاضا انعكس على هبوط الأسعار في مجالات أخرى كذلك.
والأسوأ انه ستكون هناك بعض الزيادات الكبيرة في الضرائب العام المقبل مع ارتفاع التأمين القومي لكل من الموظفين وأصحاب العمل. نحن لا نعرف حتى الآن مدى تأثير زيادة التأمين القومي على الوظائف ولكن المرجع هو فقدان بعض الوظائف كنتيجة مباشرة لهذه الزيادة. وحتى الآن مازال سوق العمل قويا بشكل يثير الدهشة ومازال من الممكن تبرير الرغبة في الاقتراض بحقيقة انه إذا فقد الشخص وظيفة ما فبإمكانه ان يجد وظيفة أخرى ولكن الأمور يمكن ان تنقلب.
وكقاعدة عامة في الاقتصاد، فإن الأمور تستغرق فترة أكثر من المتوقع لكي تحدث، وعندما تحدث فإنها تحدث بشكل فجائي، وإذا ما شعر الناس بأنهم قد خُدعوا نتيجة ارتفاع الضرائب فسينتابهم شعور بالمضايقة.
وسيواجه سكان لندن ضريبة السياقة في وسط المدينة في فبراير/ شباط المقبل. إن هذه طريقة رائعة لتشجيعهم على الانفاق في المطاعم والمحلات وسط لندن!
ومع ذلك لا يستطيع أي أحد ان يجبر الناس على الانفاق. إن السلطات البريطانية ستستجيب لضعف انفاق المستهلك بتخفيض أسعار الفائدة، ولربما يحدث ذلك قريبا. ومن المتوقع ان يحدث تخفيض لأسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الأميركي ومصرف انجلتره والمصرف المركزي الأوروبي الشهر المقبل. وسيكون هنا عدة أسابيع من الترقُب المشوب بالقلق لنرى ما إذا كانت عملية خفض أسعار الفائدة مجدية أم لا. وإذا ما كان على هذه المصارف المركزية الثلاثة بالإضافة إلى مصرف اليابان - ان تتصرف بذكاء، فيجب ان تخفض نسبة الفائدة لتُعطي أكبر مفعول. ولا أعتقد ان هذه المصارف تخشى من التعاون في هذا الاتجاه.
وفي غضون ذلك، انظر إلى المحلات والمطاعم. هل مازالت مليئة بالزبائن؟ قم بعد إعلانات سماسرة الأراضي. هل هناك الكثير من إعلانات «للبيع» معلقة؟ هل يمكنك دخول السينما أو المسرح بسهولة؟ إن المؤشرات الصغيرة هي التي تبين لنا ما إذا كانت الطفرة الاستهلاكية قد انتهت أم لا.
خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ