سعت بعض الفضائيات هذا العام إلى تقديم أفضل ما لديها من نتاجات تراها مميزة وخاصة وأخرى حصرية عبر قنواتها التي تملكها إلى جمهورها الصائم، إلا أنّ بعض المحطات بدأت تكتشف ما للكاريكاتير من تميز حتى أنها بدأت تنتج المسلسلات الكارتونية الثلاثية الابعاد وبشخصيات تبتكرها هي أو الاستعانة برسّامي الكاريكاتير الصحافيين وتتواصل من خلالها مع جمهورها.
سما دبي الإماراتية مثلا طالعتنا بمسلسلين كارتونيين «فريج»و«شعبية الكارتون» فلم تكن هي تجربتهم الأولى بل كان للموسم الثالث على التوالي، ومحطة الراي الكويتية أتحفتنا بـ «أم سعف» وفضائية الوطن الكويتية بـ «بوقتادة وبونبيل».
فريج
«فريج» أو كما يحلو للبعض بتسميته بأم خماس نسبة لأشهر شخصية من بين تلكم العجايز أبطال المسلسل، قد حافظ على درجة التميّز الفنية التي بدأ فيها فالفنانون الذين عملوا خلف كواليسه هم بالتأكيد حرفيون من الدرجة الأولى أعطوا من خبرتهم لصاحب الفكرة محمد سعيد حارب الكثير الكثير وهو يعكس ضخامة الإنتاج وحجم الصرف المادي الذي صُرف عليه. إلا أن تقنياته رغم جودته العالية لم تأتي بجديد لا على مستوى التنفيذ ولا على مستوى القصة التي لحظنا بتكرار نفسه إلى درجة أن المشاهد وهو يشاهد المسلسل لا يستطيع أن يميز الحلقات الجديدة من تلكم القديمة لموسمين سابقين وهذا طبعا ليس بإساءة بقدر ما هو الوصول إلى درجة من النجاح لربما المعنيون بها انتهجوها لا يريدون تعديها وهي استراحة محارب. وعدد الحلقات القليل الذي إضطر المحطة لأن يكرر حلقات العام الماضي في النصف الثاني من شهر رمضان، مستوى الأفكار ومدى جديتها متوسطه فقد غلب عنصر الابهار عنصر الفكرة في العرض لترانا نندهش من الحركات والألوان والتفاصيل وننسى الموضوع المطروح أصلا! إلا انهم زادوا من ثقافة المتلقي في نشر اللهجة الإماراتية القديمة الجميلة، وهذا نجاح في حد ذاته يُحسب لأم خماس وجماعتها.
شعبية الكارتون
الزميل حيدر محمد رسّام الكاريكاتير الإماراتي صاحب شخصيات أغلب هذا المسلسل أعطى أبعاد النفس الكاريكاتيري الصحافي نفسا تلفزيونيا أيضا، من حيث روح المبالغة والدعابة التي يحاكي فيها قراءه بشكل يومي لتصبح صحافيا وتلفزيونيا لتراها جلية في الدموع وطيران السيارات مثالا، إلا ان نوعية الأفكار المطروحة هي فنتازية تهدف للتسلية أكثر منها من الطرح الجاد. وتنوع الشخصيات الموجودة يطرح واقعا إماراتيا بحتا، وهو اعتراف بخليط من إماراتيين وأفراد ذوات أصول غير إماراتية وعربية تمارس حياتها بهذا الشكل في الإمارات لا تحبذ بعض الدول التطرق لها أصلا.
تنفيذ المسلسل على (2D) لم يقلل من جودته بل أعطاه لمسة فنية جميلة، وتعدد الشخصيات واللهجات أعطى المسلسل تميزا من خلال التوسع في طرح أفكاره التي لربما يواجه صعوبة في تناولها مع محدودية الشخصيات.
أم سعف
هي عبارة عن مجموعة نسوان لهن حركاتهن ومقالبهن واهتماماتهن بين الطباخ والتبضع في الأسواق وهواية الرقص والغناء، تم تنفيذ الشخصيات بنظام (3D) إلاّ أن مستوى التنفيذ من حيث التفاصيل تراه أقل جودة من «فريج» مثلا.
أفكاره المطروحة كانت بغرض التسلية عن أيّ فكرة جادة للطرح، وهو من المسلسلات التي لا تترك أثرا في ذهن المشاهد وينساها بسرعة.
أبوقتادة وبونبيل
التحول من شخصيات صحافية إلى تلفزيونية هو علامة لنجاح الصحافة وهو يحسب للرسام صاحب الشخصيات، حيث نراه يتكرر معنا هنا أيضا وشخصيات هذا المسلسل هم شخصيات معروفة لقراء الصحافة الكويتية، وأكثر ما يميز هذا العمل هو الجرأة في طرح موضوعاته السياسية المحلية الكويتية وما يدور في الدواويين الكويتية المفتوحة والمغلقة، فهو يتعامل مع شخصيات لربما يعتبرها البعض «خط أحمر» وهم الدينيون المتشددون والموصوفون بالإرهابيين، يتناول طرح الفكرة بشكل مباشر من غير أي لف أو دوران، بل هو يسخر منها بطريقته، المُتابع له كان يلحظ تحرك الشخصيات بشكل مُريح رغم محاولة لم أكبر عدد من التناقضات بين الحضري والبدوي والشخصيات المخلوطة من دول إيرانية وشرق آسيوية كونهم من أصول مختلفة، ولن يخفى عليك معاناتهم مع الرقابة الكويتية في حلقتهم الأخيرة التي يخاطب فيها الشخصيات مشاهديهم باعتبارهم شخصيات لها اعتبارها وهم لا يختلفون عن كونهم ممثلين في الشاشة ترى أحدهم في السوق وآخر يُمارس دوره بشكل طبيعي كأي كويتي.
خلاصة
بما أن أغلب المسلسلات الكارتونية التي استعرضناها كانت تستخدم برامج الكمبيوتر في تقنية التنفيذ، وكان الاستخدام حرفي إلى أبعد الحدود، حيث يلحظ المشاهد إلى تميزها من ناحية تركيب الأصوات واختيارها وتناسبها مع حركة شفايف الشخصية وايقاع الجسم لها، كما لا يمكن أن ننكر بأنها أصبحت خطرا على بعض المسلسلات الكبيرة بل هي قد غيّبت مسلسلات القص واللزق وبرامج المعلبات المُسماة خفيفة، وأغرب ما يمكن للمتابع أنْ يلحظه فعلا هو أن ومع كثرة هذه المسلسلات الكارتونية إلا انها لم نر أيا منهم خصما أو منافسا للآخر، وقد حافظ كل منهم على خصوصياته التي انتهجها. كما أن المحطات الفضائية التي أنتجت هذه المسلسلات الكارتونية هي مُدركة تماما بأنها تنفق على برامج كلفة إنتاجها أكثر بكثير من برمج حوارية مباشرة أو تصوير كاميرة خفية ساذجة مع بسطاء الناس، إلاّ أنها مُدركة أيضا ـ هذه المحطات الفضائية ـ بأنّ لمشاهديها الحق عليهم في تقديم الأفضل؛ لأنّ منافسة الفضاء صعب يجب إدراكه. وما يجب أن تستذكره بعض الفضائيات التي تنتهج «الرخيص والقوي» ولاسيما في تجاربها السابقة في هذا المجال أيضا أن تعرف بأن احترام المشاهد وليس استغباءه فوق كل اعتبار، وأي عمل مهما يكن بسيطا يحتاج إلى كل في تخصصه وسياسة «التلصيق» أو سياسة «All in One» باتت سياسة فاشلة وقديمة
العدد 2220 - الجمعة 03 أكتوبر 2008م الموافق 02 شوال 1429هـ