العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ

العقل وفسحة التفكير

إن أهم منحة منحها الله سبحانه وتعالى الإنسان هي نعمة العقل وهو ما يميزه عن الحيوان ولو أنه حيوان ناطق ولكن لو نطق الحيوان فبماذا سينطق يا ترى؟!

الحيوان لا يستطيع التفكير ولا النطق، ولو أراد أن يفكر وينطق فإنه سيسأل نفسه أولا هل أن لديه عقلا كي لا يخطئ؟ لأن العقل هو الذي يتحكم بالتفكير والنطق، فليس كل منطوق مفيد وليست كل فكرة صائبة.

هذه المقدمة تصلح أن تكون مدخلا للحديث عن الأشخاص الذين يحاصرون أنفسهم بأنفسهم وهم كثر، هم لا يريدون أن يفكروا ولا يسمحون لغيرهم بالتفكير، لكنهم يختارون من يفكر عنهم بحسب المزاج والرغبة ليجعلوا من وجهات النظر والآراء هذه ثوابت لا يمكن أن يحيدوا عنها، ولا يتأكدوا منها؛ لأنهم أراحوا عقولهم واستغلوا عقل وتفكير «البديل المريح»!

لا نختلف في أن الثوابت ثابتة لا يمكن أن تتغير وخصوصا الثوابت الدينية، ولكن أن نثبت الآراء ووجهات النظر لكي تكون من الثوابت التي لا يمكن النقاش فيها فهذا عين الجهل، والاستخفاف بالعقل الذي خلقه الله لمهمة التفكر والتدبر وإعطاء الأوامر البيولوجية لكن المنطقية، فمثلا الأكل الكثير لغير الجائع ضد الحكمة من الأكل والكلام الكثير في غير محله ليس من أوامر العقل السليم والتفكر في أمور سخيفة عند العرف الحقيقي هو تضييع للوقت ولكن بالمقابل فإن محاصرة النفس بالثوابت المصطنعة (اعتبار الرأي ووجهات النظر من الثوابت التي لا كلام فيها) فإننا لن نخرج في المستقبل القريب أو البعيد بسلام بسبب هذه الثوابت التي تحبس الشخص في عقله وتفكيره وحتى جسده. لأن حركة الجسد المنطقية يجب أن تكون من خلال العقل الواعي وإلا فهي حركة غير منطقية. بعض الأشخاص لا يشعر بارتباط حركة الجسد بالعقل وهذه مصيبة أخرى.

كم من النظريات العلمية والدينية التي ثبتت في عقولنا ووعينا بأنها لا يمكن أن تكون إلا صحيحة ووضعنا خطا أحمر أمامها حتى لا يتجرأ أحد على نقاشها و»تقليبها «وليس تقبيلها. هنا تحدث المفاجأة الكبرى عندما نكتشف أن ذلك الرأي كان خطأ أو أنه يوجد رأي آخر يوازي هذا الرأي أو يلغيه، عندها يحدث الصراع النفسي بسبب هذا التغير في الواقع من حولنا بينما لم تتقبل عقولنا هذا الواقع الجديد.

المطلوب هو ترك مساحة كبيرة بحجم استيعاب العقل للتفكر والتأمل في كل الآراء ووجهات النظر سواء على المستوى الديني والعلمي أو الوطني، وأن لا نجمّد عقولنا أو نسمح للآخرين أن يفكروا عنا لأنهم بهذا يسلبون حريتنا ونبقى بعقول لكنها عقول «متقاعدة».

ابراهيم حسن

العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً