العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ

البغض والتهديد في مدينة دأبت على تحدي القائد

أصبح الكوخ المتهدم، المختفي بعيدا عن الطريق الرئيس المغبر وبجانب زقاق ضيق متعرج، مزارا مؤقتا لنزار قادم البهدلي. تضع الزهور فيه بشكل يومي وبحذر، كما يأتي الناس لتقديم احترامهم وتقديرهم للشاب الذي أعدمه النظام العراقي. كان البهدلي (29 عاما) طالبا للعلوم الإسلامية، وأحد زعماء الانتفاضة ضد النظام قبل ثلاث سنوات في مدينة صدام، وهي حي مزدحم بالفقراء تبعد أميالا قليلة من وسط بغداد، وذلك بعد اغتيال العالم الكبير آية الله الصدر واثنين من ابنائه.

وقد أدان العلماء الشيعة الحكومة في اغتياله، بينما تفجر غضب شعبي في مدينة صدام بالاضافة إلى مناطق ومدن اخرى مثل الناصرية والكوفة والنجف الأشرف. وقد تسبب قرب المنطقة من بغداد في بث الذعر في أوساط الحكومة، فأرسلت وحدات من الحرس الجمهوري لسحق المتمردين. وقد بلغ العدد الرسمي للقتلى نحو 27 شخصا، بينما تقول المعارضة إن الضحايا أكثر من 100 شخص.

وتمّ اعتقال البهدلي واحتجز في إدارة الأمن في مدينة صدام، وهي عبارة عن بناية رمادية محاطة بجدران عالية وأسلاك شائكة إذ خضع الشاب، كما تقول أسرته وبعض النشطاء المعارضين، لتعذيب مطول.

كما تم أيضا اعتقال زوجته وأبويه وعذبوا أمام ناظريه في محاولة لحمله على الاعتراف بأنه أحد منظمي الانتفاضة.

وقد اعترف البهدلي بذلك وتم اطلاق سراح أقاربه بناء على ذلك ولكن حكم الإعدام نفذ فيه.

وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية قضية البهدلي مثالا على انتهاك حقوق الإنسان في العراق. ولكنه يعتبر واحدا من إعداد كبيرة من الضحايا الذين اعتقلوا في ذلك الوقت من الشوارع وتعرضوا للتحقيق على يد المخابرات.

كما حوكم البعض بفترات سجن طويلة، بينما أطلق سراح آخرين ليعودوا إلى منازلهم وهم محمّلون بحكايات مفزعة من التعذيب.

قال أحد الطلاب، يحيى محسن الزيني انه تم ضربه وتعذيبه بصعقات كهربائية في أعضائه التناسلية. وحكى محمد العقبى (27 عاما) معاملة مماثلة، وانه اعترف قسرا بأنه اغتال مسئولا عراقيا، ولكنه لم تتم إدانته وذلك بعد ان درس ضباط مخابرات آخرون ملفّه واستنتجوا انه غير مسئول عن ذلك.

وقد جعلت هذه الانتفاضة التي وقعت في العام 1999، مدينة صدام مكانا يكتنفه البغض والتهديد. وهي موطن لنحو 40 في المئة من سكان العاصمة بغداد المقدر عددهم بحوالي 10 ملايين نسمة.

ويتحفظ الناس هنا كثيرا في التحدث إلى الأجانب أكثر من تحفظهم من بعضهم بعضا في هذه الدولة القمعية، ولكن قليلين مستعدون لأن يتحدثوا عن تجاربهم.

قال الطالب سليم (19 عاما) وهو يحتسي كوبا من الشاي في أحد المقاهي: «هذه منطقة فقيرة للغاية، كما ان الناس هنا لا يخضعون كثيرا للقوانين واللوائح، ولذلك يقع شجار في أحيان كثيرة مع الشرطة» وأضاف «ولكن بعد الانتفاضة ساءت الأمور أكثر، إذ قتل بعض المسئولين ومن ثم غضب الجنود وجنّ جنونهم. وتم اعتقال كثير من الصبيان الصغار ومن بينهم شقيقي. وقد نجوت لأنني غادرت المكان قبل ان يطوّقوه. وعلى أية حال لم أشارك أنا ولا أخي في القتال الذي دار في ذلك الوقت، ومن ثم أطلق سراح أخي.

واستطرد سليم قائلا: «كان أخي محظوظا، فقد تم ضربه فقط بالعصا إذ ظهرت بعض الكدمات على جسده، ولكن أُسيئت معاملة آخرين بشدة. أعرف أحد الرجال لا يستطيع المشي الآن بسبب ذلك التعذيب» وقال رفيق سليم، شاب نحيل لديه رعشة أعصاب في يديه باستمرار انه يعرف البهدلي، الطالب البارز في الانتفاضة «انه ليس كما يقولون عنه. رجل طيب يرغب في ان يصبح إماما. ولكن السلطات ضد طلاب العلوم الدينية، انني شخصيا لديّ كثير من المتاعب في هذا الجانب، فليس من السهل العيش هنا».

لم يكن العنف أحادي الجانب هنا، إذ تقول السلطات العراقية ان جماعة إسلامية مسلحة تمولها إيران هاجمت وقتلت كثيرا من المسئولين الحكوميين. واعترف سكان محليون بأنه تم إطلاق النار باتجاه الشرطة في بداية الانتفاضة في العام 1999. ولكن يجزم سليم بأن «كثيرا من الناس الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم كانوا أبرياء، وهذه هي المشكلة. إذا تم اعتقالك فإنك ستتعرض للضرب وأسوأ أشكال التعذيب».

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً