وَثَبَتْ سيسكا رومباز على كرسي بلاستيكي وانعمت النظر من خلال النافذة المغبرة إلى اخيها، ألدوكانسل، الذي كان يستلقي على سرير بلا حراك. كان في حالٍ يرثى لها، إذ لف ذراعه بعصابة، وعلى وجهه حروق كالخرائط.
كان ألدو في بار النادي الليلي عندما انفجرت السيارة المفخخة، ونقل إلى مستشفى قريب في بالي، إذ لم يتلق أي عناية طبية حتى الساعة الثانية من فجر اليوم التالي. وعلى رغم حروقه الكثيرة وصراخه من الالم، لم يعط مخدرا للألم.
هذا المستشفى استقبل جميع الجرحى من السياح الاجانب، ولكنهم سرعان ما نقلوا جميعا إلى استراليا او سنغافورة خلال 36 ساعة، ليتلقوا افضل علاج طبي متاح في العالم.
ولكن الضحايا الاندونيسيين بقوا في المستشفى المحلي ممددين على اسرة حديدية في أجنحة متواضعة بينما تحتشد اسرهم في الخارج في دهاليز مفتوحة للهواء، يجلسون على الارض ينتظرون سماع الاخبار. وعندما يحل الليل يرقدون على السجاد البالي او قطع الكرتون، ولا يعرفون شيئا عن غرف الفنادق.
ولا يسمع شيء عن اهالي بالي الذين قضوا في هجوم كان يستهدف الغربيين مباشرة. ولكن القنبلة اصابت عددا كبيرا من السكان المحليين. وتأكد مقتل سبعة من الاندونيسيين وفقد 35 آخرين. عشرات الاشخاص في المستشفى ويعاني كثير منهم من حروق حادة. وقد وصلت ثلاث شحنات من الإمدادات الطبية من استراليا، واصبح الوضع في المنطقة اقل كآبة من الساعات الاولى بعد وقوع الانفجار، عندما غرق المستشفى في الدماء والضمادات والأشلاء. ولكن ظلت الاحوال في الاجنحة كما هي، اذ تفتقر سانجلاه إلى العمليات والخبرات الاخرى المتعلقة بالحروق.
تقول اسر ضحايا الاندونيسيين انهم سيسعدون لو اخلت الدول الغربية الجرحى، وتقول سيسكا رومباز: «اريد ان يذهب اخي إلى اي مكان تكون فيه العناية افضل».
ويرغب الاطباء في بالي في الاشراف على جرحاهم، ولكن يعلمون ان العناية الطبية افضل في اي مكان آخر. يقول مدير الموارد البشرية في المستشفى ويان دانا «اذا كانت هناك دولة متطوعة تخلي جميع الجرحى في هذه الفترة فلا مانع لدي».
ألدو الذي ذكرناه في البداية هو من جزيرة لومبوك المجاورة، جاء إلى بالي لاول مرة وكان يفترض ان يكون في منزله يوم الاحد من رحلة عمل، ولكنه وفر لنفسه مصروف يوم فقرر الذهاب في نزهة إلى كوتا وهي منطقة اللهو الليلي الرئيسية في بالي، وتناول اول مشروب له في البار عندما انفجرت القنبلة. فقذفت قوة الانفجار به في الهواء قبل ان يقع على مسافة 10 ياردات، قام بعدها ومشى مسافة قصيرة ثم سقط على الارض. والتقطه غرباء من وسط الحرارة والزحام ووضعوه في سيارة اجرة، وبعد ساعات قليلة وصلت اسرته إلى سانجلاه. يقول اخ زوجته، ساسيلاس جاجانا: «لم استطع التعرف على وجهه، فقط عرفته من صوته». واضاف «لقد اصيب بحروق في وجهه، وكتفيه وذراعيه، وهو لا يستطيع التنفس بسهولة، ويرتجف كثيرا».
ويعتبر ألدو (20 عاما) اصغر افراد الاسرة، اخواته الكبيرات ذاهلات، إذ تحس سيسكا بأنها مذنبة لانها ألحت عليه بالرجوع مبكرا إلى المنزل من رحلته. واستقلت اخته الاخرى، ميسك رومباز، الطائرة من جاكرتا لتنضم إلى البقية في المستشفى. لم يجدن الشجاعة الكافية لاخبار امهن بأن الدو قد اصيب، لئلا تحدث لها أزمة قلبية.
وسمح لاسرة الدو، كما للاقارب الآخرين، باتصال قصير به. الجناح منطقة جدباء والزيارات قصيرة. سيسكا التي ترتدي قميصا قصير الاكمام ابيض وتنورة خضراء، سدت الثقب بالتحديق في اخيها من النافذة... احتشدت بعض الاسر على عتبة الجناح غالبيتها من اقارب الضحايا الاندونيسيين. في الليلة السابقة كان هناك عشرات الاشخاص يجلسون على الارض بالخارج او يتكئون على الجدران، يدخنون السجائر ويثرثرون بهدوء. حولهم اكياس من الفواكه والخبز وعبوات المياه... وناموس البعوض.
وتقول سوميارسي (17 عاما) والتي ترقد اختها الكبرى، توميني - 25 عاما - في الجناح مصابة بـ 40 في المئة من الحروق «نريد ان نكون بالقرب منها، ربما تصرخ في الليل، او في حال يريد الاطباء اخبارنا بشيء عنها». والمصابة كانت تمشي بالقرب من نادي ساري عندما حدث الانفجار، وتصف ما حدث لأختها قائلة: «لقد قذف بها بعيدا، الا انها مازالت في وعيها، وجرت تبحث عن حوض سباحة لان الحروق آذتها كثيرا» تعيش غالبية اسرتها في توبان غير بعيد عن كوتا.
ويقف عند احدى الزوايا زوجان قلقان وهما يمسكان بأكياس بلاستيكية. جاء نيومان سودا وديسا كسوكريني لزيارة ابنة عمهما ديساك مادي، 18 عاما، والتي كانت تعبر بالقرب من المكان في الوقت المشئوم، وهي الاخرى مصابة بحروق رهيبة. فقد جاء الزوجان بعد أن شاهدا اسمها في قائمة الجرحى في نشرة التلفزيون، فسافرا 60 ميلا من قريتهما جيمبرانا. يقول نيومان: «سمعنا اولا انها ماتت لان الشرطة وجدت هويتها بالقرب من جثة، ثم صحّحوا خطأهم بالاشارة إلى انها ليست هي، ثم سمعنا انها ضمن الجرحى». على اية حال هذه الاسرة تعتبر محظوظة. فهناك اسر تعيسة فقدت اقاربها وتخشى ان يكونوا ضمن الجثث المتفحمة في مشرحة سانجلاه. فهم يتجمعون يوميا في مركز طوارئ الاسر في الدور الثاني من المستشفى املا في سماع اخبار جديدة.
وقد تم فتح حساب لجمع التبرعات لكارثة الاندونيسيين الجرحى في الانفجار. ويناشد اعلان منشور على الحائط في مستشفى سانجلاه الناس اظهار الشهامة: «من فضلكم ساعدونا، ساعدوا الجرحى الاندونيسيين واسر الموتى، فهم لا يجدون سبيلا لانقاذ جرحاهم».
وفيما كانت الاسرة الدولية تعرب عن غضبها لقتل السياح الاجانب الذين جاءوا للمتعة والشراب، فان الاندونيسيين بقوا في الظل لا يذكرهم غير عوائلهم الحزينة
العدد 44 - السبت 19 أكتوبر 2002م الموافق 12 شعبان 1423هـ