العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ

السعادة تحت طي التفاؤل

تتفاوت نظرات الناس نحو مفاهيم الحياة بشتى أنواعها، وذلك بالطبع إذا لم يكن فيه عرف قطعي، أو حكم شرعي، وهذا التفاوت في النظرات يخلق لدى الإنسان الحس المعرفي، وينمي فيه حب التعرف على كنه الحياة، إما من عدة مناظير في ذهنه، وإما عبر مناظير بصره، وعادة ما يبدأ الحكم على الشيء من العاطفة، والنظرة المادية المباشرة، والدنيوية البحتة، وغالبا ما يكون الحكم حينها قاصرا، أو مجانبا للصواب.

والسعادة هدف يسعى إليه الإنسان بشتى ميوله، وحتى على اختلاف الديانات والثقافات والمذاهب، وكل أولئك يبحثون جاهدين، ويسعون حثيثين، على جلب السعادة لأنفسهم وأسرهم، بما أوتوا من قوة، وبما أنفقوا من أموالهم، ولو تأملنا أحوال الناس ومصادر السعادة عندهم، أو التي ظنوها مصادر لسعادتهم، نجدهم لا يعدون واحدا من ستة أصناف:

الصنف الأول: من الناس من ظن السعادة بالمال، أو أن المال يجلب السعادة، أو يستطيع أن يشتري السعادة به، فأتعب نفسه، وجلد ذاته، وكد جسده، في سبيل تحقيق المال، حتى وإن كان جلبه والحصول عليه بالكذب والاحتيال، أو الغش والخداع والدجل على الناس، فلا يهمه مصدره ما دام أنه سيسعد نفسه وأهله به، وهذا الصنف ما لبث إلا قليلا أو كثيرا حتى أقبلت عليه الدنيا، وامتلك الثروة الكبيرة، وركب السيارة الفارهة، وسكن القصر المنيف، وإذا به يكتشف أنه كلما زادت ثروته، زاد معها العمل والشقاء والهم، بقدر ما زاد من ثروته، ونما في رصيده، والسعادة مع هذه الأموال لم يجدها، وإنما وجد النكد والهم والخوف على هذه الثروة من الضياع، أو الخسائر بعد المكاسب، والإفلاس بعد الغنى، وما يزال يتقلب مع معاملاته وأرصدته، من دون أن يجد ما يريد، أو يحصل على هدفه المنشود، ومرامه الضال، والذي كون من أجله المال والثروة، بل كان كل ذلك عليه حسرة وبلاء، ثم ينفق من المال إن كان سخيا ليرفه عن نفسه، لكنه لم يستطع شراء السعادة بأمواله.

الصنف الثاني: هم الذين بحثوا عنها بالشهرة، أيا كانت الشهرة وعن أي طريق تجيء، سواء كان ذلك بعد جمع المال، وإشهار نفسه بالدعاية لأملاكه، أو طلبها بالفن والغناء والطرب، وربما حصل على الشهرة التي يريد، ولكنه مع ما وصل إليه من شهرة عبر الإعلام المرئي والمقروء، إلا أنه يعيش داخل نفسه في صراع وحيرة، تعرفها في لحن قوله وفعله، أو عبر تنهداته أثناء كلامه، ويحاول أن يعالج مشاكله بمشاكل الناس، مصورا المجتمع بمرأى عينه، ليصل إلى حل لمعاناته، مهما زعم من قصد وإن صدق أحيانا في بعض زعمه، إلا أنه في النهاية لا يجد سعادته.

الصنف الثالث: صنف طلبها بكثرة أسفاره، وتنقله في مناكب الأرض، فركب الفضاء وجاب الصحراء، وكشف مكامن الجمال والطبيعة، وأنى يذكر له مكان يظن فيه سلوة لنفسه، وترويحا عن جسده، ركب إليه الأخطار، وأنفق الأموال، وربما تحمل من أجل ذلك الديون كي يحصل على ما يريد، ومهما بلغ هذا الصنف من أماكن نأت أو دنت، تكسوها الخضرة والنضرة، وتنساب من بين أشجارها الأنهار، ويصفق بأوراق أشجارها هبوب النسيم، إلا أن هذا يزيده نشاطا، ويجدد حيويته، ولكنه لا يجلب السعادة له، وإن شعر بها وقتيا.

الصنف الرابع: صنف ألقت عليه الدنيا بكلكلها، وأناخت عليه الهموم بثقلها، وربما كانت هذه الهموم صادرة عن غنى مطغٍ، أو فقر مدقع، فحاول الهرب من واقعه بشتى الطرق، واختار لذلك الطريق السريع، والبعيد الأثر، والمهلك للنفس، وطلب زوال الهموم حتى لو كان الثمن زوال عقله، فكان الإدمان مورده، وتعاطى المخدرات، ليعيش بعيدا عن همومه، تحت نشوة زائفة، فخسر دينه ودنياه وسمعته، ولم يجد سعادته.

الصنف الخامس: أولئك الذين تبعوا شهوات أنفسهم، وبحثوا عن ملذات الحياة، سواء أكان ذلك بالبحث عن المطعم والمشرب، ورغبة إشباع البطن، وإرضاء الذوق، أو في شهوة غريزية عابرة، يتبع في سبيل الحصول عليها أي طريق يوصله إليها، يفني في ذلك عمره، ويضع من أجله وقته، ثم لا يجد سعادته.

والصنف الأخير: هو من طلبها بتقوى الله، والقرب منه، والتوكل عليه، والملجأ إليه، فكلما حزبه أمر لجأ إلى الصلاة، وإن فرغ من شغل قرأ القرآن، وتلا آياته، وردد كلماته، وتدبر عظاته، فتجد هذا وإن لم يكن ذا مال، أو صاحب شهرة، أورب منصب، إلا أنه يعيش وقلبه مفعم بالأمل، ويشع منه النور، حين يطرح عن نفسه أفكار القنوط، وأوهام اليأس، ويتذكر أنه قد كتب له ما أصابه، ولن ينال إلا ما أعطي، فأضاء بنور التفاؤل طريقه، ونفى عن نفسه اليأس، وإن لم تكن هذه السعادة في مقياس الناس، إلا أنه قد يكون أقل الناس شقاء وبؤسا بل هو أقلهم.

حوادث الدهر لا تبقي على أحد

ثوب السعادة في حلٍّ ومرتحل

أحمد عبد الله الملا

العدد 2318 - الجمعة 09 يناير 2009م الموافق 12 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً