بات البحرينيّون متعوّدين - كما يبدو - على الاختلافات في تحديد أهلّة الأشهر العربيّة، ويبدو أن بضاعة الحديث عن الاختلافات في الآراء بهذا الشأن في طريقها إلى الكساد، فلن تحوز المجالس الرمضانيّة ومجالس العيد كما السابق نصيب الأسد من الأحاديث الجانبية. وفي «رمضان» هذا العام 1429هـ ، يتوقع أن ينقسم البحرينيّون في الصيام على يومين.
وتستمرّ الاختلافات وسط مطالبات علماء الدين من الطائفتين باعتماد الحساب الفلكي، ولاسيما بعدما بدأت الحسابات الفلكيّة تعزز يوما الثقة فيها، وعليه ناشد نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية وهيب الناصر عدم الأخذ بشهادة من يتقدم بالشهادة بالرؤية مساء السبت (30 أغسطس/ آب) لعدم وجود قمر في السماء إطلاقا.
الوسط - محمّد المخلوق
يتراءى هلال شهر رمضان لهذا العام 1429 هـ ليجعل صيام البحرينيّين الذين يتبعون آراء فقهية مختلفة موزّعا - كما هي العادة - على يومين (الاثنين والثلثاء)، فيما لا تلوح في الأفق القريب - بحسب بعض العلماء - فرصة لتلافي الخلاف بسبب اختلاف المباني الفقهيّة أساسا ولعدم اطمئنان بعض العلماء للفلكيّين حتى الآن، من دون أن ينكروا أثر النقاشات العلميّة ومدى التحقق من صحّة الحسابات الفلكية في إيجاد فرص للتقارب، وهو ما يبدو أنه سيتحقّق مستقبلا.
وقد أكد رئيس حوزة الإمام زين العابدين (ع) ببني جمرة الشيخ علي الصدديّ لـ «الوسط» أن ليس في الأفق ثمّة فرصة لإيجاد حلّ موحّد لقضية الاختلاف في الأهلّة، مشيرا إلى أن «العلماء الذين يتصدّون لإثبات الهلال في البحرين يُعْمِلون شتى التحرّيات ليحصلوا على ما يمكن من خلاله إثبات الهلال إلى مجموع المؤمنين بمختلف تكليفاتهم».
«الوسط» جالت على بعض المواطنين لتأخذ آرائهم في الموضوع، فقال إبراهيم أحمد لـ «الوسط» إن البحرينيّين سئموا الحديث في كلّ عام بشأن الهلال والاختلاف بشأنه، مبديا أسفه لرحيل «العلماء الكبار» كالشيخ باقر العصفور الذين كانت لبعضهم سطوة اجتماعيّة يتمكنون بها من توحيد الهلال على هلال واحد، غير عابئين ببعض الآراء الشاذة التي لم تكن تلقى صدى في المجموع.
علي جعفر كان له رأي آخر، إذ قال إن لتطور وسائل الاتصال أثرا كبيرا في إبراز تعدّد وجهات النظر وهو الأمر الذي لم يكن سائدا في الفترات السابقة. وبيّن أن الناس بدت متآلفة مع الاختلاف، وأن الوضع بدأ يصبح طبيعيّا. وأفاد بأنه أفطر العام الماضي فيما ظلّت زوجته صائمة لتفطر في اليوم التالي، وأنه اضطر إلى أداء صلاة العيد في مكان بعيد عن منطقته، لافتا إلى أن بداية الشهر لا تشكّل أزمة قياسا إلى يوم العيد.
أمّا إيمان عبدالحميد فقالت إن الاختلاف الدائر بين الدول الإسلامية والفقهاء أنفسهم في المذهب الواحد يدعونا لأن نتريّث قليلا في اتهام البحرينيين بأنهم معقّدون وأن هذه المشاكل بينهم وحدهم، مشيرة إلى أن على الناس البحث عن أسباب الاختلافات الفقهيّة لكي يكونوا على علم قبل أن يحكموا على العلماء وأهل الاختصاص.
واتفقت عبدالحميد مع جعفر على أن الاختلاف يصبح أزمة في الأعياد لأنه يذهب ببهجة العيد، داعية لبذل جهد أكبر لتوضيح الأمور للناس بشأن الهلال وتطورات إثباته من خلال بيانات العلماء والصحافة والإنترنت ليتخذ الناس مواقفهم بسرعة بناء على مبانيهم الفقهية.
يشار إلى أن الفارق بين فريقي الصائمين في البحرين سيكون يوما واحدا فقط، وذلك بعدما أعلن فلكيّو المملكة العربية السعودية ومعها بعض الدول الخليجية والعربية استحالة رؤية الهلال يوم السبت 30 أغسطس/ آب الجاري، وعليه ستكون غرّة شهر رمضان كما أعلنها المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله يوم الاثنين 1 سبتمبر/ أيلول المقبل، كذلك سيكون الأمر بالنسبة لمقلّدي المرجع الدينيّ السيد أبوالقاسم الخوئي في حالة تطوّق الهلال ليلة الثلثاء. فيما يبدو أن غرّة شهر رمضان ستكون عند الفريق الثاني يوم الثلثاء لأنه - وبحسب الحسابات الفلكيّة - لا يتوقع التمكّن من رؤية الهلال بالعين المجرّدة لضعف إضاءته في الخليج والعراق وإيران، إلا إذا رُئي بالمرقب في بعض الدول في حالة نقاء الغلاف الجويّ، كما أكد رئيس المشروع الإسلاميّ لرصد الأهلة محمد شوكت عودة.
الناصر: الرؤية ليلة الاثنين ممكنة بصعوبة
وقد كشف نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية وهيب الناصر لـ «الوسط» وجود فرصة لإمكانية رؤية الهلال ليلة الاثنين بنسبة 30 إلى 40 في المئة رغم صعوبة الرؤية للناس العاديين إذ يمكث الهلال في أفق البحرين قرابة 7 دقائق فقط بعد الغروب، إلا أنه أشار إلى أن سمك الهلال ربما يتيح إمكانية رؤيته وفق اشتراطات خاصة وإذا واتت ظروف جوية معينة.
كذلك أكد رئيس قسم الفيزياء بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن علي بن محمد الشكري أن بالإمكان رؤية هلال مساء يوم الأحد ولكن بصعوبة جدا وباستخدام المناظير الفلكية فقط من غرب وجنوب غرب المملكة، وحسب خط طول وعرض مكة المكرمة.
وكان المشروع الإسلامي لرصد الأهلة توقع أن تبدأ ليبيا شهر رمضان المبارك للعام 1429هـ يوم الأحد لاكتفائها بحدوث الاقتران قبل الفجر، فيما يحلّ رمضان في دول أخرى مطلع سبتمبر المقبل بالنسبة إلى الدول التي بدأت شعبان يوم السبت 2 أغسطس كالسعودية ومصر، باعتبار أنه تستحيل رؤية الهلال يوم السبت في جميع مناطق العالم الإسلامي لغروب القمر قبل غروب الشمس ولحدوث الاقتران (المحاق أو ما يسميه البعض تولد الهلال) بعد غروب الشمس، وعليه ينبغي أن تكمل هذه الدول شهر شعبان 30 يوما الذي سيكون الثلاثون منه يوم الأحد، لتبدأ شهر رمضان يوم الاثنين.
الرؤية بالمرقب تتأرجح
بين الدول الإسلامية
أما بالنسبة إلى الدول الأخرى التي بدأت الصوم يوم الأحد 3 أغسطس مثل عمان والأردن والجزائر والمغرب وماليزيا وإيران والعراق وباكستان والهند فإن يوم الأحد سيكون هو اليوم الـ 29 من شعبان فيها، وفي هذا اليوم ستكون رؤية الهلال ممكنة باستخدام المرقب فقط وفي حالة نقاء الغلاف الجوي من بعض مناطق العالم الإسلامي، في حين لن ترى العديد من الدول الهلال يوم الأحد أيضا، وعليه فإن غرّة رمضان بالعين المجردة ستكون يوم الثلثاء، فيما يتوقع ولو بنسبة بسيطة أن تثبت بعض الدول كإيران هلال رمضان ليوم الاثنين بالمرقب رغم أن الهلال لا يمكث لديها سوى 13 دقيقة بحسب فلكيّين إيرانيين. يشار إلى أن للمرجع الديني السيد علي الخامنئي فتوى تجيز اعتماد العين المسلّحة في إثبات دخول الأشهر العربيّة، وعليه لا يؤكد الفلكيّون الإيرانيّون أن يوم الاثنين سيكون 30 شعبان، ولكنهم يؤكدون أن اليوم التالي سيكون أول رمضان، إذ سيتمكّن فريق الرصد التابع للخامنئي من رؤية الهلال بسهولة مساء الاثنين.
وكانت لجنة علوم الفضاء والأرصاد الجوية التابعة لمعهد السودان للعلوم الطبيعية أشارت إلى إمكان رؤية الهلال مساء الأحد في الدول الواقعة في النصف الجنوبي للكرة الأرضية فقط، وتشمل كلّ إفريقيا عدا شمالها، وجنوب شبه الجزيرة العربية، ودول جنوب شرق آسيا، فيما لا يرى الهلال في دول شمال إفريقيا ومعظم دول الخليج العربي وبقية الدول الإسلامية. فيما أكد رئيس المشروع الإسلاميّ لرصد الأهلة محمد شوكت عودة أنه يمكن روية الهلال يوم الأحد 31 أغسطس من مختلف دول العالم باستخدام المرقب فقط حال نقاء الغلاف الجوي في بعض الدول مثل اليمن والسودان وموريتانيا ومن وسط القارة الإفريقية بشكل عام ومن الأجزاء الجنوبية من الولايات المتحدة. في حين يمكن رؤية الهلال بالعين المجردة بصعوبة في حال نقاء الغلاف الجوي فقط من جنوب القارة الإفريقية ومناطق أميركا الوسطى، فيما يمكن رؤية الهلال بالعين المجرّدة بسهولة من قارة أميركا الجنوبية وما حولها فقط بينما تكون رؤيته غير ممكنة حتى باستخدام المرقب من أستراليا وقارة آسيا عدا بعض الدول.
وكان تقويم أوليّ منشور على موقع السيد علي السيستاني توقع أن تكون غرّة شهر رمضان الفضيل يوم الثلثاء 2 سبتمبر/ أيلول 2008 وفق أفق النجف الأشرف (اعتمادا على الرؤية بالعين المجرّدة)، إذ إن هلال يوم الاثنين 30 شعبان يبقى بعد الغروب 11 دقيقة إلا أن نسبة المنار منه بالقياس إلى أكبر قطر يبلغه القرص هي 0.74 في المئة، وعليه لا يتوقع التمكّن من رؤية الهلال.
«القطيف»: خصائص الرؤية ليلة
الاثنين لم تسجل قبلا
من جانبها، أكدت جمعية الفلك بالقطيف أيضا أن رؤية هلال شهر رمضان المبارك 1429 هـ ستتعذر يوم الأحد 29 شعبان (حسب تقويم الجمعية)، إذ لم تسجّل من قبل رؤية بالخصائص التي عليها القمر عند غروب الشمس، فيما تستحيل الرؤية في اليوم السابق بسبب حصول الاقتران بين الشمس والقمر بعد غروب الشمس.
وأشارت الجمعية الفلك بالقطيف إلى أنه يمكن رؤية الهلال بصعوبة في جنوب غرب القارة الإفريقية، وتبدأ الرؤية بسهولة من وسط المحيط الأطلسي كما يرسمه برنامج moon cal 6 حسب معيار يالوب. واستدركت الجمعية بالإشارة إلى أن ما ذكرته شهادة علمية لا تغني عن الشهادة الحسية لرؤية الهلال، وهو ما يفتح الباب على احتمال وجود شهادات ربما يختلف بعض العلماء على قبولها.
الوسط - محرر الشئون المحلية
تمنى نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية وهيب الناصر في بيان أصدره أمس «ألا يتم الأخذ بشهادة من يتقدم بالشهادة برؤية هلال شهر رمضان مساء السبت (30 أغسطس/ آب) لعدم وجود قمر في السماء إطلاقا في هذا المساء، ولأن ولادة هلال شهر رمضان تكون في نحو الحادية عشرة ليلا، أما مساء الأحد (31 أغسطس) فإن الهلال يمكث نحو 17 دقيقة (بأفق مكة المكرمة)، وعليه يكون الأول من رمضان هو الاثنين 1 سبتمبر/ أيلول»، وفق التقويم الإسلامي الموحّد.
وقال الناصر إن «إنّ ردّ شهادة من رصد هلال شهر رمضان في هذا اليوم (الأحد) بحجة عدم كفاية زمن المكث 17 دقيقة يعني أن الناس ستصوم شهر رمضان في 2 سبتمبر، وعندها سيُرى الناس الهلال كبيرا في أول يوم صيام؛ لأن عمره سيكون يومين ونصف اليوم، وسيكون الإبدار عندهم وهم في 12 من شهر رمضان».
وقال الناصر: «إنني لست متخصصا في العلوم الشرعية، فلذلك حججي ليس لها ثقل، ولكن الحجج بين أقطاب أهل الشريعة مثل الشيخ اللحيدان والمرجع الديني السيد السيستاني (معارضان للحساب الفلكي) والشيخ المنيع والمرجع الديني السيد فضل الله (مؤيدان للحساب الفلكي) يشجعنا على إبداء الرأي والتحاور في محيط من الاحترام والتقدير؛ فكلنا فداء لشرع الله ولسنة نبيه».
وفي تعليقه على تصريح رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح بن محمد اللحيدان في تبرير اعتماد شوال السنة الماضية بأن «رؤية هلال شوال في هذه الليلة لم تقتصر على مكان معين واحد أو اثنين أو ثلاثة، ولم يكن العدد من اثنين أو ثلاثة أو خمسة بل العدد وصل إلى العشرة، أو قد يكون البعض لم يصلنا لأنهم اكتفوا بمن بلغهم انه رأى (...) ورؤيتهم للهلال يدل على أن رؤيته في أماكن متعددة أمر متيسر»، فقد طالب الناصر الشيخ اللحيدان «لكي يبرئ الذمة بنقل شهادة الشهود واستجوابه لهم على الهواء مباشرة لنتعرف على نوعية الأسئلة المطروحة ونوع الإجابة، كما نتمنى عليه أن يزود جامعات ومعاهد المملكة العربية السعودية - على الأقل - بمحضر تقرير لجنته وما يضمه من شهادات الشهود عن رؤية شهادة الشهود؛ فالمحترف يستطيع توجيه أسئلة يكشف منها ما إذا كان الشاهد قد تراءى له هلال أو كوكب أو زيف».
وأكد نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية أنه «لا يمكن لنا نحن المسلمون الوقوف بعرفة في توقيت خاطئ مخالف لكل المراصد الفلكية بما فيها مراصد السعودية ذاتها، وكان ذلك واضحا العام الماضي، وربما لهذا السبب وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلا من وزير العدل ورئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إلى ضرورة الاجتماع للخروج بالصيغة الصحيحة التي تحقق رؤية الهلال في وقته المناسب عبر الاستعانة بالمراصد الفلكية». وبين أن عضو مجلس الشورى السعودي الشيخ عبدالمحسن العبيكان ذكر أن اللجنة التي تم تشكيلها أيدت الرأي المطالب به الذي ينص على «ألا تقبل شهادة الشهود منفردين عن المراصد الفلكية»، ولكن تفاجأنا بالرفض. فمن هو الرافض؟!».
العدد 2181 - الإثنين 25 أغسطس 2008م الموافق 22 شعبان 1429هـ