أبحرت بين تقاطيع هذا الاستفهام ووجدت نفسي بين دهاليز يتيه فيها الخيط المضيء من الخيوط المظلمة وتضيع فيها الوريقة البيضاء بين الصفحات السوداء.
البعد الأول: الانسان يخاف من الحاضر لأنه تعود أن يخاف المجهول، لهذا فهو يخاف الآتي دائما قبل أن يعرف ما هو الآتي، فترى الطالب يخاف الامتحان وترى المرأة تخاف الولادة وترى الانسان يخاف المواجهة... على رغم ان كل ما سلف قد تكون نتائجه ايجابية... ولكن فطرة الانسان تدفعه لأن يرى النقطة السوداء وسط الصفحة البيضاء.
حياة الإنسان ما هي إلا حلقات أو دوائر تدور حول نفسها. فحين يبدأ المرء بالدائرة الكبيرة (العالم) سيرى الدمار والحرب والظلم والاضطهاد. وحين ينتقل للدائرة التي تليها (الأمة) سيواجه النظرة السوداوية نفسها، وينتقل للدائرة الأصغر (المنطقة) فيواجه المشكلات الاقتصادية والجوع والفقر واللااستقرار... وتصغر الدائرة (المجتمع) ليرى الأوضاع غير المبشرة بالخير كالتراجع الاجتماعي والأخلاقي إلى جانب الاكتظاظ السكاني. ومن جديد تضيق النظرة لينتقل إلى (العائلة) فيرى التفكك الأسري وصعوبة السيطرة واحتواء الأبناء... وعدم القدرة على حماية وتأمين مستقبلهم... وصولا إلى دائرة النفس... صعوبة الحياة وثقل المسئوليات وعدم الاستقرار الوظيفي... المسكن... العيش الكريم... وإلى ما هنالك من صور ومتاعب تحني الظهر، فيجد الانسان نفسه أمام معطيات تشاؤمية. فإما أن يستسلم ويعيش كي يقضي حياته ويفتقد الثقة في الحياة وفي نفسه... وإما أن يجد نفسه مضطرا لأن يقاوم ويصبر.
البعد الآخر: ان هذه هي الحياة ومن غير أن يتعب المرء لا يستحق أن يرتاح ولا يستحق أن يجني الثمار ويجب أن نتأكد من أن (النظر إلى ضفة النهر الأخرى لن يكون كالعبور إليها) فمن الواجب علينا أن نتجاوز كل هذه الصعاب والدوائر.
ومن جهة أخرى... من الظلم أن يخاف الإنسان (الخوف غير المبرر) والله - خالقه - موجود وعليم خبير... ومخطئ هو الإنسان حين يعتقد أن الله الذي خلقه غير قادر على تسيير حياته.. فطالما توحدت إرادة العبد بإرادة الخالق وعمل العبد جاهدا ومخلصا لدينه ودنياه... فإن الله لن يتخلى عنه... فحينما نفكر أن (الحلزونة) هذا المخلوق الصغير مقارنة بالبحر بل بالكون الواسع يتيسر لها الرزق... نؤمن أن الله عز وجل لا ينسى أحدا.
وحين نعرف أن نبي الله سليمان (ع) سمع النملة... يجب أن نعرف أن الإنسان أعظم من النملة والله عز وجل أعظم من سليمان... فكيف لا يسمعنا؟!
لهذا من الواجب علينا الإيمان بالله ولا نشك لحظة في رحمته الواسعة... فإنه يعلم بنا ويسمعنا... فلماذا نخاف؟
ماهر أبو فرات
العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ