تنتشر أمراض القلب في مجتمعات العالم، ولا فرق واضح اليوم بين انتشارها في غربي العالم أو شرقيه، أو في المناطق الغنية والمتقدمة وفي المناطق الفقيرة والنامية. ولا تزال أمراض القلب السبب الأول في الوفيات على المستوى العالمي، إذْ تُشكل وحدها نسبة تُقارب 30 في المئة في التسبب بالوفيات العالمية، وفق ما تُؤكده منظمة الصحة العالمية.
والملاحظ أن أمراض القلب تنتشر ما بين فئات الناس المتقدمين في العمر. كما أن الملاحظ هو انتشار أمراض الروماتيزم وغيرها من أمراض «الجهاز العظمي ـ العضلي» في ما بين أولئك الناس، أي الأمراض التي تطال العضلات أو العظام أو المفاصل أو الأربطة والأوتار. والقاسم المشترك بين أعراض الروماتيزم، أو أي أجزاء في «الجهاز العضلي ـ العظمي»، هو الشعور والشكوى من الألم. غالبا ما تتم معالجة هذه النوعية من الألم بالأدوية التي يُطلق عليها «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية Nonsteroidal Antiinflammatory Drugs (NSAIDs). إلا أن ثمة إشكاليات قلبية علاجية في استخدام وتناول مرضى القلب لمثل هذه النوعية من الأدوية، سواء بالتناول عبر الفم أو الدهن على الجلد. وبالمراجعة للمصادر الطبية في رابطة القلب الأميركية وإدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة والكلية الأميركية لأمراض الروماتيزم، دعونا نعرض الجوانب المهمة في ما يتعلق بهذه النوعية من الأدوية الشائعة الاستخدام جدا، لدى مرضى القلب المنتشرين في كل مكان.
إشكالية قلبية علاجية
وأمراض القلب وصف يشمل عدة أمراض مرتبطة بشكل مباشر بالقلب، ومن أهمها أمراض الشرايين، سواء في القلب أو الدماغ أو أعضاء البطن أو الأطراف، وتداعيات الإصابات في شرايين الأعضاء تلك، مثل نوبات الذبحة الصدرية ونوبات الجلطة القلبية والسكتة الدماغية والفشل الكلوي وإصابات الأطراف. كما تشمل مرض ارتفاع ضغط الدم، وفشل القلب أو ضعف القلب، وإصابات الصمامات، واضطرابات إيقاع نبض القلب، وأنواعا أخرى من الأمراض المرتبطة في تأثيراتها أو أسبابها بالخلل في قدرة القلب على أداء وظائفه.
كما أن الملاحظ هو انتشار أمراض الروماتيزم وغيرها من أمراض الجهاز العظمي العضلي بين الناس المصابين بأمراض القلب.
وغالبا ما تتم معالجة هذه النوعية من الألم بالأدوية التي يُطلق عليها «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية»، وهذه النوعية من الأدوية تشمل الأسبرين والبروفين والفولتارين وغيرها. والسبب في هذه التسمية هو للتفريق بينها وبين أدوية مشتقات الكورتيزون المضادة للالتهابات، وللتفريق بينها وبين أصناف أخرى من الأدوية المُسكنة للألم والمضادة للالتهابات، مثل البانادول والتاينيلول وغيرهما.
والإشكالية القلبية العلاجية، تتمثل في أن تناول بعض مرضى شرايين القلب لبعض أدوية مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية»، يرفع من احتمالات خطورة إصابة هؤلاء المرضى بنوبات الجلطة القلبية، والسكتة الدماغية، واضطراب استقرار التحكم في ارتفاع ضغط الدم وفشل القلب. وتحديدا ترتفع الاحتمالات السلبية لدى المرضى الذين حصلت لديهم تداعيات في أمراض شرايين القلب، أي الذين سبقت إصابتهم بالذبحة الصدرية أو نوبة الجلطة القلبية. كما ترتفع الاحتمالات لدى مَن لديهم بالأصل عوامل قوية للإصابة بأمراض الشرايين، كعدم انضباط مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكوليسترول.
والسؤال الذي يظل دائما يحتاج إلى إجابة تفصيلية، ولكل مريض على حدة، هو: متى يُمكن بأمان لمريض القلب تناول هذه النوعية من الأدوية للتغلب على آلام المفاصل، أو العظام أو العضلات أو الأوتار، التي يشكو منها؟.
مضادات الالتهابات
غير الستيرويدية
الأدوية من مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية» تمتاز بأن لديها قدرات على كل من: خفض حرارة الجسم، تخفيف الألم، تقليل مستوى تفاعلات ومظاهر عمليات الالتهابات، أي التورم والاحمرار وغيرهما، في أي منطقة من الجسم.
ووفق إرشادات إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن من هذه الأدوية مجموعة يُمكن الحصول عليها وشراؤها مباشرة، من المتاجر أو الصيدليات، مباشرة دونما الحاجة إلى وصفة طبية Available Over the Counter (OTC)، والبعض الآخر يتطلب الحصول عليها وصفة طبية مباشرة من الطبيب لمريض بعينه. ومن أمثلة الأنواع التي يُمكن الحصول عليها من دون الوصفة الطبية: الأسبرين، إبيوبروفين، نبروكسين، وكيتابروفين. ومن أمثلة أنواعها التي تحتاج إلى وصفة طبية: سيليبريكس، ديكلوفيناك أو فولتارين، فينوبروفين، إندوميثاسين أو إندوسين، ميفينامك أسيد أو بونوستيل، موبيك، وموترين، وغيرها.
وتتشابه طريقة عمل هذه الأدوية، لذا تُعتبر مجموعة واحدة. وبالجملة تعمل هذه الأدوية على خفض إنتاج الجسم لمادة كيميائية تُدعى «سايكلوأوكسيجنيز» Cyclooxygenase، أو ما يُمكن اختصارها بكلمة «كوكس» (COX). وهذه المادة تُوجد في الجسم على نوعين، الأول «كوكس 1»، والثاني «كوكس 2». ويتم في معظم أنسجة الجسم إنتاج مادة «كوكس 1»، بينما يتم إنتاج مادة «كوكس 2» في مناطق الالتهابات، كنتيجة لوجود عملية تفاعل الالتهاب، لذا فإن بنتيجة إنتاج مادة «كوكس 2» تظهر علامات التورم والاحمرار، في منطقة الالتهابات الميكروبية أو غيرها من أنواع التهابات الإصابات في المفاصل والعضلات والأعضاء والشرايين والأوردة وغيرها.
وهنا، تنقسم مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية» إلى نوعين: نوع يُخفض إنتاج مادة «كوكس» في أي مكان في الجسم، سواء كان إنتاج المادة هذه حصل كردة فعل لعملية الالتهاب أو كإنتاج طبيعي لإحدى مناطق الجسم. وهذا النوع الأول من الأدوية يُدعى بـ «غير انتقائي» في العمل Nonselective، لأنه يُخفض إنتاج كل من «كوكس 1» و»كوكس 2». ومن أمثلة النوع الأول، عقار الأسبرين، البروفين، والفولتارين، لذا فإنها تُخفف الألم وتُخفّض الحرارة والالتهاب، لكن في نفس الوقت تتسبب بمخاطر على سلامة المعدة. والسبب أن مادة «كوكس» هي جزء من عملية حماية بطانة المعدة من الإصابة بالقروح، وبالتالي فإن إحدى مضاعفات تناول النوعية «غير الانتقائية» من أدوية مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية» هو التسبب بقروح المعدة ونزيف المعدة. ومنذ أواخر التسعينات الماضية، ظهر النوع الثاني من مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية». وهو الذي يشمل الأدوية «الانتقائية» في خفض إنتاج «كوكس 2» فقط، وبالتالي فهي أخف وطأة على المعدة وغشاء بطانتها.
أضرار على القلب والجسم
وتتضمن النصيحة الطبية لاستخدام أدوية مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية»، العمل على تناول أي منها عند الضرورة ووجود دواع طبية، وتحت الإشراف الطبي، وبأقل كمية ممكنة ومفيدة من جرعتها، ولأقصر مدة زمنية.
والأدوية من مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية» تعمل في نهاية المطاف على تخفيف الألم والالتهابات والحرارة، عبر خفضها إنتاج مادة «كوكس» في الجسم. بيد أن لها آثارا جانبية غير مرغوب فيها البتة، خاصة لدى مرضى القلب أو الناس الأكثر عُرضة للإصابة بأمراض القلب.
وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أعلنت العام 2004، أن ثمة احتمالات لتسبب الأدوية «الانتقائية»، أي الموجهة نحو خفض إنتاج «كوكس 2»، في رفع احتمالات الإصابة بنوبات الجلطة القلبية أو السكتة الدماغية، خاصة عند استخدامها لوقت طويل أو في أوقات ترتفع احتمالات الإصابة بأمراض القلب فيها، مثل ما بعد عمليات القلب الجراحية. وفي ذلك الوقت، كانت توجد في الأسواق ثلاثة أنواع من هذه الفئة للأدوية، وهي فيوكس، سيليبريكس، وبيكسترا
العدد 2220 - الجمعة 03 أكتوبر 2008م الموافق 02 شوال 1429هـ