العدد 79 - السبت 23 نوفمبر 2002م الموافق 18 رمضان 1423هـ

جنرالات أميركا يسألون: لمن الأولوية، للإرهاب أم للحرب ضد العراق؟

صحافة فرنسية:

في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الاميركي جورج بوش التماس الدعم الخارجي من اوروبا وبعض العرب لشن حربه على العراق، يفتقد في داخل بلاده تأييد اطراف محلية كثيرة لهذه الحرب. احدها يشكل الدعامة الاساسية لاي تحرك عسكري مهما يكن حجمه: هذا الطرف هو جنرالات اميركا. وليسوا أي جنرالات، بل هم جنرالات حرب الخليج وركيزة البنتاغون (وزارة الدفاع ).

تحت عنوان «جنرلات اميركا ضد الحرب»، كتبت مجلة الاوبسرفاتور مقالا نقلت فيه عن عدد من قادة القوات المسلحة الاميركيةهم : رئيس اركان الجيوش الاميركية الاسبق جون شاليكاشفيلي، الرئيس الاسبق لوحدة القيادة الاقليمية المسئولة عن الشرق الاوسط الجنرال جوزف هوار، الجنرال ماكبيك، قائد القوات الحليفة في كوسوفو الجنرال ويسلي كلارك، بطل حرب الخليج الجنرال نورمان شوارزكوف، وقائد القوات الاميركية في حرب الخليج الاولى الجنرال زيني وقائد احدى الواحدات العسكرية الكبرى في حرب الخليج الاولى على الجبهة العراقية الكويتية الجنرال بيل ناش رفضهم للحرب ضد العراق ليس فقط لما ستكلفه من خسائر بشرية ومادية بل لان مفهوم «الحرب الوقائية» يشكل قطيعة جذرية مع استراتيجية الردع والسد التي ينتهجها البنتاغون منذ سنوات طويلة.

ونقلت المجلة محضرا لاجتماع بين كبار جنرالات البنتاغون يبين دوافع رفضهم للحرب ضد العراق. فيؤكد الجنرال هوار ان وجود ست فرق من الحرس الجمهوري العراقي وست فرق اخرى من فرق المشاة المدعومة بآلاف القطع الحربية من المدفعية المضادة للصواريخ للدفاع عن بغداد، سيؤدي إلى وقوع خسائر بشرية هائلة من الطرفين كما من بين المدنيين». وفي حين يخشى الجنرال ماك بيك من «عدم العثور على صدام حسين. فيصبح لدينا عدوان: اسامة بن لادن وصدام حسين يتمتع كلاهما بوضع الابطال الاسطوريين في العالم العربي لمجرد بقائهما على قيد الحياة». ويرى الجنرال شاليكاشفيلي «انه في كل مرة نقوض فيها صدقية الامم المتحدة، نؤذي انفسنا أكثر مما نؤذي اي دولة اخرى». في حين يحذر الجنرال زيني «من ان مهاجمة العراق ستولد مشكلات عدة... ويسأل لماذا يجمع كل الجنرالات على رأي واحد في حين ان اولئك الذين لم يطلقوا اي طلقة نار في حياتهم يتحرقون للذهاب إلى الحرب، يرون الامور من منظار مختلف»؟؟؟.

ويبدو من هذا المحضر ان هناك جامعا مشتركا بين هؤلاء الجنرالات الذين «صنعوا» حرب الخليج الاولى وهو الشك في دوافع ومكاسب الحرب ضد العراق. او على الاقل تحفظهم جميعا على اندفاع صقور الادارة الاميركية نحو الحرب ، بمن فيهم وزير الدفاع رونالد رامسفيلد.

وتبرر الاوبسرفاتور هذا الموقف المتحفظ بالقول «ان الجنرالات غالبا ما يبالغون في تقدير مخاطر الحروب واحتياجاتها من الرجال والعتاد، وتنقل عن مايكل اوهانون الخبير في قضايا الدفاع لدى معهد بروكنغز قوله في هذا الصدد «قبل عملية عاصفة الصحراء، قدر الكثير من الخبراء العسكريين خسائر الاميركيين بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف رجل، وتوقع البنتاغون خسائر اكبر منها. وكانت النتيجة ان عدد الضحايا لم يتجاوز 400 ضحية». لكن الواضح، بحسب الاوبسرفاتور، ان شكوك العسكريين تمتد إلى المسرح السياسي. فمن ويسلي كلارك إلى نورمان شوارزكوف الذي يتوقع بان «المعركة (ضد العراق) لن تكون سهلة ابدا»، ويتمنى على بلاده «عدم دخول هذه الحرب لوحدها»، تعكس هذه الشكوك رأي المدنيين... ومن بينهم على سبيل المثال هنري كيسنجر الذي يعارض «بعمق اي احتلال مطول لبلد مسلم يقع في قلب العالم الاسلامي».

وفي تفسيره لتردد العسكريين الدخول في حرب ضد العراق يقول مدير مركز ابحاث متخصص في قضايا الدفاع:« في البوسنة وكوسوفو وافغانستان كانت الحروب مفروضة علينا فرضا. وفي رأي الكثير من الجنرالات ان الحرب على العراق ليست ضرورية. فهؤلاء جميعا تربوا على مفاهيم ردع العدو واحتوائه. وبالنسبة إليهم تمثل الحرب الوقائية تغييرا استراتيجيا جذريا في السياسة الامنية». وبالطبع لا يتعلق الامر بواقع ان مثل هذه الحرب جديدة على الاميركيين: فقبل نحو اربعين عاما انطلق العسكريون الاميركيون بشجاعة وحماس إلى فيتنام وفقا لهذا المفهوم. المشكلة تكمن هنا بالضبط: فهم لم ينسوا الدرس. لذلك كانت تحذيراتهم:

اولا: ليس هناك ما يؤكد على ان الخطر العراقي وشيك. ثانيا: انه سيكون من الجنون التام من قبل الولايات المتحدة الاميركية الانطلاق وحدها في حرب ضد العراق ويؤكد الجنرال جوزف هوار: «اننا بحاجة ماسة للدعم... لاسباب سياسية وعسكرية معا. فإذا لم نتمكن مثلا من جر السعودية إلى التحالف لنستطيع على الاقل استخدام مجالها الجوي، فإن التعقيدات الملازمة للحملة العسكرية ستزداد بطريقة ضخمة ومربكة».

لكن يخشى كثيرون من ان يكون وزير الدفاع رامسفيلد ومساعدوه قد اختاروا العراق لتجربة خطط عسكرية جديدة تستوجب استخدام تقنيات حديثة وتجهيزات فعالة واعداد قليلة مقتصرة من القوات المسلحة مدعومة بقوات خاصة. ويتردد ان جيشا من نحو 50 آلف جندي اميركي سيحاصر بغداد من الجنوب . وان مثل هذا التدبير سيتيح انتشارا اسرع وبالتالي حربا مختصرة لا تطول اكثر من بضعة اسابيع. على ان يتم كل ذلك قبل حرارة الصيف القاتلة.

فأين نحن اليوم من هذا الوضع؟ يضاف إلى ذلك يبدو ان العسكريين لا يعتقدون بقوة باحتمال لجوء العراق إلى السلاح النووي. بل يقلقهم احتمال استخدام صدام حسين للسلاح الكيماوي البيلوجي. ويقول الجنرال ناش: «ان الاسلحة الكيماوية تشكل عائقا مربكا امام القوات المسلحة اكثر مما هي خطر عليها. اما الاسلحة البيلوجية فان استخدامها ضد العسكر اسهل بكثير من استخدامها ضد المدنيين. والخوف هو تأثير استخدام الاسلحة ضد إسرائيل».

لكن مثل هذه المخاوف، تختم الاوبسرفاتور، يمكن تقليصها لو ان العلاقات بين العسكرين وبين القيادة المدنية في البنتاغون جيدة ومتينة. فالقوات المسلحة في النهاية تصوت بأغلبيتها للجمهوريين، كما انها حصلت حديثا على موازنة جديدة بارتفاع 12 في المئة اي بزيادة 37 مليار دولار. والمشكلة ان زيادة الموازنة لم تمنع رامسفيلد وفريقه من اختصار النفقات في معظم برامج التسلح مما ادى إلى ارتفاع اصوات عدة غاضبة. والاكثر من ذلك ان انتهاج رامسفيلد لسلوك هو خليط من التردد والفظاظة لا يجعله محبوبا من العسكريين. «بحيث يشعر الاعلى رتبة، يقول لورين توماس، ان لاقيمة لرأيهم على الاطلاق. وهذا ليس مجرد مسألة مدنيين ضد عسكريين، بل انه واقع ان على رأس البنتاغون دائرة ضيقة من الاشخاص المتماثلي التفكير البعيدين تماما عن العسكرين هو المشكلة في الحقيقة».

وفي الوقت الذي يستعد فيه الوزراء الثلاثة المسئولون عن القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية للانطلاق إلى الحرب... كشفت معلومات اخيرة عن تقدم قائد القوات الجوية باستقالته... الا انها رفضت بالطبع. فمن بين التساؤلات التي ضمنها الجنرال «الطالب للاستقالة نص استقالته... من يجب ان نواجه اولا: الارهاب ام صدام حسين؟». وهو سؤال سينتظر جنرالات اميركا طويلا قبل ان يحصلوا على أي إجابة عليه

العدد 79 - السبت 23 نوفمبر 2002م الموافق 18 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً