نُقل عن جبران خليل جبران انه قال: إن تاج لويس الرابع عشر مع مارُصّع به من كرائم الأحجار، وغوالي اللآلئ، لا يعدل في ميزان الحقيقة نعل «علي» التي قال لابن عباس عنها: لهي أحب إليَّ من خلافتكم، الاَّ أنْ أقيم حقا وأدفع باطلا.
إذن، آن لها أن تكون ذكرى لحشد وتزاحم السمو، واستجلاء العدالة، وتمثل الحق، وتبيان روعة المثل. لم يكن دما ذلك الذي خضَّب الموضع الطاهر، كان سيلا من نور ونار... نور لمن أعمتهم البصيرة قبل البصر عن رؤية ما جسَّده علي (ع) في دنيا الناس... ونار على أولئك النفر الذين ظلوا معسكرين في مجنات المطامع، مخاتلين ومراوغين ومنافحين عن مُثل تأباها الدواب !
هو موقف فيصل بين ساعة ذلٍ وعزِ دهر ، وهو القائل: ساعة ذل لا تفي بعز الدهر. لذلك لم يكن الاختلاف عن «علي» صدمة في عصر ما برحت أكثريته مشدودة لجاهليتها الأولى، فيما النزر القليل مشدودا إلى الله وقيم السماء وصوت الرسالة، فتراه بعين العارف ببواطن النفوس يشرِّح أنماطا من العبادات قامت ورُفعت...: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجَّار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
«حريٌ بك وأنت في دنيا خلودك أن تبكينا لا أن نبكيك «... ذلك ما لهج به أحد مسيحيي الشرق، في مناجاة بيضاء صادقة تعطي مثلا رائعا لمؤاخاة الرسالات، فيما أبناء الرسالة الواحدة يختلفون عن محورية «علي» في قيام الرسالة وإتمامها.
وللحكمة عند «علي» بحر خضمّ لايُعرف أوله كي يُبلغ آخره، هو أب الكلام في بعده الروحي والأخلاقي والقيمي بعد نبي الرسالة «ص»، وبكلمات موجزات، يعلن أن: «المعروف رقّ» و «الخوف أمان» و «الجَوْر ممحاة». أية روعة تتمثلها بضع كلمات تأخذ بالألباب والقلوب ؟... نعم... الجَوْر ممحاة لكل ما يصل الإنسان بربه و ببني جنسه، ممحاة لكل بياض سطرته يد، فيما العدل تثبيت لكل ما يصل الإنسان بربه وببني جنسه، تثبيت لكل بياض سطرته روح ويد.
وهو عاهل الكلام الحق، يعلن في الوقت ذاته: «ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان». فسلام عليك يوم ولدت ويوم ضُرّجت بدمك الذي أضاء سُدْفة الحياة وجهالات الناس، ويوم تبعث حيّا
العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ