العدد 105 - الخميس 19 ديسمبر 2002م الموافق 14 شوال 1423هـ

قمة الدوحة... اختبار صعب أمام مجلس التعاون الخليجي

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي العربية الست في قمتها المقبلة في العاصمة القطرية بعد غد السبت اختبارا بالغ الصعوبة والحساسية يمس مصالح هذه الدول ويطرح أسئلة كثيرة بشأن مستقبل مجلس التعاون الذي ظل على رغم كل المتغيرات واحدا من أكثر التجارب الوحدوية الإقليمية في العالم العربي تماسكا واستمرارية مقارنة بكيانات إقليمية لم تعمّر طويلا. ويبدو التحدي كبيرا أمام قمة الدوحة بالنظر إلى جملة من المغيرات والتطورات سواء على صعيد الوضع الإقليمي أو على صعيد العلاقات الثنائية بين دول المجلس وما شاب هذه العلاقات بسبب خلافات وأزمات ألقت بظلالها على مسيرة العمل الخليجي المشترك. ويطرح توقيت انعقاد القمة الخليجية نفسه كأحد التحديات التي تواجه مجلس التعاون إذ أن قمة الدوحة تأتي في وقت تلوح فيه بقوة نذر حرب تبدو وشيكة في المنطقة مع تصاعد التهديدات الاميركية ضد العراق وما تظهره إدارة الرئيس جورج بوش وخصوصا الجناح اليميني فيها من نفاد صبر واستعجال لشن ضربة عسكرية ضد العراق. وعلى رغم ان الأزمة العراقية بكل أبعادها تشكل واحدة من أهم القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة المرتقبة فإنها في الوقت نفسه تمثل واحدة من نقاط عدم الالتقاء بين دول مجلس التعاون بالنظر إلى تباين المواقف تجاه هذه الأزمة وتداعياتها. ويتساءل المراقبون عما اذا كان العراق الذي شكل سببا لتأسيس مجلس التعاون العام 1981 عقب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سيكون السبب بعد عشرين عاما لتعطيل مسيرة هذا المجلس. فدول الخليج تدرك بعمق حجم المخاطر التي تشكلها آثار حرب اميركية ضد العراق خصوصا ان هذه الحرب لن تقتصر في حال وقوعها على تقليم أظافر النظام العراقي أو تحجيم قدراته وإنما ستؤدي هذه المرة إلى تغيير النظام في بغداد وإعادة تشكيل الوضع الجغرافي والسياسي للعراق.

إلا انه وعلى رغم ما تشكله الحرب المحتملة على العراق من مخاطر على المنطقة وفي مقدمتها دول مجلس التعاون، فان هذه الدول لا تبدو متفقة على إجابة واحدة على جملة من الأسئلة التي تطرحها الأزمة مثل: ما هو الموقف في حال إقدام واشنطن على شن الحرب؟ وما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه كل دولة في هذا الحرب؟ وهل ستشارك بأي شكل من الأشكال في تلك الحرب أم ستقف على الحياد؟ وما هي مخاسر ومكاسب كل دولة؟ وإذا كانت دول مجلس التعاون قد تعاملت بوحدة سياسية لافتة مع أزمات سابقة سواء في مواجهة الحرب العراقية الإيرانية أو أزمة الغزو العراقي للكويت فإنها تبدو اقل تماسكا وابعد عن الوحدة في موقفها من الأزمة العراقية الراهنة. كما تأتي القمة الخليجية في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية منعطفا خطيرا في مسيراتها مع تزايد وتيرة العدوان والعنف الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وارتفاع صوت اليمين المتطرف في «إسرائيل» والفتور الواضح في الحماس الدولي تجاه القضية الفلسطينية وخصوصا من جانب الإدارة الاميركية التي يتمحور اهتمامها حاليا على العراق أولا وثانيا وعاشرا. وهو ما يجعل من المستبعد حدوث اختراق حقيقي على جبهة العملية السياسية يفضى إلى استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. غير انه اذا كانت القضية الفلسطينية محل توافق واتفاق خليجي واضح لم تؤثر فيه بعض الاختراقات التي أحدثتها «إسرائيل» في الجسد الخليجي منذ انطلاق مسيرة التسوية في الشرق الأوسط فان المفارقة التي تبدو واضحة في المقابل هي ان العلاقات الخليجية الاميركية التي كانت محل توافق بين دول مجلس التعاون على مدى السنوات الماضية في ظل الروابط الاستراتيجية والمصلحية التي تربط بين اميركا وهذه الدول والتي ترسخت عقب الغزو العراقي للكويت عادت لتطرح نفسها نقطة خلافية وأصبح هناك ما يشبه التنافس الخفي في رأي بعض المحللين بين بعض هذه الدول على التقرب إلى الولايات المتحدة على حساب البعض الآخر وطرح نفسها بديلا لها في التحالفات الاستراتيجية القائمة في المنطقة وخصوصا فيما يتعلق بالتعاون الفردي والقِطْري فيما بين هذه الدول في علاقاتها مع واشنطن وغياب الرؤية الاستراتيجية الواحدة التي تحكم هذه العلاقات. وقد التقطت واشنطن الخيط بذكاء واستطاعت ان تلعب على هذه النزعة لتحقيق اكبر مكاسب لها في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم مع وجود من يتطوع لأداء هذه الخدمة سواء بمقابل أو حتى مجانا وهو ما ألقى بظلاله على العلاقات الخليجية نفسها. وتبدو الأزمة التي يمر بها مجلس التعاون الخليجي أكثر عمقا بالنظر إلى انخفاض مستوى التمثيل المتوقع في قمة الدوحة اذا لم تفلح القضايا المصيرية والخطيرة المطروحة على جدول أعمال القمة مثل الملف العراقي أو القضية الفلسطينية أو الاتحاد الجمركي الخليجي في إقناع عدد من قادة دول المجلس بالعدول عن مقاطعة القمة. اذ أعلنت السعودية مقاطعة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للقمة والاكتفاء بتمثيلها على مستوى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وحذت حذوها البحرين التي يغيب ملكها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عن القمة وسيمثلها وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. أما الكويت فلن يشارك أميرها الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي عهده الشيخ سعد في القمة وسيمثل وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد بلاده فيها. في حين يرأس وفد دولة الإمارات العربية المتحدة نائب رئيس الدولة وحاكم دبي الشيخ راشد بن مكتوم. وفي ظل الغموض الذي يكتنف مشاركة سلطان عمان السلطان قابوس بن سعيد في قمة الدوحة فان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد يجد نفسه الزعيم الخليجي الوحيد الذي سيشارك في قمة الدوحة ويرأسها في سابقة ستكون الأولى في تاريخ القمم الخليجية

العدد 105 - الخميس 19 ديسمبر 2002م الموافق 14 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً