تُلقي بشيءٍ من طرف ذاكرتها نحو الوقت، وتفتح للحبر مواسير الدهشة والخيلاء النصية الرائعة... موسيقى ومعاني ظهرت في بداياتها الأولى بعنوان (غائب ولكن...) ثم تطورت إلى (قبلة في مهب النسيان). رصيد هائل من الكلمات وأمسية واحدة في بيت الشعر البحريني تحت التأسيس وخطوات تنبئ عن ديوانٍ جديد ينتظر حقه من الخروج. لا تزال سوسن دهنيم تحت ظلال الحرم الجامعي.
في البدء كانت تعكف على دراسة المحاسبة، ثم انطلقت برغبة التحويل إلى تخصص اللغة العربية ليكون نصيرها وحليفها في التجربة الشعرية الواعدة بمليون قنديل مررنا بجوارها وكان لنا من الحديث فرصة:
* ما هي بداياتكِ مع النشر؟
- لم أكن أريد لقصائدي أن تنشر في صفحات القراء، كنت أطمح إلى الصفحات الثقافية المتخصصة، لكن وللأسف الشديد لم أستطع النشر لأن الصفحات الثقافية مرهونة بأسماء معينة أو أسماء معروفة ومشهورة... لهذا لجأت إلى المواقع الأدبية في الإنترنت والمجلات العربية.
المولود البكر
* قلتِ في (غائب ولكن...) أنهُ أول مولود أكدَ أنَّ القلم حبيب... والحرف صديق لا يمكن استبداله... ماذا يعني لكِ هذا الديوان؟
- يقول البعض إن لغة هذا الديوان لغة متذبذبة، أنا أقول إنَّ لهذا الديوان مشاعره المتذبذبة التي من المفترض أن تكتب بهذه الطريقة ولا تكتب بطريقة أخرى، لا أدري لكن بطبيعة الحال أعتقد أنّ هذه التجربة كُتبت في مراحل متذبذبة أصلا، هناك نصوص كتبتها وأنا في الإجازة التي تفصل بين المرحلة الابتدائية والإعدادية. كان عمري حينها 12 عاما وتجدين أيضا في نفس الديوان قصائد كتبتها في المرحلة الثانوية.
* لكن قارئ النصوص الموجودة في هذه التجربة لا يشعر بحجم هذه الفترة الزمنية التي تشيرين إليها...؟
- ربما لأن قراءاتي في تلك الفترة كانت محدودة، فالقراءة والاحتكاك لهما مردودهما الكبير والإيجابي في تكوين التجربة ومنعطفاتها. لكني في نفس الوقت أعتز بهذه التجربة كثيرا لسببين رئيسيين أولا لأن هذه التجربة كُتبت في مرحلة مبكرة جدا، و ثانيا لأنها البداية التي شققت منها طريقي.
* ماذا استفدت من هذه التجربة الأولى؟
- استفدت من هذه التجربة كثيرا، واستفدت مما نُشر عنها كثيرا. مازلت أذكر ما كتبه (جعفر حسن) عن هذه التجربة، كان يقول: «إن هذه التجربة لو تم تبسيطها أكثر لكان الفصل بين الشعر والخاطرة فيها صعبٌ للغاية». كان أثر هذا الرأي قويا جدا عليّ، بدأت في التفكر مجددا في طبيعة تجربتي... شعرت برغبة قوية تشدني نحو تطوير ما أمتلك، طبعا في الفترة التي فصلت بين الديوانين الأول والثاني. كنت أكتب كثيرا كان عندي نصوص مُطورة كثيرة لكنها لم تُنشر لأني كنت أعتبر هذه التجربة كبرى تجاربي...
أسلوب جديد...
* أعتقد أن معجمك الشعري بدأ يتشكل بكل تقاسيمه الرقيقة والبريئة، زهرة برية، صبّار، ليلك أشياء نرجسية وروائح معطرة شفافة وكما تقولين ناصعة السواد، فما مدى تطور هذا المعجم الشعري في قصائدكِ الجديدة؟
- بصراحة أشعر أن هناك مصطلحات دخلت وأخرى شُطبت وعبارات أخرى شعرت أني كتبتها كثيرا قمت بشطبها وإلغائها. فقد دخلت في أسلوب جديد ومختلف، والمشكلة في الأسلوب الجديد أنك حينما تتطور يكون من الصعب أن تعود لمستواك السابق لأنك بهذا ستكون قد ألغيت هذه المحصلّة لهذا عليّ أن أخرج من الأنا وأخرج من الموضوعات القديمة.
* ما هو تقييمك لتجارب الشعراء من جيلك أو الشعراء الذين ارتبطت أسماؤهم بالفترة الزمنية نفسها... حسين فخر، منى الصفار، علي الجلاوي، عبد الرضا زهير، سيد جعفر وغيرهم؟
- أعتقد أن تجاربهم رائعة جدا وجميلة، وتجارب قوية لكني صُدمت بشاعر واحد فقط كان لمعرفتي به صدمة... تساءلت في نفسي عن الشيء الذي جعله غائبا عن القائمة التي كنت أتابعها وهو يحمل كل هذه الموهبة! لا أخفي أني سمعت عنه بأنه شاعر جيد لكني لم أتوقع حجم الصدمة التي أصابتني بعد القراءة له وكان هذا الشاعر هو حسين فخر.
بيت الشعر البحريني
* كانت لكِ مع هذه المجموعة من شعراء جيلك طموحات مرتبطة بإظهار صرح ثقافي آخر يوازي صرح أسرة الأدباء وهو بيت الشعر البحريني، ما هي قصة بيت الشعر البحريني وأين هو؟
- ببساطة بيت الشعر البحريني اندثر، المفروض أنه ابتدأ في مشاريعه، لكن كما يبدو أن هناك من يختلق الظروف لنفسه ولمشاغله وينأى عن بيت الشعر، فبعد كل التحديات التي طرحها هذا المشروع أراه الآن ينسحب بطريقة مشينة للغاية.
* من برأيكِ المسئول عن الإحباطات التي أصابت بيت الشعر...؟
- في البداية بيت الشعر لم يكن خارجا بصيغته الشرعية وحتى الآن لم نحصل على موافقة من وزارة الإعلام، وأعتقد أن الإحباطات ليست من هذا الطرف وحسب بل لأننا نُكيف الظروف لتكون ضدنا.
* يبدو أنكِ بنيتِ عالمك في بيت الشعر وعولتِ عليه الكثير، هل أنتِ في طريقك لتأسيس عالمك الخاص... عالم كلمتكِ الخاصة بكل طموحاتها وجموحها وبمقابل كل هذه التحديات الموجودة؟
- أعتقد أنني بدأت أحس أن من المفروض ألا يسير الشاعر على منهج معين لأنه في نهاية المطاف سيكون مكررا، أتمنى أن يكون لي عالمي الخاص في الكتابة ولازلت أعول على بيت الشعر وسيعود بقوة أن شاء الله.
* ما رأيك فيمن يقول إن قصيدة النثر ما هي إلا مقطوعة نثرية تختلف في إخراجها على الورق عن النص القصصي أو الخاطرة، وتكتب على شكل أسطر؟
- لا، أعتقد أن هذا الكلام خاطئ بكل أوجهه، لأن القصيدة الحديثة تتميز بلغتها وكلماتها وصورها وموسيقاها الداخلية.
* هل وجدتِ نفسكِ في قصيدة النثر أم أنكِ تطمحين إلى شيء آخر، يسكن في هواجس قلمك؟
- أشعر أنني تمكنت من التعبير عن نفسي من خلال قصيدة النثر، شعرت بقربها مني وقربي منها. وأتمنى أن أحقق المزيد فيها، وأظن أن هذه القصيدة تتيح الفسحة للكتابة أكثر فأكثر.
المخاض القادم
* يبدو من خلال حديثك انكِ تضمرين مجموعة جديدة وكبيرة عنا؟
- نعم، عندي ديوان جديد جاهز للنشر، لكني لا أفكر بنشره في الفترة الحالية.
* لماذا؟
- السبب وبكل صراحة، هو اعتقادي أن ديوان (قبلة في مهب النسيان) لم يأخذ نصيبه أو حظه من المناقشة حتى الآن. أريد أن أعطي لهذا الديوان فرصة أكبر في الظهور.
* ماذا سنتلمس في ديوانكِ الجديد؟
- في تجربتي الجديدة أشياء كثيرة مختلفة ربما يُصدم من يقرأها، لأني أشعر بهذا فعلا، أشعر بالاختلاف فيها من كل الجوانب، من حيث المضامين والمعجم اللغوي وطريقة الكتابة. كلها جاءت بنمط مختلف
العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ