أشار الباحث السعودي تركي الحمد في مقال له بمناسبة مرور عام على حوادث سبتمبر/ أيلول إلى أن الإرهاب، وهاجس الإرهاب هو الثقب الوحيد الذي تنظر منه أميركا إلى العالم من حولها، موضحا أن هذه النظرة أدت إلى ازدياد أعداء أميركا، بسبب نظرة القائمين على الحكم في واشنطن. مؤكدا أن أميركا غانية مستغنية بذاتها عن الكل... وأن ما تفعله بعد حوادث سبتمبر هو فقدان الأصدقاء عوضا عن كسبهم.
وفي إطار هذه المعالجة، يواصل الحمد سبر أغوار هذه القضية، والتفصيل في هذا المقال ليؤكد في محاضرة له بعنوان: «العراق / الخليج - السيناريوهات المحتملة» أن سلاح المواطنة، وإصلاح الذات، وحرق أوراق الضغط الأميركية التي تسلطها على رقاب الأمم المختلفة المتمثلة في حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات قمينة بتكريس مسائل الحقوق، والمساواة، مما يقطع الطريق أمام الذرائع التي تقدمها أميركا على الدوام في خلافها مع الأمم المختلفة. مؤكدا من جهته أن حوادث سبتمبر كانت العتبة التي دفعت إلى تشكل فكرة أميركا بوصفها إمبراطورية، لا تحتاج إلى شرعية، وهي في سعي دؤوب إلى خلق عالم على شاكلتها، تحت مسمى الولايات المتحدة العالمية.
وأشار الحمد إلى أن الهوس الذي أصاب السياسة الأميركية أو إعلانها حرب بسوس جديدة - بحسب المقال المشار إليه - يأتي في سياق الفراغ السياسي الذي أصاب العالم في الفترة الواقعة ما بين سقوط جدار برلين وسقوط برجي نيويورك، وأن درس التاريخ يؤكد لنا، أن مثل هذا التحول العالمي يفضي على الدوام إلى إعادة رسم للخرائط الجيو- سياسية للعالم، محددا منطقة الشرق الأوسط بوصفها مرشحة لهذا التغيير، على مستوى الخريطة السياسية، والخريطة الجغرافية. ويستشهد الحمد في هذا السياق بتصريح أدلى به رئيس جهاز الـ «C I A» الأسبق إذ قال «حان الوقت لاستبدال جميع الأنظمة العربية» واصفا هذا التصريح بأنه منطقي، وهو غير آتٍ من فراغ...
ويحلل الحمد انطلاقا من هذه التصورات والخطوط العامة بالقول ان فكرة الدولة الأميركية قائمة على فكرة الدولة المفتوحة على مستوى الحدود، حالها في ذلك حال إسرائيل لجهة التخوم اللامتناهية، والحدود المفتوحة، والتوسعات المستمرة، وما حدث في سبتمبر يمثل الشرارة الكبرى التي تدفع آليات عمل الولايات المتحدة باتجاه هذا التوجه شرارة لما سيحدث ونتيجة لما حدث، في ضوء الفراغ السياسي غير الممتلئ المؤدي إلى إعادة اتخاذ مواقع جديدة، كما حدث في أوروبا نتيجة للحربين العالميتين.
ويرى الحمد أن منطقة الخليج العربي مرشحة بقوة لإعادة تقليب أوراقها من جديد، ولإعادة رسمها وتشكيلها على النحو الذي يلبي احتياجات الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة. وعليه فإنه يحدد ثلاثة أسباب تجعل من هذه المنطقة مهددة لمصالحها الاستراتيجية، وهي: احتياط النفط العالمي والذي يقدر بنحو 64 في المئة من إجمالي الاحتياط العالمي، وقضية أمن إسرائيل، وأخيرا الفراغ السياسي الذي تعاني منه المنطقة خصوصا في الفترة الواقعة بين حربي الخليج الأولى والثانية، فالسعودية لم تكن بالقوة الكافية، وموقف أميركا من إيران معروف، وبالتالي فلا بد من إحداث تغييرات في المنطقة، لضمان تسيير الأمور كافة، وفق ما تقتضيه المصالح الاستراتيجية الأميركية من هذه المنطقة.
لذلك فالمحاضر لا يرى أن الهدف وتبريره في القرار الصادر رقم 1441 يتمثل في إبدال النظام العراقي الحالي، بل ان العراق يشكل بؤرة للتغيير في المنطقة ككل، وأن القضية المشكلة تتمثل فيما بعد الخلاص من نظام الحكم العراقي.
ووفقا للمعطيات السابقة فإن التدخل في العراق حتمي منطقيا ومصلحيا، ويفي بالمتطلبات الاستراتيجية للولايات المتحدة. ويقترح - الحمد - مجموعة من الاحتمالات / السيناريوهات المحتملة بعد التدخل في العراق وتغيير النظام القائم، أولها: إقامة حكم عسكري مباشر مثلما حدث في الدول المنهزمة في الحرب الثانية، وإيجاد البديل، كون المعارضة العراقية ضعيفة، مع الاحتفاظ بفيدرالية سنية، شيعية، كردية. الثاني: إعادة الملكية للعراق، كما كان عليه الحال وقت الملك فيصل، أي إقامة حكم هاشمي، والدفع باتجاه الضغط على الجيران وخصوصا السعودية لأن هذا الاقتراح أو التصور لن تقبله. الثالث اتحاد هاشمي أردني - عراقي كونفيدرالي، ويهدف ذلك إلى دعم الأردن الضعيف ماديا، وحل المشكلة الديموغرافية فيه، والعائق الوحيد في هذا السيناريو هو معاداة إسرائيل. أخيرا: مملكة هاشمية تضم الأردن وسنة العراق، ولن يسمح بقيام دولة كردية، فهذا لن يرضي تركيا المكونة من تجمعات سكانية غير متجانسة، ولن يسمح بقيام دولة شيعية مستقلة حتى لا تكون ورقة رابحة بيد إيران، وورقة ضاغطة على السعودية والكويت.
ويرى الحمد أن الفترة الزمنية التي سبقت 11 سبتمبر كانت السياسات الأميركية فيها بعيدة عن الشأن الداخلي للأمم، وأن تدخلها في الشؤون الداخلية، لا يكون إلا بعد حدوث تهديد للمصالح الأميركية، ويقتضي الأمر لتسهيل انسيابية المصالح تغيير الداخل، إلا أن المرحلة المقبلة، وحتى الجارية حاليا تتميز بالخطورة، فبعد القضاء على العراق تأتي أدوار سورية وإيران والسعودية، وسيكون خضوع سورية بشكل تلقائي أو بالقوة، بسبب كون سورية الداعمة لحزب الله، ولتصبح من ثم سدا في وجه إيران، وتسهم في قطع الجذور مع المنظمات التي تصنفها أميركا بالإرهابية - الفلسطينية منها تحديدا - . كما أن العراق بعد أن يصبح حليفا لأميركا سيكون بمثابة القوة الضاغطة على السعودية، وسيناريوهات ذلك حصار السعودية ومقاطعتها إن لم تستجب لعمليات التغيير الثقافي والسياسي التي تتوافق مع مصالح أميركا، على رغم كونها حليفا تاريخيا منذ 70 سنة، فإنها ليست بالحليف الاستراتيجي مثل اسرائيل، وعليه ربما يجرى إقامة مناطق نفوذ معينة تحدد بخطوط الطول، كما هي الحال في العراق المقسم بخطوط عرض.
ويرى الحمد من خلال استقرائه لمجريات الأمور أن هذه السيناريوهات المقترحة ممكنة الحدوث، وهي خطيرة، وتمثل فيما تمثله إعادة تشكيل للمنطقة من جديد، ويرى أن الحلول بأيدينا، وتتمثل في وقف دوامة الفساد والاستبداد، وهو الطرح الذي لا يفتأ الحمد يذكرنا به على الدوام، هذه الدوامة لا يوقفها إلا الالتفات إلى مفهوم المواطنة المتساوية. والمواطنة هي سلاحنا، وسبيلنا إلى قطع الطريق أمام أي مخططات / سيناريوهات محتملة الوقوع
العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ