امتزجت آراء اقتصاديين بحرينيين بين التحفظ على مستوى أداء المؤشرات الاقتصادية التي تقوم بقياسها الأجهزة الرسمية في البلاد والتي تتسم بالتحفظ الشديد وبين التفاؤل باستحداث مؤشرات جديدة مثل مؤشرات شهرية خاصة بنسبة البطالة.
ويرى الباحث الاقتصادي حسن العالي، أن هناك ضعفا في قاعدة المعلومات الحكومية عموما وقال العالي: «بصورة عامة قواعد بيانات الإحصاء لدينا ضعيفة سواء التي يفترض أن تصدر عن وزارة المالية أو بنك البحرين المركزي أو الجهاز المركزي للمعلومات أو حتى التي تصدرها الوزارات... وهذا يظهر ببساطة حين تدخل إلى أحد المواقع الإلكترونية للوزارات، فهل ترى أن هناك تقارير إحصائية فصلية أو نصف سنوية عن النشاطات، مثلا حين تدخل موقع وزارة الصناعة والتجارة، فهل ترى عدد السجلات الصادرة حتى شهر أغسطس/ آب، وهل توجد بيانات بعدد المشتركين في خدمات الكهرباء في شهر أغسطس، وكذلك وزارة المالية».
ولا تقتصر مشكلة البيانات الاقتصادية الحكومية على انعدامها أو محدوديتها فقط، كما يفيد العالي، إذ إن المشكلة أكثر تشعبا، وقال العالي: «أرقام الناتج المحلي الإجمالي الأخيرة هي عن العام 2007 بينما الكثير من الدول تصدر بيانات عن الناتج المحلي كل ثلاثة أو ستة أشهر مثلا وكذلك الأمر بالنسبة إلى ميزان المدفوعات».
وبالنسبة إلى أرقام التضخم، قال العالي: «حاليا نسمع أنها تظهر كل شهر، كما أن سنة الأساس المعتمدة لسنة الأساس لقياس نسب التضخم وهي 2006 وأعتقد أن هذه السنة ليست دقيقة».
ولكن الموضوع لا يخلو من جهود لتعزيز بيئة البيانات في البحرين، ويضيف العالي أن «وزارة العمل ربما هي التي حاولت الاهتمام بالموضوع بصورة تستحق الإشارة عن طريق احتساب العاطلين الذين يستلمون من الوزارة إعانة وقسمتها بإجمالي عدد العمال البحرينيين شهريا... على الأقل هناك جهد في الموضوع ومحاولة للحصول على مؤشرات للبطالة».
ويرجع العالي تراخي البنية الإحصائية في البحرين إلى عدد من الأسباب هي «ضعف الأجهزة التي تستطيع إنتاج المعلومات وغياب الشفافية والإفصاح الكامل، حتى أن بعض الأجهزة تتعامل بعقلية السبعينيات والستينيات التي لا تريد من المجتمع أن يعرف حقيقة ما يجري، فمثلا إذا أعلنت الدول كم الفائض في الوقت الحالي فإن النواب سيخرجون على الحكومة باقتراحات بنقل الأموال من مخصصات إلى أخرى».
وتابع «في بعض الأحيان لا تود الأجهزة الرسمية الإعلان عن بعض الأرقام التي قد تكون سلبية والمشكلة أن العقلية هنا أنهم يريدون أن تكون الأرقام باستمرار إيجابية وهذا يخالف الوضع الطبيعي، فجميع دول العالم تدخل في دورة اقتصادية فيها الركود والرخاء».
وانتقد العالي التحفظ الشديد في إعلان نسب التضخم، الأمر الذي خرجت منه بعض الدول المجاورة «لماذا نرى المملكة العربية السعودية تعلن صراحة عن أرقام التضخم والتي وصلت إلى 15 في المئة وكذلك قطر التي أعلنت عن نسب التضخم عند 14 في المئة، إلا هنا فهم مصرون على رقم 3 في المئة كنسبة للتضخم».
ورأى العالي أن انضمام الجهاز المركزي للمعلومات إلى ضوابط البيانات الدولية بحسب ما تتطلبه مؤسسة النقد الدولي، قد لا يعني شيئا كثيرا إذا ما ظلت الطريقة الحالية المستخدمة في التعامل مع البيانات الاقتصادية الحيوية. وقال «أعتبرها خطوة جيدة، ولكن في النهاية الأرقام التي ستعطى لصندوق النقد الدولي هي نفسها التي يتم تقديمها هنا والتي نتحفظ عليها».
وأضاف «يجب تصحيح هذا الوضع، فقبل أن تتوافر التقنيات والموارد البشرية لابد من وجود نظرة جديدة تتمثل في أن البيانات الاقتصادية قد تكون سلبية أو إيجابية وألا يخشى المسئولون من إعلان الأرقام، لأنه يفترض أن تكون لدينا ديمقراطية وأن تكون هناك مراقبة وشفافية من قبل السلطة التشريعية وكذلك المسائلة وهذا لا يمكن أن يتم دون وجود بيئة سليمة تتيح جميع المعلومات والبيانات بدقة».
تفاؤل بمستوى التطور
وأبدى رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية والباحث الاقتصادي أحمد اليوشع تفاؤلا كبيرا بتحسن مستوى البيانات الاقتصادية في البلاد وخصوصا مع إصدار بيانات التضخم بصورة شهرية واستحداث بيانات من قبل وزارة العمل تشير بطريقة ما إلى معدل البطالة. وتحدث اليوشع عن أهمية بيانات التضخم في صوغ السياسية النقدية ومعرفة قيمة صرف العملة الوطنية كما يظهر معدل نمو السيولة ومدى ملاءمته مع الوضع الاقتصادي.
واعتبر اليوشع الأرقام التي استحدثتها وزارة العمل مؤشرا غير مباشر إلى قياس نسب البطالة. وقال «هذا المؤشر لا يعتبر معدلا للبطالة، ولكنه مؤشر يدل على نسب البطالة، وهذا المؤشر مهم، إذ يضعنا بصورة واضحة أمام هذه الأرقام ولا يضع مجالا لتضارب الأرقام في هذا الشأن». وأضاف «بغض النظر عن وجهات نظر البعض بشأن صحة أرقام التضخم أو غيرها من أرقام من عدمها، فإن من المهم جدا أن تستمر عملية إصدار الأرقام والبيانات وأنا متأكد أنه مع مرور الوقت ستكون هذه الأرقام في مستواها الصحيح».
وعما إذا كانت هذه الأرقام تعبِّر عن الواقع أم لا، قال اليوشع: «في فترة من الفترات حين كانت السلة في شكل معين كان من الصعب قبول الأرقام، لكن مع تجديد السلة أصبح من الممكن قبول هذه الأرقام، ومن المفروض أن تتم مراجعة هذه السلة بين 6 شهور وسنة».
يذكر أن البيانات الاقتصادية تعتبر مهمة جدا لقياس الاقتصاد الكلي والجزئي لأي دولة ومعرفة الاتجاهات المستقبلية للاستثمار، ومع ارتفاع أسعار النفط فإن دول الخليج أصبحت محط اهتمام المستثمرين، ما زاد أهمية هذه البيانات إلى جانب زيادة الاستثمار في أسواق المال وتأسيس الشركات.
لكن البيانات في البحرين ودول الخليج عموما لا تصدر بطريقة منتظمة أو يتم الإعلان عن موعد محدد للكشف عنها كما يحدث في الدول المتقدمة، وإلى الآن لم تصدر قطر والبحرين والكويت وعُمان تقديرات للناتج الإجمالي المحلي في 2007
العدد 2201 - الأحد 14 سبتمبر 2008م الموافق 13 رمضان 1429هـ