لا يبدو بروس هايز اشبه بديكتاتور أخرق. إنه يفضل قمصان الـ «تي شيرت» وجزمات رعاة البقر على البذلة العسكرية وتعليق النياشين على صدره. إنه يقود سيارات «بيك آب» موحلة وليس السيارات المصفحة الفارهة.
إذن، لماذا يعيش هذا الطبيب العائلي في مجتمع الكاوبوي في وايومينغ ويجند جيشا خاصا به على بعد ثمانية آلالف ميل في جمهورية افريقيا الوسطى البعيدة الفقيرة.
«لا تقل جيشا». يقول هايز مقطبا حاجبيه.
ماذا تسمي، إذن، مجموعة مؤلف من 400 جندي يحملون بنادق الكلاشينكوف؟ ميليشيا؟ مرتزفة؟ عسكر؟
ويعود هايز إلى التوبيخ: كل ما هو عسكري سيئ. هذه دورية لمكافحة الصيد غير المشروع. إنها ذات طبيعة دفاعية صرفة.
والدفاع هنا هو عن الطبيعة، بكل الوسائل اللازمة. هذا هو بيت القصيد. وهذا هو حب هايز الأول والأخير. وفي جمهورية افريقيا الوسطى حيث الاشياء الاكيدة «الوحيدة هي الامطار الغزيرة التي يستمر هطولها اسبوعا كاملا ومحاولات الانقلاب، و«الرسائل اللازمة» تعني المكافحة بقوة السلاح، حتى وان كانت داعية لحماية البيئة.
لا بأس - يقول هايز، إذا كنت تريد أن تعتبرني داعية متطرفا لحماية البيئة. ولكنني لا اطمح لان اصبح ديكتاتورا كأحد حكام بلدان العالم الثالث.
كل ما يحاول هايز عمله - مشددا على أنه يحمل موافقة خطية من رئيس جمهورية افريقيا الوسطى - هو انقاذ ما تبقى من الحياة البرية في البلاد وحماية القرى النائية من عصابات الصيد المحظورة المتوحشة.
هؤلاء ليسوا من الصيادين الذين يحاولون تأمين قوتهم اليومي بنصب الأفخاخ للظباء من أجل لحمها. بل انهم يضرمون النار في الغابات لحشر كل المخلوقات الحية في زاوية معينة ويقتلونها بصليات من نيران البنادق الاوتوماتيكية والصواريخ. وهذا ليس صيدا. إنه ابادة.
وأكد مقال عن هايز في مجلة «ناشنال جيوغرافيك ادفنتشر» في أكتوبر/ تشرين الاول الماضي ان احدى الدوريات اسرت واعدمت ثلاثة صيادين حديثا، وان سبعة صيادين آخرين اعتقلوا وسلموا إلى السلطات. وقال هايز انه علم بالحادثين ولكنه لم يطلع على التفاصيل بعد.
ولم تنجح المحاولات التي قامت بها «الاسوشيدتد برس» للتأكد من الحادثين، ومن حصول هايز على موافقة حكومة جمهورية وسط افريقيا. ورفض سفير جمهورية وسط افريقيا - البلد في واشنطن والمسئولون في بانغي، عاصمة البلد - الادلاء بأي تعليق.
ويقول هايز: «الهدف ليس قتل الناس. ولكن لا يكفي ان تعلن ان بقعة معينة هي حديقة وطنية لتصبح الحيوانات فيها آمنة. ولا بد أن تقع بعض المواجهات ويفترض ان تقع اشتباكات بالاسلحة».
وقد أبدت بعض منظمات الحماية الكبيرة اعجابها بالخطوة الجريئة التي يقوم بها هايز في البداية، إلا انها أخذت تتراجع في الآونة الاخيرة.
ويعترف هايز أن مهمته صعبة، ويقول: «عندما آوي إلى فراشي في الليل لا افكر - إنني اقوم بالعمل الصحيح».
يشهد الصيد المحظور في افريقيا ازدهارا من جديد مشكلا سوق سوداء بمليارات الدولارات للعاج والجلود واللحوم وصغار الحيوانات، وذلك بعد عدة سنوات من الركود النسبي.
وتبيع الحكومات امتيازات صناعية لتطوير موارد الاخشاب والثروات الطبيعية الأخرى، وتؤدي الصفقات التي تعقدها إلى فتح مناطق وأراض كانت مهدا للتطور امام الصيد: وبالمقارنة مع تلك البلدان تبدو جمهورية افريقيا الوسطى التي كانت مستعمرة فرنسية جنة عدن منسية.
يقع هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه اربعة ملايين نسمة في مركز القارة الافريقية. وقد كانت بمستوى الاساطير الخرافية في اعين بعض العلماء والمصورين، ومعقل للتنويع البيولوجي الاستوائي.
وكان السكان القبليون الاصليون يسمون نهر تشينكو النبي اللون الداكن «نهر الافيال» لان عشرات الالوف من الافيال كانت تمرغ فيه وتتقاسم المياه مع التماسيح وافراس الماء. وكانت قطعان هائلة من الجواميس والزرافات والظباء تهاجر عبر السهوب التي تزيد مساحتها عن ثلاثة اضعاف منطقة سيرنغيتي الاسطورية، تتعقبها الاسود والفهود.
ولكن فيما كان العالم غافلا عما يجري خلال السنوات الماضية، أخذ الصيادون غير الشرعيين يتوغلون في المنطقة خلال مواسم الجفاف الشتوي عبر الحدود الشرقية من السودان.
ويقدر العلماء ان حوالي 95 في المائة من الحيوانات البرية في منطقة تشينكو قد انقرضت. غير ان المذبحة لا تنتهي هنا. فالنساء يتعرضن للاغتصاب والرجال يتم استعبادهم فيما يجري تدخين اطنان من اللحوم في مخيمات الصيادين، ثم تحمل على الجمال والخيول لنقلها وبيعها في اسواق السودان، او تعرض على لوائح الطعام في العواصم الافريقية والاوروبية - كل ذلك على رغم انف القيود الدولية المفروضة على اللحوم المهربة.
إن تسيير دوريات تحمل اوراقا بقتل الصيادين غير الشرعيين ليس بالأمر الجديد. ففي افريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية اسست حكومات حدائق وطنية وعبأت الجيوش لاعتقال الصيادين وحماية حدود البلاد.
وحتى في جمهورية افريقيا الوسطى توفر الحكومة حماية لبعض الحيوانات البرية في حدائق وطنية ومحميات في المناطق الجنوبية الغربية بمساعدة من الصندوق العالمي للحياة البرية.
وفي سبعينات القرن الماضي كان هايز احد الاعضاء المؤسسين لمنظمة Earth First (الأرض أولا)، وهي حركة بيئية سرية عرفت بالقيام باعمال تخريب واقامة حواجز على الطرقات والاعتصام بالجلوس عند جذوع وعلى فروع الاشجار.
وافتتح هايز عيادة في جاكسون في العام 1983، قبل ان يصل متوسط اسعار المنازل إلى مليون دولار، وقبل ا ن تقام اكشاك بيع القهوة على زوايا الطرق. ومع افتتاح مؤسسات طبية حديثة مليئة بجراحي التجميل واختصاصيي معالجة العظام، تابع هايز معالجة مرضى من الطبقة العمالية والمهاجرين. غالبا من دون مقابل. وفي العام 1992 اختارته غرفة التجارة «مواطن السنة».
قرية رافاي على مدخل نهر تشينكو كانت القرية المأهولة الوحيدة، وقد استقبل شيوخ القرية فريقه بقصص الرعب الذي عانوه على ايدي الصيادين. ويقول: «جميل أن تبحر في نهر غير مستكشف بعوامة. ولكن في مرحلة معينة يصبح من واجبك الاخلاقي ان تفعل شيئا».
وعليه، أسس هايز ورفاقه مجموعة المحافظة على الغابات المطرية النهرية لافريقيا وهي مجموعة لا تعنى بالربح. واضافة إلى المرتزق الغامض دايف برايانت وظف هايز خبيرا في الارتباط السياسي والتطوير والتنمية القروية من اجل مباشرة اعمال حفر الآبار والعناية الصحية وتأسيس الاعمال الصغيرة.
وتقدر المجموعة ان برامجها شبه العسكرية والانسانية ستكلف 600 ألف دولار سنويا. إلا أن منظمات المحافظة الثرية لم تسارع إلى تقديم المعونات لتوجسها من الاساليب التي تتبعها المجموعة في نشاطها، واعتبارها ان «استخدام القوة الفتاكة ليس عملا خيريا».
وينتمي هايز إلى عضوية جمعية وايومينغ الطبية. وقالت ناطقة باسم الجمعية أن ا لنشاط الذي يقوم به هايز ليس من نوع الانشطة التي تهتم بها الجمعية